الكل تقريباً سمع عن الأمم المتحدة، لكن كم من الناس لا يعرف حقاً وظيفتها أو طريقة عملها؟ أو لماذا تعاني المؤسسة من أجل تحقيق وعود مُؤسِّسيها، بجعل العالم مكاناً أفضل وأكثر سلماً، فيما قادة العالم يتجمَّعون للمشاركة في الجلسة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة؟
صحيفة The New York Times الأميركية، رصدت في تقرير الأربعاء، 26 سبتمبر/أيلول 2018، أهم ما يمكن معرفته عن المنظمة الأممية، التي تعد التجمع الأكبر لدول العالم.
مولد الأمم المتحدة: متى، وكيف، ولماذا؟
وُقِّع ميثاق الأمم المتحدة في مؤتمر عُقِد بمدينة سان فرانسيسكو الأميركية، في يونيو/حزيران 1945، بقيادة أربع دول: بريطانيا، والصين، والاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأميركية.
وحين دخل الميثاق حيز التنفيذ، في 24 أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، كانت حربٌ عالمية قد انتهت لتوّها. وكان معظم قارتي إفريقيا وآسيا لا يزال خاضعاً لحكم القوى الاستعمارية.
وافقت 50 دولة على الميثاق بعد مفاوضاتٍ محمومة، ويبدأ الميثاق بعبارة: "نحن شعوب الأمم المتحدة".
لِمَ هذه العبارة الافتتاحية لافتة؟ لأنَّ البعض ينظرون إلى الأمم المتحدة اليوم باعتبارها تخدم المصالح الوطنية الضيقة لدولها الأعضاء، البالغ عددهم 193 دولة –خصوصاً الدول الأقوى- بدلاً من خدمة المواطنين العاديين.
فتقول مارغريت هوانغ، مديرة الفرع الأميركي لمنظمة العفو الدولية: "الأمم المتحدة مثل ضميرك. لا يمكنها جعلك تقوم بالعمل الصائب، لكن بإمكانها مساعدتك على اتخاذ القرار الصائب".
ويمكن أن تقف هذه الأولويات الضيقة في طريق تحقيق أول وعدين في الميثاق: إنهاء "ويلات الحرب"، واستعادة "الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية".
مُثُل عليا بشأن حقوق الإنسان
أعلنت الأمم المتحدة في العام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتتضمَّن تلك الحقوق الحق في عدم الاستعباد، والحق في حرية التعبير، والحق في طلب اللجوء من البلدان الأخرى بسبب الاضطهاد.
بيد أنَّ الكثير من هذه الحقوق الواردة في الإعلان –الحق في التعليم، والمساواة في الأجر عن العمل المتساوي، والحق في الجنسية- لا تزال غير متحقِّقة.
الجمعية العامة: ساحة بارزة وسلطات محدودة
في كل فصل خريف، تصبح الجلسة الافتتاحية لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة هي الساحة التي يلقي فيها الرؤساء ورؤساء الوزراء الخطب، التي يمكن أن تكون عالية السقف أو مبتذلة، أو يمكنهم إلقاء الخطب المُسهَبة الطويلة والمفككة، كتلك التي ألقاها العقيد الليبي معمر القذافي في 2009. وفي عام 2017، هدَّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشن أعمال عدوان على الدول المنافسة، فتعهَّد بـ "التدمير الكلي" لكوريا الشمالية، إن هدَّدت الولايات المتحدة أو حلفاءها.
يُوفِّر هذا الحدث الكثير من قوة الحضور والجذب، لكن منتقدين يقولون إنَّه ليس أكثر من مؤتمر مُبجَّل.
