تَزعُم مؤسسة Citizen Lab التابعة لجامعة تورونتو الكندية أن هناك عملاء يُرجَّح انتماؤهم لحكومة المملكة العربية السعودية يستخدمون برنامجاً مُصَمَّماً للتجسُّس على الهواتف الخلوية في محاولة من أجل التنصُّت على لاجئ سعودي يعيش في كندا.
وتقول المنظمة، في تقرير صدر يوم الإثنين الأول من أكتوبر/تشرين الأول، تناولته صحيفة The Globe And Mail الكندية إن لديها "ثقةً شديدة" في أن برنامج المراقبة استهدف شخصاً في كندا هذا الصيف.
كان الهدف، وفقاً لما قالته Citizen Lab، هو التقاط الاتصالات التي يجريها أحد سكان مقاطعة كيبك من جهاز الآيفون الخاص به، وهو يبلغ من العمر 27 عاماً ويدعى عمر عبدالعزيز، وهو ناشط سعودي معارض يتمتع بشعبية كبيرة على الشبكات الاجتماعية وينتقد النظام السعودي علناً.
يزعم التقرير أن هذا قد يكون بمثابة تجسُّس غير قانوني حدث في كندا بين شهريّ يونيو/حزيران وأغسطس/آب.
السعودية تتجسس على معارضيها في كندا، في ظل تصاعد الخلاف بين البلدين
تأتي أخبار هذا الفعل في خضم الخلاف الدبلوماسي المستمر بين كندا والسعودية. وصرَّحت وزيرة الشؤون الخارجية، كريستيا فريلاند، وإدارتها الدبلوماسية على موقع تويتر بأنهم "قلقون للغاية" بشأن اعتقال المملكة لـ"نشطاء المجتمع المدني وحقوق المرأة"، ودعت علناً إلى إطلاق سراحهم.
ورداً على ذلك، اتهمت الحكومة السعودية كندا بأنها تتدخَّل في شؤونها الداخلية. وقطعت على الفور بعض العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع كندا، واستدعت الآلاف من الطلاب السعوديين.
ونشرت مؤسسة Citizen Lab، والتي تضم مجموعةً من الأكاديميين والمحللين الرقميين في كلية Munk للشؤون العالمية التابعة لجامعة تورونتو، العديد من المزاعم حول عمليات التجسُّس التي تضطلع بها السعودية بعد بحثها طويل الأمد حول احتمالية إساءة استخدام برامج المراقبة التي تُباع إلى الهيئات الحكومية.
وأمضت مؤسسة Citizen Lab سنواتٍ عديدة في إجراء أبحاث عن شركة NSO Group، وهي شركة إسرائيلية تبيع جهازاً يُعرَف باسم Pegasus. ويمكن استخدامه عن بُعد لاختراق الهاتف الخلوي الخاص بالشخص المستهدف واستعادة البيانات التي ينجح الجهاز في الوصول إليها لاحقاً.
وكانت التكتيكات ومسارات الإنترنت، التي يُزعَم أن شركة NSO Group تستخدمها، موضوع عدة تقارير أصدرتها مؤسسة Citizen Lab.
وتعتمد السعودية على برامج تجسس، لاستهداف الهواتف الخلوية
على سبيل المثال، أصدر باحثو المؤسسة، في يوليو/تموز الماضي، بياناً يزعمون فيه استخدام رسائل مُضلِّلة حول المظاهرات في المملكة السعودية في محاولاتٍ لاستهداف الهواتف الخلوية لبعض الأشخاص، بما في ذلك الهاتف الخاص بباحثٍ إقليمي من منظمة العفو الدولية.
وأصدرت Citizen Lab تقريراً آخر في سبتمبر/أيلول يشير إلى أن 36 حكومة على الأقل تستخدم الآن برنامج NSO Group، وتقول المؤسسة إنه من شبه المؤكَّد أن جهاز الأمن السعودي من ضمنهم.
وحاولت صحيفة The Globe الاتصال بشركة NSO Group عدة مرات عن طريق البريد الإلكتروني ورسائل LinkedIn، لكنها لم تستجب. ولم ترد السفارة السعودية في كندا على المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني من The Globe كذلك.
ولكن الشركة الإسرائيلية ردَّت في رسالة بتاريخ 17 سبتمبر/أيلول إلى مؤسسة Citizen Lab على الانتقادات بزعمها وجود أخطاء في البحث الذي اضطلعت به المؤسسة.
وجاء في نص رسالتها: "تبيع شركة NSO Group منتجاتها المُرخَّصة للهيئات الحكومية الشرعية فقط ولغرضٍ وحيد هو إجراء التحريات ومنع الجريمة والإرهاب".
