يبدو أن الهدوء النسبي الذي ساد في قطاع غزة خلال الأسابيع القليلة الماضية قد ذهب أدراج الرياح، مع استعادة مسيرات العودة شرق قطاع غزة لزخمها وعودة إطلاق "البالونات الحارقة" تجاه المواقع الإسرائيلية المحاذية للقطاع، وسط حديث عن "مماطلة" إسرائيل والوسطاء في جهود التوصل إلى تهدئة.
حماس لم تزل تقود المباحثات
حركة حماس التي تقود مباحثات التهدئة بمشاركة 12 فصيلاً فلسطينياً، قالت إن المباحثات مستمرة ولم تُبلغ من أي من الأطراف عن توقفها أو فشلها، مؤكدة أن الاتصالات متواصلة رغم "تباطؤ" الوساطات وهي (الأمم المتحدة ومصر)، بسبب موقف السلطة الفلسطينية الرافض للتهدئة في قطاع غزة، وفق حازم قاسم المتحدث باسم الحركة في قطاع غزة.
وعزا قاسم في حديث خاص لـ"عربي بوست" تباطؤ الوسطاء إلى موقف السلطة الفلسطينية من التهدئة وتهديدها باتخاذ "إجراءات قاسية" ضد قطاع غزة وفق ما جاء على لسان نائب رئيس حركة فتح محمود العالول، لكن مصادر أخرى في حماس قالت إن الوسيطين الأممي والمصري يرغبان في تولي السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة وتنفيذ متطلبات اتفاق التهدئة.
وأضافت المصادر التي فضلت عدم ذكر اسمها في حديثها لـ "عربي بوست"، أن هناك "ميزان حساس" لدى الوسطاء، فهم من جهة يريدون التوصل إلى تهدئة في قطاع غزة لأهداف متعددة منها إزالة خطر المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل مع تصاعد وتيرة مسيرات العودة التي تسببت بضرر كبير لإسرائيل، ومن جهة لا يرغبون بتضرر العلاقات مع السلطة الفلسطينية.
لكن السلطة تريد غزة من بابها وإلا فلا!
وحفاظاً على هذا الميزان، أوعز المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف لمصر بالتحرك في مسار المصالحة الفلسطينية كي تستلم السلطة زمام الأمور في قطاع غزة، لكن السلطة تشترط "استلام قطاع غزة من الباب إلى المحراب"، وطالبت بـ"سلاح واحد" في إشارة إلى سلاح فصائل المقاومة، وهو ما ترفضه الفصائل الفلسطينية جمعاء في قطاع غزة، وتؤكد على مبدأ الشراكة في إدارة الملفات الوطنية، مُشددة على أنه لا يمكن المساس بسلاح المقاومة ووصفت بـ"الخط الأحمر".
وقال المتحدث باسم حماس، "إن السلطة الفلسطينية تربط بين مساري التهدئة في قطاع غزة والمصالحة الفلسطينية، حيث تشترط حركة فتح تحقيق المصالحة قبل الشروع بمباحثات التهدئة، وترفض مطالب الفصائل الفلسطينية بإقامة ممر مائي بين غزة وقبرص، وتشترط التوقيع على أي اتفاق تهدئة باسم "منظمة التحرير".
وأضاف قاسم: "إن السلطة الفلسطينية هددت بشكل واضح أنها ستتخلى بشكل كامل عن قطاع غزة حال التوصل إلى تهدئة بين الفصائل وإسرائيل"، مشيراً إلى أن تنفيذ السلطة لتهديداتها في قطاع غزة ستزيد من صعوبة الأوضاع حتى في حال رفع الحصار بشكل كامل.
عقبة ثانية ساهمت في تباطؤ الوسطاء، وفق حديث المصادر، تتمثل بمراوغة إسرائيل ومحاولتها كسب المزيد من الوقت في رهان على انخفاض وتيرة مسيرات العودة، فضلاً عن وجود خلاف إسرائيلي حول الاستجابة لمطالب الفصائل الفلسطينية واشتراط جهات إسرائيلية بإبرام التهدئة مقابل استعادة الجنود الإسرائيليين المفقودين في قطاع غزة.
وتطرح الفصائل الفلسطينية جملة من المطالب، هي "إنشاء ممر مائي مع قبرص، وضمان حرية تنقل الأفراد والبضائع، وفتح كامل معابر قطاع غزة مع إسرائيل وفتح دائم لمعبر رفح مع مصر، وحل أزمة الموظفين التابعين للسلطة الفلسطينية وموظفي الحكومة في غزة، بالإضافة لحل دائم لمشكلة الكهرباء والمياه في القطاع وحق سكان قطاع غزة في "أموال المقاصة" (وهي عائدات الضرائب التي تجيبها السلطة الفلسطينية من البضائع الواردة لقطاع غزة)، وفق المتحدث باسم حركة حماس.
جهود التهدئة تجنب الجميع حربًا حتى الآن
وقد وصلت جهود التهدئة التي تقودها "الأمم المتحدة ومصر" بشكل أساسي بالإضافة لدور قطري، إلى ذروتها بداية أغسطس/آب الماضي خلال جولة التصعيد الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، حيث حال الوسطاء دون اندلاع "مواجهة عسكرية شاملة" كانت قاب قوسين أو أدنى، وفق مصادر مطلعة، ونجح الوسطاء في جلب الأطراف إلى طاولة مفاوضات غير مباشرة في القاهرة.
