عُقدت القمة الثالثة بين الكوريتين في بيونغ يانغ يوم 18 سبتمبر/أيلول 2018. وقد بدأها الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس الكوري الجنوبي مون جاي-إن باحتضان بعضهما البعض في مطار سونان الدولي في محيط بيونغ يانغ. بعد ذلك رحَّب مواطنو بيونغ يانغ بالرئيس مون، بينما كان هو وكيم يحييان الجمهور في سيارة مكشوفة عبر شوارع العاصمة. ثم أجرى الزعيمان محادثات وأعلنا نتائج محادثاتهما.
وحسب مجلة The National Interest الأميركية فقد تمثلت نتائج القمة في 5 أشياء مهمة على النحو التالي:
أولاً:
تعهَّد كيم جونغ أون بزيارة العاصمة الكورية الجنوبية سول هذا العام. كما أعلن ثانياً أنَّ كوريا الشمالية ستدمر منشأة تونغتشانغ-ري لتجارب محركات الصواريخ ومنصات إطلاق الصواريخ، بحضور مفتشين خبراء في الأسلحة النووية من الدول المعنية. علاوةً على ذلك، أضاف كيم جونغ أون أن كوريا الشمالية ستدمر منشأة يونغبيون النووية أيضاً عندما تقوم أميركا بإجراءات لاحقة. ثالثاً، لن تمارس كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية أي ضغوط عسكرية على بعضهما البعض، وأعلنتا عن مناطق منزوعة السلاح في البر والبحر والجو. رابعاً، ستشارك كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية إلى دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو كفريق واحد، وستحاول الكوريتان استضافة أولمبياد 2032 في بيونغ يانغ وسول.
يمثل إعلان بيونغ يانغ الجديد أمراً هاماً حقاً لكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية. وينطوي الإعلان في جوهره على جزأين مهمين على نحوٍ خاص، أحدهما جيد والآخر سيئ.
الجزء السيئ هو أنَّ كيم جونغ أون أعلن أن نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية ليس نزعاً لسلاح كوريا الشمالية النووي فقط. وتهدف لغة كيم هنا إلى تضمين القوات الأميركية في كوريا الجنوبية في الأمر؛ لأن الولايات المتحدة هي القوة النووية الأخرى. وتحتج كوريا الشمالية بأن أميركا يجب أن تنسحب من كوريا الجنوبية نتيجة محادثات بيونغ يانغ وقمة سنغافورة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. بالإضافة إلى ذلك، إذا رفضت أميركا نزع السلاح أو رفضت مغادرة كوريا الجنوبية، يمكن لكوريا الشمالية أن تلغي اتفاق بيونغ يانغ واتفاق سنغافورة؛ لأنَّ بند نزع السلاح النووي كان مكتوباً بطريقة تشير إلى "شبه الجزيرة الكورية" بأكملها.
ثانياً:
حقيقة أنَّ كوريا الشمالية ربما لم تقدم أي قائمة بالمنشآت النووية الحالية وأعداد القنابل. إذ قال كيم جونغ أون إنَّ كوريا الشمالية ستفكك منشأة اختبار محركات الصواريخ دونغتشانغ-ري. هذا التنازل يمثل أمراً مهماً للولايات المتحدة؛ لأنَّ المنشأة هي التي طوَّرت صواريخ كوريا الشمالية الباليستية العابرة للقارات. لكن هذه القدرة الصاروخية تقريباً 90% قيد الاكتمال. وبالتالي تدمير منشأة دونغتشانغ-ري يعني أنَّ كيم سيتخلى عن قدرات الصواريخ الباليستية المستقبلية ويحد من عدد هذا النوع من الأسلحة الموجودة تحت تصرفه. وبعبارة أخرى، فإنَّ كوريا الشمالية لن تهدد أميركا بنفس الدرجة دون المزيد من هذه القدرات الصاروخية. لكنَّ التخلي عن هذه القدرات لا يعني أنَّ كيم سيتخلى عن الأسلحة النووية التي انتهى تصنيعها وموجودة بالفعل لدى كوريا الشمالية.
