عُثِرَ على المدير التنفيذي لسد النهضة، المعروف بمدير "طفل الإثيوبيين"، مقتولاً بالرصاص في أديس أبابا الخميس 26 يوليو/تموز 2018؛ ما دفع مواطنين إلى المطالبة بالقصاص لمقتله، في حين وضع آخرون الزهور على سيارته التي كانت تقلُّه.
وكما قالت صحيفة The New York Times الأميركية، عثِرَ على سمنجاو بقلي، مدير المشروع، الذي كان يشرف على بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير، خائراً خلف مقود سيارته من طراز "تويوتا لاند كروزر"، في ساحة ميسكيل بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في الساعة الثامنة والنصف صباحاً. وأفاد زينو جمال، مُفوَّض الشرطة الاتحادية، للمراسلين الصحافيين بإصابته بعيارٍ ناريٍّ في الرأس.
وقال جمال إن الشرطة عثرت أيضاً على مسدس بداخل السيارة، وإنها بصدد محاولة تحديد مالكه. ولم يذكر مُفوَّض الشرطة ما إذا كان يشتبه في أن الحادث مدبَّر، ما يثير التكهنات بأن الوفاة كانت مرتبطة بعمل بيكلي.
سد النهضة في إثيوبيا: مدير المشروع قتل رميا بالرصاص في وضح النهار: تقول الشرطة في إثيوبيا إن رئيس مشروع سد النهضة على النيل الأزرق قتل رميا بالرصاص الخميس في هجوم في وضح النهار. وكان سيميغنيو بيكيلي، يدير المشروع وهو الوجه العام المعروف لسد النهضة الضخم،… https://t.co/b00Sb46MJB pic.twitter.com/ChUODIZckP
— صحيفة المقال (@Almaqal) July 26, 2018
الرئيس الإثيوبي ينعى مدير المشروع ويأسف لمقتله
ونعى الرئيس الإثيوبي، ملاتو تشومي، مدير مشروع سد النهضة في بلاده، سمنجاو بقلي، الذي عُثر عليه الخميس 26 يوليو/تموز 2018، مقتولاً داخل سيارته، وسط العاصمة أديس أبابا.
وأعرب تشومي، في بيان نقله التلفزيون الإثيوبي الرسمي، عن بالغ حزنه لوفاة مدير مشروع سد النهضة.
وفي السياق نفسه، أعرب دمقي مكنن، نائب رئيس الوزراء، وعدد من المؤسسات العامة والخاصة في البلاد، ببيانات منفصلة، عن تعازيهم للشعب الإثيوبي في وفاة سمنجاو بقلي.
وصباح الجمعة 27 يوليو/تموز 2018، عُثر على جثة بقلي، في سيارته، بوسط أديس أبابا، بحسب التلفزيون الرسمي.
ومن المتوقع أن ينتج سدُّ النهضة العملاق عند اكتماله ما يعادل 6400 ميغاوات من الطاقة الكهرومائية، التي ستزيد من إنتاج إثيوبيا الحالي لأكثر من الضعف، ويُحتمل كذلك أن يدرُّ السدُّ على البلاد مئات الملايين من الدولارات من عائدات تصدير الطاقة. لكن المشروع قُوبِل بمقاومةٍ صارمة من مصر؛ إذ يخشى الكثيرون من أن يُخفِّض من إمدادات مصر المُتقلِّبة بالفعل من مياه النيل.
Update: Commissioner G. Zeyinu told the media that the police were gathering all material evidence & conducting forensic investigations. The bullet wound was discovered behind one of Simegnew's ears. CCTV cameras around Mesqel square were dismantled long ago for road construction pic.twitter.com/1AwX5Y467M
— Addis Standard (@addisstandard) July 26, 2018
يُذكَر أن بقلي، القصير الثرثار ذا اللحية التي يخالط سوادَها الشيبُ، والبالغ من العمر 57 عاماً، كان يشغل منصب مهندس مشروع سد النهضة وسفيره غير الرسمي. ولطالما شرح فوائد إقامة السد للإثيوبيين ممن مَوَّلَت ضرائبهم إنشاءه، وسعى لامتصاص غضب المصريين وطمأنتهم بأن مشروع السد لن يُلحِق بهم أيَّ ضرر.
وفي إطار ترويجه لمشروع السد، عبَّر بقلي عن اعتزازه به في أثناء القيام بجولةٍ مع صحيفة "النيويورك تايمز" بموقع السد في المرتفعات الإثيوبية، على بُعد 5 أميال من الحدود مع السودان، قائلاً: "هذا السد هو طفلنا. هذا ما نقوله جميعاً، ليس أنا فقط؛ بل جميع الإثيوبيين".
وسيطرت الحسرة على إثيوبيا بسبب مقتل مدير مشروع سد النهضة
وتولى بقلي إدارة مشروع سد النهضة، منذ الإعلان عن بدء العمل فيه عام 2011، حتى لحظة وفاته الخميس.