وخلال المباحثات التي سبقت عيد الأضحى المبارك، تجدد طلب القاهرة من حركة حماس وقف إطلاق البالونات الحارقة على المواقع الإسرائيلية، كان أبرزها اتصال عباس كامل وزير المخابرات برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية قبيل زيارته لواشنطن وطلب منه إيقاف إطلاق الطائرات الورقية الحارقة كونه سيبحث ملف التهدئة بغزة مع المسؤولين الأميركيين، وردّ هنية بأنه لا يمكن إيقافها كونها ضمن حراك شعبي، وفق ما أوردته مصادر مطلعة لـ"عربي بوست".
وقالت المصادر، إنه تم التوافق فيما بعد على التقليل من إطلاق الطائرات الورقية مقابل بدء إسرائيل بتخفيف الحصار عن قطاع غزة، حيث أعادت إسرائيل فتح معبر كرم أبو سالم بعد إغلاقه لعشرة أيام منتصف أغسطس الماضي، وزادت مساحة الصيد، وكان من المتوقع إعلان اتفاق التهدئة قبيل عيد الأضحى بأيام إلا أنه تم الاتفاق بين الفصائل الفلسطينية والمخابرات المصرية على استكمال المباحثات في 27 أغسطس الماضي عبر توجيه القاهرة دعوات للفصائل للاجتماع مرة أخرى، وهو ما لم يحدث.
المصريون أجلوا دعوة الفصائل
وقال طلال أبو ظريفة عضو اللجنة المركزية في الجبهة الديمقراطية لـ"عربي بوست"، إن المخابرات المصرية أرجأت توجه الدعوات للفصائل بسبب "الانشغال الداخلي"، ومع مرور حوالي أسبوعين طلبت الجبهتين الديمقراطية والشعبية من القاهرة زيارتها، وذهب أمس الإثنين وفدان من الجبهتين إلى القاهرة "لتحريك المياه الراكدة في ملفي المصالحة والتهدئة"، وفق أبو ظريفة.
وأضاف: "إن مباحثات التهدئة تراوح مكانها بسبب مواقف السلطة والاحتلال والولايات المتحدة، حيث تشترط السلطة إتمام المصالحة قبل الذهاب للتهدئة، وإسرائيل لم تستجب لمطالب الفصائل وتقول إنها لن تقدم أكثر من تحسينات اقتصادية، وأميركا تريد تهدئة بأثمان سياسية".
وذكر أبو ظريفة أن موقف السلطة يزيد المباحثات تعقيداً، "فإذا أوقفت السلطة ربطها بين مساري التهدئة والمصالحة يمكن فتح الطريق أمام تجاوز الموقف الإسرائيلي والأميركي"، مؤكداً في الوقت ذاته أن "المصالحة مجمدة لأن تعاطي حركة فتح معها لا يخلق أفقاً لإنهاء الانقسام".
ومع تعثر التوصل إلى حل نهائي حتى اللحظة في مسار التهدئة، فإنه يبدو أن حركة حماس قد اختارت الضغط على إسرائيل للقبول بمطالبها من خلال ارتفاع وتيرة مسيرات العودة، حيث شهدت الجمعة الماضية عودة لإطلاق الطائرات الورقية واقتحام الثكنات العسكرية الإسرائيلية، بالإضافة لإقامة مخيم للعودة شمال قطاع غزة مع إطلاق المسير البحري السابع نحو الحدود الإسرائيلية أمس الإثنين الأمر الذي يعني فتح جبهة جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي تمس مصالحه المائية شمال قطاع غزة.
خيارات حماس في المرحلة المقبلة
ويرى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، أن لدى حماس عدة خيارات في ضوء تهديدات السلطة ومراوغة إسرائيل، تتمثل بمواصلة الضغط من خلال مسيرات العودة مع الرهان على الوسيط المصري من أجل التوصل إلى اتفاق يضمن رفعاً كاملاً للحصار عن قطاع غزة.
عودة الهدنة.. حماس وإسرائيل تتفقان على إعادة التهدئة في قطاع غزة بعد تجدد التصعيد
وقال المدهون المقرب من حركة حماس في حديث خاص لـ "عربي بوست"، إن لدى حماس نفساً طويلاً وأوراق قوة فهي قادرة على أن تتحكم في وتيرة الفعل ورد الفعل، لافتاً إلى أنه رغم مراوغة إسرائيل ومحاولتها كسب الوقت من أجل دفع الفصائل للتنازل عن جزء من مطالبها، إلا أن الأوساط العسكرية الإسرائيلية تدفع تجاه التوصل إلى تهدئة بالنظر إلى ما أحدثته مسيرات العودة من استعادة الزخم لقطاع غزة، فضلاً عما تمثله الجبهة الشمالية لإسرائيل مع سوريا ولبنان من تهديد أكبر.
وأضاف المدهون أن حماس أرسلت رسائل عدة لإسرائيل وللوسطاء بأنه "إما بتحقيق المطالب الفلسطينية والذهاب إلى تطبيق اتفاق التهدئة في قطاع غزة مقابل رفع الحصار أو الانفجار الشعبي في وجه إسرائيل".
ومن المتوقع أن يتوجه وفد من حركتي فتح وحماس للقاهرة خلال الأيام المقبلة من أجل البحث في مسار المصالحة، رغم ما يواجهه من عقبات وشروط، مع تأكيد حركة حماس على مواصلتها الضغط على إسرائيل عبر مسيرات العودة لإجبارها للاستجابة لشروط الفصائل الفلسطينية، وفق المتحدث باسمها.