تشير أنقرة إلى استعدادها لاستخدام القوة ضد فصائل عسكرية تعتبرها "إرهابية" بمحافظة إدلب السورية، على رأسها هيئة "تحرير الشام"، وذلك كجزء من اتفاق إدلب الذي أُبرِم مع موسكو، وضع الحكومة التركية تحت ضغطٍ للالتزام بالاتفاق.
وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر سبتمبر/أيلول 2018، اتفق الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب التي تُسيطر عليها المعارضة، في خطوة يتوقع أن تؤدي إلى تجنيب المحافظة الواقعة شمال غربي سوريا عملية عسكرية كبيرة من النظام وحلفائه، وحذرت دول غربية من أن تؤدي إلى كارثة إنسانية.
وتحدث تقرير نشره موقع "صوت أميركا" VOA، أمس الجمعة 21 سبتمبر/أيلول 2018، عن أن أنقرة تحمل الآن على عاتقها مسؤولية جسيمة، تتمثَّل في التخلُّص من "الجماعات المتطرفة"، إضافةً إلى أسلحة المعارضة الثقيلة، من منطقةٍ تمتد بين 15 إلى 20 كيلومتراً، بحلول يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وقال آيدن سِلجِن، الدبلوماسي التركي السابق: "إنَّ التحدُّث داخل غُرف القصور وإقامة مؤتمرات صحافية وما شابه شيءٌ، والقتال على الأرض شيءٌ آخر. خصوصاً بسبب هيئة تحرير الشام، وهي قوة جهادية تتألَّف من 30 ألف مقاتل غربَ إدلب، وخصوصاً بالقرب من الحدود التركية وداخل مدينة إدلب ذاتها. ماذا سيقرِّرون؟ هل سيوافقون على هذا الحل؟ هذا هو السؤال".
وأشار إبراهيم قالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية، في أثناء حديثه للصحافيين، يوم أمس الجمعة، إلى "استعداد تركيا لاستخدام القوة ضد الجماعات المتطرفة إذا لم توافق على مغادرة المنطقة منزوعة السلاح"، مضيفاً: "سنلجأ إلى محاولات الإقناع، وتهدئة الأوضاع، وأيّ إجراء لازم".
وكانت أنقرة قد أعلنت، الشهر الماضي أغسطس/آب، عن تصنيفها لهيئة "تحرير الشام" -المعروفة سابقاً باسم جبهة النصرة- منظمةً إرهابية.
مهمَّة صعبة لتنفيذ اتفاق إدلب
يقول المحلِّلون إنَّ أنقرة ستلتزم الحذر لتجنُّب المواجهة العسكرية، وستركِّز على نفوذها على المعارضة، ونقل الموقع الأميركي عن حسين باجي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة، قوله "إنَّ الميزة التي تملكها تركيا هي أنَّها ما زالت تدعم الجيش السوري الحر وجماعات أخرى عديدة، وقد لجأ هؤلاء منذ البداية إلى تركيا لتدعمهم في حربهم ضد بشار الأسد".
أكمل باجي: "لكن الجماعات المتطرفة مرتبطة بداعش وتنظيم القاعدة والنصرة، ولديّ بعض الشكوك حول ما إذا كانت تركيا ستنجح في التعامل مع هذه الجماعات بفاعلية. لكنَّ روسيا تتوقع أن تنجح تركيا تماماً في إقناعهم جميعاً بالمغادرة، وهو أمرٌ بالغ الصعوبة في رأيي".
ووضع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، المزيد من الضغط على أنقرة، إذ قال في مؤتمر صحافي يوم الجمعة الفائت: "يجب على إرهابيِّي جبهة النصرة أن يتركوا المنطقة منزوعة السلاح، قبل منتصف أكتوبر/تشرين الأول، ويجب سحب كل أسلحتهم الثقيلة من هناك".
ويُصرُّ منتقدو اتفاق إدلب على "أنَّ موسكو أوقعت بأنقرة"، ودفعتها لإلزام نفسها باستئصال الجماعات المتطرفة من المنطقة منزوعة السلاح، وهو ما يُعرِّض تركيا إلى خطر التورُّط في صراع مع هؤلاء المقاتلين، إلا أن الاتفاق أيضاً يمنح تركيا فرصة لتعزيز قبضتها في سوريا، بحسب ما ذكره موقع VOA.
باجي أشار إلى أن تركيا ستُزيد عدد قواتها العسكرية في إدلب، وتقوِّي نفوذها في سوريا. وأضاف أنه في المستقبل "سوف يصبح حضور تركيا العسكري جزءاً من عملية التفاوض مع روسيا. وقطعاً ستستغل تركيا الفرصة السانحة لإرسال المزيد من القوات العسكرية إلى هناك، وإبقائها هناك وقتاً أطول".
وبموجب اتفاق سابق بين تركيا وإيران وروسيا، أسَّست أنقرة 12 نقطة مراقبة عسكرية في أنحاء إدلب. وكانت هذه النقاط جزءاً من اتفاق لإقامة منطقة خفض تصعيد لقوات المعارضة السورية وعائلاتهم. وقد دفع التهديد بشنِّ النظام هجوماً على المنطقة الجيشَ التركي إلى تعزيز وجوده حول تلك النقاط.
"الهدفان المتلازمان"
ويقترح المحلِّلون أنَّ تعزيز حضور الجيش التركي في إدلب، إضافةً إلى تحكُّم القوات التركية حالياً في رقعة كبيرة من شمالي سوريا، سيعزز مساعي أنقرة لتأمين أهدافها في سوريا.
وقال سنان أولجن، رئيس مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية بإسطنبول (إيدام): "تريد تركيا أن تخلق موقفاً في سوريا، يمكِّن العناصر المؤيدة لتركيا من الاستمرار في السيطرة على المناطق المجاورة لها، وبالتالي منع أي تهديد عن تركيا".
وأضاف أولجن: "ثانياً، وكنتيجة للتسوية السياسية، ستتوفر ضمانات أمنية كافية تسمح لبعض اللاجئين السوريين في تركيا بأن يعودوا إلى ديارهم. وهذان هما الهدفان المتلازمان للحكومة التركية فيما يخص سوريا".
وتقول تركيا إنَّها تستضيف على أراضيها أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري. وقد أزال اتفاق إدلب بين أنقرة وموسكو، حتى الآن على الأقل، تهديد حدوث نزوح جماعي كبير للاجئين إلى الأراضي التركية.
وفي ظلِّ تحذير لافروف من أنَّ الاتفاق مجرد "خطوة انتقالية"، يحذِّر منتقدو اتفاق إدلب من أنَّه ربما يكون مجرد تأجيل لهجوم النظام على المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة. وبما أنَّ أنقرة تبدو مستعدة لاستغلال الأسابيع القادمة لتعزيز حضورها العسكري في إدلب، سوف يزيد ذلك مخاطر حدوث مواجهة مع الفصائل المتشددة.
لكنَّ المحلِّلين يقولون أيضاً إنَّ حضوراً عسكرياً بارزاً كهذا، غالباً سيُعزِّز موقف أردوغان التفاوضي، حين يجلس المرَّةَ القادمة مع بوتين لمناقشة مستقبل إدلب.