وطوال بقية الجلسة، تمثل الجمعية العامة الساحة التي تُكسَب وتُخسَر فيها المبارزات الدبلوماسية التي تتمتع برمزية كبيرة. وتُقدَّم مئات القرارات سنوياً. وعلى الرغم من أنَّ بعضها يحوز اهتماماً كبيراً –مثل القرار الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية عام 1975- فإنَّها ليست مُلزِمة قانونياً. (الجمعية مسؤولة عن اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بالميزانية)
ومن حيث المبدأ، تملك الدول الكبيرة والصغيرة، والدول الغنية والفقيرة، صوتاً متساوياً في الجمعية، ويكون لكل دولة صوتٌ واحد. لكنَّ السلطة الحقيقية لا تتركَّز في الجمعية العامة، بل في هيئات أخرى.
مجلس الأمن: قوي لكن مشلول في كثير من الأحيان
يُعَد مجلس الأمن الذي يتألف من 15 دولة عضو، وبفارق كبير، هو الذراع القوية للأمم المتحدة، فيمكنه فرض العقوبات كما فعل ضد إيران، على خلفية برنامجها النووي، وله سلطة التدخُّل العسكري، كما فعل ضد ليبيا عام 2011.
لكن المنتقدين يقولون إنَّه أيضاً أكثر جزء من المنظمة تجاوَزَه الزمن، فأعضاؤه الخمسة الدائمون هم المنتصرون في الحرب العالمية الثانية: بريطانيا، والصين، وفرنسا، وروسيا، والولايات المتحدة. ويُنتَخَب الأعضاء العشرة الآخرون لولاية من عامين، مع تخصيص بعض المقاعد لمناطق العالم المختلفة.
ووُضِعَت العقبات في طريق جهود توسيع العضوية الدائمة في المجلس، لتضم القوى التي برزت بعد العام 1945، مثل الهند والصين وألمانيا. وكل دولة تتنافس للحصول على مقعد، يسعى المنافسون لمنعها من نيله.
ويمكن لأي دولة من الخمس دائمة العضوية –المعروفة اختصاراً بـ(P5)- استخدام حق النقض "الفيتو" على أي إجراء، واستخدمت كلٌّ من هذه الدول هذه السلطة بانتظام لحماية نفسها أو حلفائها. فمنذ العام 1990، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو على قرارات المجلس 18 مرة، الكثير منها متعلق بالعلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية. بينما استخدمته روسيا 22 مرة في الفترة ذاتها.
ويسمح الميثاق للجمعية العامة للتحرُّك بعد استخدام الفيتو في حال كان الأمن والسلم الدوليان مُهدَّدين، لكن نادراً ما يحدث هذا في الواقع.
مشكلات حفظ السلام
تتمثَّل وظيفة مجلس الأمن في الحفاظ على السلم الدولي، لكنَّ قدرته على القيام بهذه الوظيفة قُيِّدت بشدة في السنوات الأخيرة، وجزء كبير من ذلك يرجع إلى الانقسامات المريرة بين روسيا والغرب.
فكان المجلس عاجزاً في مواجهة الصراعات الكبرى، خصوصاً تلك التي يكون لإحدى الدول دائمة العضوية مصلحة فيها.
وفي الآونة الأخيرة، تمثَّل فشل المجلس الأوضح في تعامله مع الصراع السوري الدائر منذ 7 سنوات، الذي دعمت فيه روسيا حكومة بشار الأسد، في حين دعمت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بعض مجموعات المعارضة. وأخفق مجلس الأمن في اتخاذ قرارات حاسمة بشأن سوريا، برغم التقارير عن وقوع جرائم حرب لا حصر لها.
أخفق كذلك في وقف القتال في اليمن، على الرغم من الوضع الإنساني الكارثي، بما في ذلك تفشِّي الكوليرا، والتقارير التي أصدرها محققو المجلس أنفسهم عن ارتكاب جرائم حرب من كلا الطرفين. والعام الماضي 2017، واجهت فظائع واسعة النطاق ضد عِرقية الروهينغيا في ميانمار المجلس، لكنَّه لم يفعل الكثير إزاءها.
