في تحوُّل مفاجئ، أعلن إسلاميو المغرب فصل الدعوي عن الحزبي من خلال قرار أعلنته حركة "التوحيد والإصلاح" المغربية أنها سوف تتبناه، وهو الاستقلال عن "العدالة والتنمية"
وأعلنت الحركة، الذراع الدعوية لحزب "العدالة والتنمية" قائد الائتلاف الحكومي، أنها بصدد الإعلان عن تطليق السياسة وتعميق طابعها الدعوي، عبر تعديل ميثاقها المؤسِّس، الذي يحدد أهدافها وبرامجها.
هذه الخطوة دافع عنها رئيس الحركة، عبد الرحيم شيخي، حين علق بالقول لـ"الأناضول"، إن التوجه الجديد بعدم الاشتغال بالسياسة كشأن حزبي، "نابع من قناعة فكرية واجتهاد في العمل الإسلامي الحديث مغاير لما اعتمدته أغلب الحركات الإسلامية الحديثة".
الحركة سوف تعقد مؤتمرها العام خلال أيام قليلة
ويُنتظر أن تطرح الحركة توجُّهها الجديد للتصديق عليه في مؤتمرها العام بين يومي 3 و5 أغسطس/آب 2018.
وهذا هو المؤتمر السادس للحركة الذي يُعقد وسط أجواء غامضة يسودها عدم التيقن مما إذا كان رئيسها، عبد الرحيم شيخي، سيبقى على رأس الحركة أم سيغادر.
وقال عبد الرحيم شيخي في تصريح صحافي: "أعضاء المؤتمر مدعوّون إلى تعديل جزء من ميثاق حركة التوحيد والإصلاح من أجل تحديثه وملاءمته مع السياق السياسي والاجتماعي". في حين لم يحدد "شيخي" مضمون تلك التعديلات، وبقي غامضاً في العديد من الأمور الأخرى، لا سيما تلك المتعلقة باستمراره أم مغادرته.
وعن مشاركة رئيس الحكومة السابقة، عبد الإله بنكيران، في المؤتمر السادس، أجاب عبد الرحيم شيخي بأنه لا يزال عضواً في حركة التوحيد والإصلاح، مؤكداً مشاركته في المؤتمر القادم، الذي يُفترض أن يشهد مشاركة وفود دول إسلامية، والحديث هنا عن البلدان العربية والإفريقية؛ السنغال ومالي وتونس والجزائر وموريتانيا.
تعديلات جديدة مقترحة سوف يتم إدخالها على ميثاق الحركة
في حين اعتبر خبيران أن هذا التوجه يمثل تدقيقاً في هوية الحركة، وخطوة استباقية لما قد تنتهي إليه تجربة حزب "العدالة والتنمية" (إسلامي) في الحكومة.
ومنذ يوليو/تموز 2016، أطلقت حركة "التوحيد والإصلاح" برنامج مراجعة ميثاقها، قبل أن تخلص إلى التخلي عن "المجال السياسي".
وتشمل التعديلات المقترحة في ميثاقها، إحلال قسم باسم "مداخل الإصلاح" محل قسم "مجالات العمل".
وتحدد الحركة "مداخل الإصلاح" في: مدخل التربية والتكوين، والمدخل الدعوي، والمدخل العلمي والفكري.
ويتضمن ميثاقها، المعتمد منذ عام 1998، "المجال السياسي"، وهو بين 10 مجالات للعمل هي: "الدعوة الفردية"، "الدعوة العامة"، "العمل الثقافي والفكري"، "العمل العلمي التعليمي".
إضافة إلى: "المجال التربوي والتكويني"، "الاجتماعي والخيري"، "المجال السياسي"، "المجال النقابي"، "المجال الإعلامي" و"المجال الاقتصادي".
ويُقصد بالمجال السياسي "مختلف الأعمال والمهام الرامية إلى التزام المؤسسات السياسية والممارسات السياسية بالإسلام".
ويتحقق هذا الالتزام عبر اعتماد 3 وسائل؛ هي: تأصيل العمل السياسي بالدراسات والأبحاث، وتوفير الآليات المشروعة اللازمة للعمل السياسي، والعمل على تقديم صورة جديدة للممارسة السياسية الراشدة والنظيفة".
ووفق عز الدين العزماني، باحث مغربي في العلوم السياسية، فإن "تجربة حزب العدالة والتنمية، بانتقاله من المعارضة إلى تسيير الحكومة، تفرض هذا التوجّه الجديد".
وأضاف العزماني لـ"الأناضول"، أن "الحركة لم تعد قادرة على استيعاب سرعة السياسي ومجاراة تقلُّباته، والتي تكون في الغالب على حساب ما تراه اختصاصاتها المباشرة".
وتابع: "لاحظنا كيف تغوّل الموضوع الحزبي على أجندة الحركة، خاصة بعد بروزٍ واضحٍ لتيارات متمايزة داخل الحزب، ما فرض على الحركة تحيُّزات حاسمة لصالح هذا الطرف أو ذاك، كما تبنّى الحزب مواقف قد لا تتماشى مع توجّهات الحركة".
وللمرة الأولى تطمح الحركة إلى التخلص كلياً من العمل السياسي
ومنذ ميلادها، أعلنت حركة "التوحيد والإصلاح" تبنِّيها خيار التمايز بين ثنائية "الدعوي والسياسي"، لكنها هذه المرة تطمح إلى التخلي كلياً عن العمل السياسي.
