أعلنت المملكة العربية السعودية أمس الأحد 30 سبتمبر/أيلول 2018 أنها تُخطِّط لزيادة الإنفاق بشكلٍ ملحوظ خلال العام المقبل، مستغلةً ارتفاع أسعار النفط وهي الخطة التي ستسهم في تعزيز النمو البطيء و خلق الكثير من فرص العمل في الدولة ذات الاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط.
ومن المُتوقَّع أن يبلغ حجم إنفاق الحكومة من الميزانية أكثر من 1.1 تريليون ريال سعودي (295 مليار دولار أميركي) عام 2019، بزيادة نحو 7% عن النفقات المُقرَّرة خلال العام المالي الحالي، حسبما أعلنت وزارة المالية السعودية في القائمة الأولية المختصرة للميزانية. وعادةً تُصدِر الوزارة بياناً أكثر تفصيلاً بالميزانية السنوية في ديسمبر/كانون الأول، وفقاً لما نقلته صحيفة The Wall Street Journal الأميركية.
تُنفِّذ المملكة، في ظلِّ ولاية عهد الأمير محمد بن سلمان، خطةَ تحوُّلٍ طموحة تتمثَّل في استغناء اقتصادها عن الاعتماد على النفط بتعزيز القطاع الخاص. لكن النمو تباطأ في ظلِّ تقليص الإنفاق بما في ذلك الإعانات المالية، تماشياً مع الانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ عام 2014. وتُمثِّل مبيعات الطاقة أكثر من 70% من إيرادات الموازنة في السعودية.
ليس واضحاً حتى الآن إذا كانت السعودية ستراجع خطط الإصلاح لديها
ليس من الواضح الآن إذا كانت السعودية ستُراجِع بعض خطط الإصلاح لديها مع عودة زيادة أسعار النفط حالياً. فالزيادة في الإنفاق ستسهم في تعزيز النمو، الأمر الذي سيُسهِّل على الحكومة مهمة إطلاق التغييرات الاقتصادية الصعبة المطلوبة على المدى البعيد، حسب قول بعض المُحلِّلين.
تخشى السعودية حدوث انخفاضٍ حادٍ في أسعار النفط، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض الإيرادات وزيادة عجز ميزانيتها وإعاقة قدرتها على تنفيذ إصلاحات تأمل من خلالها في تنويع الاقتصاد.
وأعلنت وزارة المالية السعودية أنها تتوقَّع أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، الذي تقلَّصَ عام 2017، بنسبة 2.3% العام المقبل، وأن يتعافى تدريجياً ليصل إلى 2.4% عام 2021 نتيجة للإصلاحات الاقتصادية للدولة. ويتوقَّع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.9% هذا العام، مع توقُّع أن يُعزَّز القطاع غير النفطي بنسبة 2.3%.
لكن الحكومة تقول أنها سوف تنفذ رؤية 2030 مهما كانت المعوقات
قال محمد الجدعان، وزير المالية السعودي، إن الهدف الرئيسي للحكومة في ميزانية 2019 هو استمرار تنفيذ خطة التحوُّل في المملكة التي يُطلَق عليها "رؤية 2030″، التي تتضمَّن تنويع الاقتصاد وزيادة إيرادات القطاع غير النفطي وتحقيق توازن مالي قبل عام 2023.
وتتوقَّع الحكومة زيادة الإيرادات بنسبة 11% بقيمة 978 مليار ريال سعودي (حوالي 261 مليار دولار أميركي) العام المقبل، بحسب وزارة المالية السعودية، الأمر الذي يعني أنها ستشهد عجزاً مالياً مرة أخرى للقيام بالإنفاق. فهي تُخطِّط لسدِّ هذا العجز في الميزانية من إصدارات الديون في أسواق رأس المال، بعد جمع أكثر من 50 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية. وتتوقَّع الحكومة أن يبلغ الدين نحو 22% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019 وأن يزيد إلى نحو 25% عام 2021.
قال مازن السديري، رئيس إدارة الأبحاث في شركة الراجحي المالية التي تتخذ من الرياض مقراً لها: "الإنفاق الحكومي يُحدِث التأثير الأكبر على الناتج المحلي الإجمالي"، مضيفاً: "سيجذب ذلك استثمارات أكثر ويخلق الكثير من فرص العمل للسعوديين".
تبلغ نسبة البطالة بين السعوديين نحو 13% طبقاً لآخر الإحصائيات الحكومية. وتهدف السعودية إلى تخفيض نسبة البطالة هذه من خلال مبادرات مثل فرض الرسوم على الشركات التي تُوظِّف عمالةً من الخارج، وفرض استراتيجياتٍ أكثر صرامة تتمثَّل في نسبٍ لإحلال العمالة الوطنية محل الأجنبية في القطاع الخاص. لكن الجهود حقَّقَت نجاحاً مُختَلَطاً حتى الآن.
وتظل التفاصيل الاقتصادية السعودية محل اهتمام الإدارة الأميركية
حيث تراقب واشنطن الموارد المالية في السعودية عن كثب. فقد دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب السعودية مراراً وتكراراً، بصفتها القائد الفعلي لمنظمة الدول المُصدِّرة للبترول "أوبك"، لخفض أسعار النفط حتى يستطيع الأميركيون تحمُّل نفقات النفط. وأصبح هذا الأمر حاسماً بالنسبة للرئيس الجمهوري على وجه الخصوص قبل الانتخابات النصفية المصيرية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في ظلِّ تكهُّناتٍ بتحقيق الديمقراطيين مكاسب في الكونغرس.
وذكر بيانٌ صادرٌ عن وكالة الأنباء السعودية الرسمية أن الرئيس الأميركي ناقش أمس الأول، السبت 29 سبتمبر/أيلول، مع الملك سلمان ملك المملكة العربية السعودية أوضاع سوق النفط والحاجة للإبقاء على المعروض لضمان نمو اقتصادي عالمي.
وقد تراجعت أسعار النفط عام 2014 ثم بدأت في التعافي منذ ذلك الحين ليصل سعر البرميل إلى 80 دولاراً أميركياً بعد أن قرَّرَت منظمة أوبك التي تقودها الرياض، بالإضافة إلى دولٍ أخرى، تقليص العرض خلال العام الماضي.
وقرَّرَت منظمة أوبك خلال اجتماعٍ عُقِدَ الأسبوع الماضي في الجزائر عدم زيادة العرض من النفط، برغم توقُّع تراجع عدد شحنات النفط الإيرانية، إذ يخشى أعضاء المنظمة من أن يؤدي إغراق السوق بالنفط إلى تراجع الأسعار مرة أخرى.
وأعلنت الحكومة في ديسمبر/كانون الأول الماضي عن حافزٍ مالي قياسي لتعزيز الاقتصاد بعد فترةٍ من التقشُّف في أعقاب تراجع أسعار النفط عام 2014. فقد استخدمت خفض النفقات على مشروعات البنية التحتية ومُستحقَّات الموظفين الحكوميين لسدِّ عجز الموازنة الذي وصل إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015.