وأضافت الشركة في رسالتها أن برنامجها ساعد في منع التفجيرات الانتحارية، وإدانة تجار المخدرات وتحديد أماكن وجود الأطفال المفقودين، لكنها لم تُدلِ بأيّة تفاصيل حول الدول التي يمكنها استخدام هذه البرامج وأيُّها لا تستطيع ذلك. إذ قالت الرسالة: "لن يعمل المُنتَج خارج الدول الموثوق بها".
وتلجأ الدول القمعية لأدوات التجسس من أجل قمع وسحق المعارضة
قال رون ديبرت، مدير مؤسسة Citizen Lab، في مقابلةٍ أُجرِيَت معه، إن الدول القمعية تسيء استخدام مثل هذه الأدوات في محاولة لسحق المعارضة. حيث قال: "ما ترونه هو هجمة متوحشة من التجسُّس عبر الحدود تشنها الحكومات التي تستخدم برامج التجسُّس التجارية".
وقال إن تجسُّس أيِّ حكومة أجنبية على هاتف خلوي في كيبك هو انتهاكٌ للقوانين الجنائية الكندية ضد التنصُّت غير القانوني على المكالمات الهاتفية.
دَرسَت Citizen Lab برنامج شركة NSO Group من خلال محاولتها إجراء هندسة عكسية لمسارات الإنترنت المُحدَّدة التي يستخدمها البرنامج. وقالت The Citizen Lab إن جهودها أدت إلى اكتشافها أن جهاز الآيفون في كندا متصلٌ ببرنامج المراقبة الذي قالت المؤسسة إن السعودية تستخدمه.
تقول مؤسسة The Citizen Lab إنها حدَّدَت هذا النشاط لأول مرة هذا الصيف، إذ أشار إلى وجود هاتف خلوي مُعرَّض للخطر في كيبك. ولكن لم توضح البيانات هوية صاحب الهاتف. كان من الواضح فقط أن الهاتف استخدم شبكة إنترنت منزلية أثناء النهار وسجل دخوله على شبكة الإنترنت في جامعةٍ قريبة أثناء الليل.
سافر الباحث بيل ماركزاك، الذي يعمل في مؤسسة Citizen Lab، إلى مونتريال في أغسطس/آب، حتى يتمكَّن من التحري عن المعارضين السعوديين وعلاقتهم بهذا البحث. وُجِّهَ ماركزاك إلى عمر عبد العزيز، الذي يُعرف على المستوى المحلي بأنه ينتقد النظام السعودي الحاكم انتقاداً علنياً، وهو يرتاد كذلك صالة ألعاب رياضية في جامعة بيشوب لأداء التمارين الرياضية.
التقى الرجلان في مقهى، وقرَّر أن توقيت الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية يتوافق مع الإحداثيات التي توصلت إليها The Citizen Lab.
وقدَّمَ فحصٌ لجهاز الآيفون بعض الأدلة الإضافية.
وفي أواخر شهر يونيو/حزيران، بعد أن طلب عبد العزيز مسحوق بروتين عبر الإنترنت، تلقى رسالةً نصية وجَّهَته إلى موقع تتبُّع الطرود. ولكن وفقاً لـ Citizen Lab، فقد كان الرابط مزيفاً، وكان من شأنه توجيه الهاتف إلى موقع تستخدمه شركة NSO Group للسيطرة على الهواتف الخلوية.
ويقول تقرير Citizen Lab: "لكننا غير قادرين على إثبات أنه نقر على الرابط"، وأضاف أيضاً أن الباحثين "يفتقرون بالمثل إلى البيانات الأساسية في جهاز الآيفون الخاص به والتي من شأنها أن تثبت حدوث الاختراق".
وفي مقابلةٍ مع عبد العزيز، قال إنه لا يساوره شكٌّ في أن حكومته السابقة تستهدفه. ومنذ حصوله على حق اللجوء السياسي في كندا منذ خمس سنوات، يقول إن حساباته على الشبكات الاجتماعية يتابعها الكثيرون في مختلف أنحاء العالم بما في ذلك قناته الساخرة على اليوتيوب.
وقال إن الحكومة السعودية لا تحب آراءه. وأضاف أن اثنين من إخوته قد اعتُقِلوا في حملة القمع الصيفية في وطنه. وهو يعتبر ذلك شكلاً من أشكال الضغط لمحاولة إجباره على التوقُّف عن انتقاد البلاد على الشبكات الاجتماعية.
ويخشى عبد العزيز منذ لقائه بباحث Citizen Lab الذي جاء إليه طوعاً لتحذيره قبل بضعة أسابيع، من أن القرصنة المحتملة لجهاز الآيفون الخاص به قد تسبَّبت في استهداف أشخاص آخرين كذلك.
وقال: "لا أعرف عدد الكنديين المُعرَّضين للخطر الآن، الكثير منهم"، مضيفاً أنه لم يعد يستخدم هذا الجهاز.