ويقوم خيار التمايز، وفق أدبياتها، على شراكة استراتيجية بين الهيئتين الدعوية (الحركة) والسياسية (حزب العدالة والتنمية) باعتبارهما شريكين في مشروع إصلاح واحد، والتمايز يشمل الوظائف ومجالات العمل والخطاب والرموز.
ونشأت الحركة في أواسط سبعينيات القرن العشرين، من خلال فعاليات كانت تقيمها مجموعة من الجمعيات الإسلامية.
وفي 31 أغسطس/آب 1996، تحققت وحدة اندماجية بين حركة "الإصلاح والتجديد" و"رابطة المستقبل الإسلامي"، لتولد رسمياً الحركة باسمها وصيغتها الحاليين.
وخلال المؤتمر العام لـ"التوحيد والإصلاح" (يضم ممثلين عن كل فروع الحركة)، في أغسطس/آب 2018، تتدافع تساؤلات عن توجُّه الحركة في المرحلة المقبلة.
وقال رئيس الحركة، عبد الرحيم شيخي، لـ"الأناضول"، إن "الحركة ستعمل على ترسيخ التمييز بين ما هو سياسي ودعوي على المستويَين التصوري والفكري".
وتابع: "وكذلك تعميق التمايز بين ما هو تنظيمي حركي وما هو حزبي، بما يقتضيه ذلك من استقلالية للحركة في اختياراتها وقراراتها ومواقفها، واختيار مسؤوليها، وتمويلها عن أية جهة حزبية".
وبخصوص العلاقة مع حزب العدالة والتنمية، أجاب "شيخي" بأن "مراجعتها (هذه العلاقة) مطروحة للمدارسة والتداول، وهناك إجمالاً اتجاه خلال المرحلة المقبلة نحو مزيد من التعميق لهذا التمايز إلى أبعد مدى ممكن".
وأوضح أن "توجُّه الحركة نحو عدم الاشتغال بالسياسة، كشأن حزبي يومي، توجُّه نابع من قناعة فكرية واجتهاد في العمل الإسلامي الحديث مغاير لما اعتمدته أغلب الحركات الإسلامية الحديثة".
وأردف أن "التغييرات التي سيعرفها الميثاق تزيل اللبس، وتسهم في المزيد من الوضوح، وتفتح المجال لبناء علاقات التعاون والشراكة مع كل الفاعلين في ميادين الإصلاح المختلفة".
بهذا التغيير الجديد تكون حركة التوحيد والإصلاح قد عادت إلى ميدانها الأساسي.. العمل الدعوي
وذهب عز الدين العزماني، الباحث المغربي في العلوم السياسية، إلى أن "تفكير الحركة للتخفيف من تغوّل الحزبي على عملها هو خطوة استباقية لما قد تنتهي إليه تجربة حزب العدالة والتنمية في التسيير الحكومي".
ورأى أن "هذا التخفيف يظهر واضحاً في تعديل صيغة (مجالات العمل)، التي تشمل السياسة، إلى صيغة ميادين الإصلاح، التي يمكن مباشرتها إذا توافرت الشروط لذلك، في حين تبقى التخصُّصات الأساسية (التربية والدعوة والتكوين والفكر) محدِّدة لهوية الحركة المدنية".
ومضى قائلاً إن "خيارات الحركة ومبادراتها وعملها المدني هي التي ستسهم في التخفيف عملياً، وبشكل طبيعي وتدريجي، من تغوّل السياسي، دون التقليل من أهمّية التدقيق المفاهيمي والتصوري".
في حين اعتبر سلمان بونعمان، كاتب مغربي وباحث في العلوم السياسية، أن "تعديلات الحركة تمثل تدقيقاً في هويتها، باعتبارها حركة اجتماعية دينية هوياتية تشتغل في المجتمع بأدوات العمل المدني".
وأردف بونعمان، في حديث لـ"الأناضول"، أن هذا "نوع من التطوير بالوظيفة الأصلية للحركة الإسلامية باعتبارها بالأساس حركة دعوية دينية واجتماعية".
ودعا إلى أن "تتحول إلى حركة يتفاعل فيها الديني والاجتماعي والمدني؛ لأنها ليست حركة دعوية تربوية محدودة".
وزاد بالقول إنها "يجب أن تكون رهاناتها بالأساس هي رهانات المجتمع وقضاياه، وليس سقف إكراهات الحزبي".
وشدد على أن "الحركة لا يمكن أن تخرج من المجال السياسي بمفهومه العام، وهو الاهتمام بقضايا الوطن والمواطنين".
وختم مستدركاً بقوله: "لكن الحركة يجب أن تُحدث فصلاً حقيقياً مع الشأن الحزبي، وألا ترتهن إلى سقفه القائم على التفاوض والتوافق والإكراهات والملابسات".
ومنذ تشكيل حكومة سعد الدين العثماني، في أبريل/ نيسان 2017، يعاني حزب العدالة والتنمية خلافات حادة بين قيادته، لا سيما مع رفض المجلس الوطني للحزب (برلمان الحزب)، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، مقترحاً لتعديل نظامه الداخلي، بما يسمح بترشُّح عبد الإله بنكيران لولاية ثالثة على رأس الحزب.