وبدأت الحكومة الإثيوبية إنشاء مشروع سد النهضة في 2 أبريل/نيسان 2011، على النيل الأزرق، بمدينة "قوبا" بإقليم (بني شنقول- جمز)، على الحدود الإثيوبية-السودانية، على بُعد أكثر من 980 كيلومتراً، من العاصمة أديس أبابا.
وخيَّم خبر وفاته المفاجئة، بموجات من الحسرة، على جميع أنحاء إثيوبيا الخميس. واشتبك المواطنون المنكوبون مع أفراد الشرطة في أثناء محاولتهم وضع الزهور بالقرب من السيارة الملطخة بالدماء، حيث عُثِرَ على بيكلي.
وأكَّدَ فيتسوم أريغا، مدير مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، أن وفاة بقلي كانت مُفجِعة للجميع، فكتب على "تويتر" أن آبي أحمد علي، رئيس الوزراء، اغتمَّ لهذا الخبر و"صُدِمَ تماماً"، قائلاً: "إن رئيس الوزراء آبي في غاية الحزن والصدمة؛ لسماعه خبر وفاة المهندس سمنجاو بقلي؛ إذ تلقى هذا الخبر الأليم بشديد الأسف لدى وصوله إلى الولايات المتحدة الأميركية. تُجري الشرطة تحقيقاتها، ويُقدِّم رئيس الوزراء تعازيه لأسرة بقلي وللشعب الإثيوبي".
PM Abiy is saddened & utterly shocked to hear the death of Eng. Simegnew Bekele. PM Abiy received this heart wrenching news with great sorrow as he arrives in the US. Police is conducting investigation. PM Abiy offers his condolences to his family & the Ethiopian people.#Ethiopia
— Fitsum Arega (@fitsumaregaa) July 26, 2018
على جانبٍ آخر، يُعَد سد النهضة، وهو أكبر مشروع للطاقة الكهرمائية في إفريقيا، رمزاً لطموحات إثيوبيا الاقتصادية. وبحسب تصريحات المسؤولين، فإن المشروع سيتكلَّف نحو 4.2 مليار دولار على الأقل، مع تمويل الصين مشاريع البنية التحتية للكهرباء بشكلٍ منفصل، والتي تُكلِّف نحو مليار دولار. لكن المشروع قد تعثَّرَ هذا العام (2018).
مديرُ المشروع الراحلُ كان ثاني مسؤول بالشركة يُقتل في الأشهر الأخيرة
وسمنجاو هو ثاني مسؤول بالشركة يتوفى في الأشهر الأخيرة. ففي مايو/أيار 2018، هوجم المدير المحلي للمجموعة النيجيرية دانغوتي ديب كامرا هو واثنان من مساعديه وقُتلوا خارج أديس أبابا.
وبدأت الأشغال بالسد في مستهل 2011، ويُتوقع أن تبدأ اثنتان من توربيناته الـ16 بإنتاج الكهرباء في 2018، بحسب ما أعلنته السلطات الاثيوبية في وقت سابق من هذا العام (2018).
ويلتقي النيل الأزرق الذي ينبع من إثيوبيا مع النيل الأبيض في الخرطوم، ليشكلا نهر النيل، الذي يعبر السودان ومصر قبل أن يصب في البحر الأبيض المتوسط.
وذكر مسؤولون أن بقلي كان في العاصمة أديس أبابا يوم الخميس لعقد مؤتمر صحافي، في وقتٍ يتزايد فيه التوتُّر العام بشأن التأخير في المشروع، والتخوُّفات من أي شبهة فساد أو سوء إدارة. وتوفي قبل ساعات من الموعد المحدد لإلقاء كلمته بالمؤتمر.
في حين طالب الأهالي بتقديم إجابات واضحة عن قتل مدير المشروع
وطالب مئات من الإثيوبيين بالقصاص، الجمعة 27 يوليو/تموز 2018، بعد مقتل مدير مشروع سد النهضة، الذي يتكلف 4 مليارات دولار، فيما بدا أنها عملية قتل رمياً بالرصاص، قد تكون لها تدعيات سياسية على حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد.
ويمثل مشروع سد النهضة، الذي يُبنى على نهر النيل، ركيزة أساسية لمساعي إثيوبيا لأن تصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في إفريقيا. ووصفت الحكومة الإثيوبية المشروع بأنه رمز على قدرتها على دفع البلاد إلى التقدم.
وعثرت السلطات على سمنجاو بقلي، مدير المشروع، مقتولاً في سيارته، الخميس، بالميدان الرئيسي في العاصمة. وكان القتيل مصاباً بطلق ناري في الرأس، ما أثار احتجاجات على الفور.