وينطوي إعلان بيونغ يانغ على نقاط إيجابية أكثر من السلبية. أولاً، قال كيم نفسه إنَّه سيذهب إلى سول حتى لو عارض جميع موظفيه هذه الخطوة. عندما يكون كيم هو الزائر يعني ذلك أنَّه لديه الإرادة الصادقة لنزع السلاح النووي وإقرار الإجراء المنتظم للقمم بين الكوريتين. لكنَّ كوريا الجنوبية مختلفة تماماً عن كوريا الشمالية، ويعارض الكثير من الكوريين الجنوبيين اللقاء مع كيم. هذا يعني أنَّ على كيم جونغ أون مواجهة هذا الموقف المحرج. وعلى الرغم من هذه المخاطر السياسية، يفيد منطق زيارته لسيول بأنَّه أعطى الأولوية للتنمية الاقتصادية لكوريا الشمالية على حساب أشياء أخرى.
ثالثاً:
قَبِل كيم عمليات التفتيش من الدول المعنية، وأعلن أنَّه سيفكك منشأة يونغبيون النووية بعد قيام الولايات المتحدة بالإجراءات الخاصة بها. وهذا أمر مهم لأنَّ منشأة يونغبيون لها معنى رمزي كبير في تاريخ التطور النووي كوريا الشمالية. ويمكن للمنشأة إعادة معالجة البلوتونيوم وإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب. لذا، بينما كانت الولايات المتحدة تعتقد أنَّ كوريا الشمالية ستتخلى عن المنشأة في نهاية المفاوضات، يبدو أنَّ كيم يتخلى عن منشأة يونغبيون في المرحلة الأولى من المفاوضات. وهذا أمرٌ جلل بالنسبة لكوريا الشمالية، لكن هناك شرط واحد يُسمَّى "الإجراء التالي". وهذا يعني إعلان نهاية الحرب الكورية. لذا، تحاول كوريا الشمالية الحصول على إعلان سلام من الولايات المتحدة من خلال تقديم ضمانة كبيرة لأميركا.
رابعاً:
وافقت كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية على تشكيل مجموعة استشارية ثلاثية تشمل أيضاً قيادة قوات الأمم المتحدة في كوريا لتدمير جميع مواقع الحراسة في المنطقة منزوعة السلاح وإزالة الألغام. وكانت كوريا الشمالية في الماضي ترفض إشراك قيادة الأمم المتحدة في المجموعة الاستشارية؛ لأنَّ قائد هذه القوات هو نفسه قائد القوات الأميركية في كوريا الجنوبية.
لكن هذه المرة، غيَّرت كوريا الشمالية موقفها التقليدي تجاه قيادة الأمم المتحدة. وفقاً للبيت الأزرق الرئاسي في كوريا الجنوبية، لن يطلب كيم من أميركا الانسحاب من كوريا الجنوبية بعد إزالة الألغام وسحب نقاط الحراسة. وقال مستشار الأمن القومي في كوريا الجنوبية، تشونغ إيوي يونغ، إنَّ كوريا الشمالية لن تطلب إزالة الوحدات الأميركية في كوريا الجنوبية. وستخفف حقيقة أنَّ كوريا الشمالية تعترف بوجود الجيش الأميركي في كوريا الجنوبية من مخاوف الأحزاب المحافظة في كوريا الجنوبية بشأن الانسحاب الأميركي.
خامساً:
لدى رئيس كوريا الجنوبية معلومات إضافية واتفاقية أخرى مع كوريا الشمالية، لم تُكتَب في اتفاق بيونغ يانغ يوم 19 سبتمبر/أيلول. ومن المرجح أنَّها تشمل الجدول الزمني لنزع كوريا الشمالية لسلاحها النووي، وقائمة بالأسلحة النووية. وهذا ما كان تشونغ يشير إليه على الأرجح عندما قال إنَّ الرئيسان مون وكيم تحدثا عن موضوع آخر وتوصَّلا إلى اتفاق آخر بجانب الاتفاق المعلن.
في الواقع، سيزور مون الولايات المتحدة لإطلاع ترمب على المعلومات. وإذا كانت المعلومات تتمثل في جدولٍ زمني لنزع السلاح النووي أو القائمة النووية التي تطالب بها الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن يكون هناك إعلان لنهاية الحرب الكورية في القمة القادمة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.