تحدَّت كوريا الشمالية، حليفة الصين، هي الأخرى الأمم المتحدة باستمرار، مُتجاهِلةً الحظر المفروض على برنامجها النووي وتجاربها الصاروخية. ولم يكن للهيئة الدولية تأثير كبير في الدبلوماسية المتأرجحة بين واشنطن وبيوغ يانغ، التي تبدَّلت من التهديدات بتوجيه ضربات عسكرية إلى لقاءٍ تاريخي، في يونيو/حزيران الماضي، بين الرئيس ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
الأمين العام: تواصل عالمي ودور غامض
يتسم الميثاق بالغموض في تحديده لواجبات الأمين العام، الذي يمثل أرفع مسؤول بالأمم المتحدة. ويُتوقَّع منه/منها عدم إظهار أي تحيُّز لأي بلد بعينه، لكن المنصب يعتمد إلى حدٍّ كبير على التمويل والنوايا الحسنة لمعظم الدول القوية.
يختار مجلس الأمن –لاسيما الدول الخمس دائمة العضوية- الأمين العام عبر الاقتراع السري، ويتولى كحدٍّ أقصى ولايتين، مدة كلٍّ منهما خمس سنوات. وهذه العملية تجعل استقلالية المنصب عن نفوذ الدول الخمس دائمة العضوية أمراً صعباً.
ولا يملك الأمين العام جيشاً كي ينشره، لكن ما يتمتع به المنصب بالفعل هو منبر قوة يسمح لشاغله بالحديث والاستماع لما يقول. وإذا ما اعتُبِر شاغل المنصب شخصاً يتمتع بالاستقلالية، فإنَّه/إنَّها غالباً ما يكون الشخص الوحيد في العالم القادر على دعوة الأطراف المتحاربة إلى طاولة السلام.
وتولى الأمين العام الحالي، السياسي البرتغالي أنطونيو غوتيريش، زمام الأمور العام الماضي. وكان قد تولى منصب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، بين يونيو/حزيران 2005، وديسمبر/كانون الأول 2015.
وصوَّرت تصرفات سلفه، الكوري الجنوبي بان كي مون، مِراراً حدود سلطة المنصب خلال حقبته التي استمرت 10 سنوات. فعلى سبيل المثال، أُقنِعَ بان كي مون لعامين متتاليين بعدم إضافة دول قوية إلى لائحةٍ للدول والكيانات التي قتلت قواتها المسلحة أطفالاً أو شوهتهم.
وتقلَّد تسعة أشخاص منصب الأمين العام منذ 1946، كلهم من الرجال.
ماذا بعد: أسئلة حول مستقبل الأمم المتحدة
حين تولَّى غوتيريش منصب الأمين العام، ورث منظمةً تواجه مهمة لا تُحسَد عليها لإظهار أهمية الأمم المتحدة في عالمٍ يواجه تحدياتٍ لم يكن من الممكن تصورها قبل 73 عاماً.
وإليكم بعض الأسئلة التي ستُحدِّد ما إن كان تأثير المنظمة سيتقلَّص أم سيتزايد:
– هل بإمكان مجلس الأمن التحرُّك ضد البلدان التي تنتهك القانون الدولي الإنساني؟ وهل يمكن للدول الخمس دائمة العضوية النظر إلى ما يتجاوز مصالحها الضيقة وتنافساتها بهدف إيجاد سبل لإنهاء "ويلات الحرب"؟
– هل يمكن إصلاح عمليات حفظ السلام، بحيث تُضمَن حماية المدنيين؟
– هل يمكن للأمم المتحدة إقناع الدول للإتيان بسبلٍ للتعامل مع واقع الهجرة الجماعية الجديد؟
– هل بإمكان الأمين العام إقناع الدول بالحفاظ على وعودها، بكبح انبعاثات الكربون ومساعدة أولئك الذين يعانون من تبعات التغيُّر المناخي؟
– هل يمكن للأمم المتحدة الاقتراب أكثر من تحقيق التفويض الذي تأسَّست عليه، والمتمثل بجعل العالم مكاناً أفضل وأكثر سلماً؟