وفتحت الشرطة تحقيقاً ولم تدلِ بأي تعليق إضافيٍّ الجمعة.
وقال أحد سكان مدينة جوندار شمالي البلاد: "الطرق المؤدية إلى المدينة وإلى خارجها مغلقة بالأحجار وبالمحتجين"، وأضاف أن المحتجين رددوا هتافات تقول: "العدالة لسمنجاو"، و"قدِّموا القتلة للعدالة".
وقال ساكن آخر إن أعيرة نارية أُطلقت خلال احتجاجات مساء الخميس، مضيفاً أن هناك موظفين حكوميين أضربوا عن العمل.
وأجرى آبي سلسلة من الإصلاحات منذ توليه السلطة في أبريل/نيسان 2018، وأفرج عن معتقلين سياسيين، وخفف من سيطرة الدولة على الاقتصاد، وحقق انفراجة كبرى في العلاقات مع إريتريا المجاورة.
واكتملت حتى الآن نصف الأعمال الإنشائية في سد النهضة، الذي ستكون طاقته 6 آلاف ميغاوات، وقالت الحكومة من قبلُ إنه سيكتمل خلال عامين، لكنها قالت مؤخراً إنه قد يواجه تأخيرات فترات طويلة.
وكان مدير مشروع النهضة يتابع بناء السد بجدية منقطعة النظير قبل مقتله
وكان بقلي واقفاً على قمة السد في مايو/أيار 2018، حين قدَّمَ تقييمه المتفائل المعتاد للمشروع، الذي أعلن الانتهاء من نحو ثلثيه، وهدَّأ من المخاوف التي تنتاب دول المصب، وخصوصاً مصر.
وأكد بقلي أن السد نجح في تحويل دولة إثيوبيا إلى "مركز القوة بالمنطقة؛ بل في القارة"، ولن يُستخدم إلا لتوليد الكهرباء، لا لأغراض الري.
ورفض الإفصاح عن أسباب تأخير موعد إتمام المشروع مراراً خلال السنة الماضية (2017)؛ إذ قال: "لا يمكنني التعليق على هذا الأمر".
ومع ذلك فقد كانت هناك تساؤلات طيلة الوقت عن الجهات التي تمول بناء السد
وصارت هذه التأخيرات، مع الإعتام العام حول مصادر تمويل السد، مصدر شكوك كبيرة بإثيوبيا في الأسابيع الأخيرة. ولمح بعض مدوني مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن بقلي قُتِل لأنه كان يعتزم الإفصاح عن أسماء مسؤولي الفساد الذين كانوا يتربَّحون من المشروع؛ إما هذا وإما أن مصر لعبت بطريقةٍ ما دوراً في مقتله.
لم يُقدِّم أيٌّ من المعلِّقين أدلة تدعم نظريات المؤامرة هذه، ومع ذلك نجحت تكهُّناتهم في أن تعكس قلقاً عاماً متزايداً بشأن مشروعٍ تخلَّف عن جدوله الزمني، واستهلك كمياتٍ ضخمة من أموال دافعي الضرائب، وزاد من حدة توتُّر العلاقات المصرية-الإثيوبية.
تجدر الإشارة إلى أن الزيارة المتفائلة التي قام بها رئيس الوزارء آبي إلى القاهرة في الشهر الماضي (يونيو/حزيران 2018)، نجحت في تحسين تلك العلاقة المتوترة؛ إذ كانت الزيارة جزءاً من سلسلة مذهلة من الإصلاحات التي تبناها آبي منذ توليه السلطة في أبريل/نيسان 2018، وضمن ذلك مبادرات سلام مع دولة إريتريا، التي هي خصمٌ لإثيوبيا.
ولكن منذ ذلك الحين، توقفت المحادثات التقنية بشأن السد بين مصر وإثيوبيا والسودان مرةً أخرى.
ويُعَد اكتشاف جثة بقلي ثاني حدث درامي عنيف يقع خلال شهرٍ واحد بساحة ميسكيل، التي ربما تعد أشهر ساحة عامة في أديس أبابا.
إذ قُتِل شخصٌ واحدٌ على الأقل خلال تجمع حاشد بالساحة في يونيو/حزيران 2018، عندما قذف أحد المعتدين قنبلةً يدوية، بعد دقائق من إلقاء آبي أول خطبة علنية له في العاصمة.
سقطت القنبلة على مسافةٍ قصيرة من موقع آبي وانفجرت بين مؤيديه، في مكانٍ ليس ببعيد عن موقع العثور على جثة بقلي الخميس. ولم يعلن مسؤولو الأمن عن الشخص المسؤول عن إلقاء القنبلة، لكن 30 شخصاً على الأقل اعتُقِلوا إثر ذلك الحادث.
حتى مطلع الفجر، اجتمعوا 16 ساعة ولم يتفقوا.. مباحثات سد النهضة تدخل نفقاً مظلماً