حالة من الجدل تدور في الأوساط المصرية، بعد موافقة البرلمان على تعديل قانون يسمح بمنح الجنسية المصرية للأجانب المقيمين في مصر لمدة 5 سنوات، مقابل وديعة بنكية بقيمة 7 ملايين جنيه أو ما يعادلها بالعملة الأجنبية، وسط تخوفات من أن يكون هذا القانون ذريعةً لتنفيذ اتفاقية "الشراكة المصرية-الأوروبية" أو مخطَّطاً لما يسمى "صفقة القرن".
التعديلات التي أُضيفت إلى القانون، أثارت العديد من التساؤلات، ولا سيما عن الهدف منه في هذا التوقيت، وما إذا كان سيُطبَّق بأثر رجعي على الأجانب المقيمين بمصر قبل إقرار القانون أم لا؟ وهل كل من أودع قيمة الوديعة البنكية المحددة يستحق الجنسية المصرية، أم أن هناك شروطاً معينة نص عليها القانون؟ ومن بيده قرار الموافقة على منح الجنسية؟
وكان مجلس النواب وافق، خلال جلسة الأحد 15 يوليو/تموز 2018، على مشروع القانون المقدَّم من الحكومة والخاص بتعديلات بعض أحكام القرار بقانون رقم 89 لعام 1960، بشأن دخول الأجانب وإقامتهم بمصر والخروج منها، والقانون 26 لعام 1975 بشأن الجنسية المصرية.
وتنص المادة الجديدة المضافة إلى القانون على أنه "يجوز بقرار من وزير الداخلية، منح الجنسية المصرية لكل أجنبي أقام في مصر إقامةً، بوديعةٍ مدة خمس سنوات متتالية على الأقل، سابقة على تقديم طلب التجنس، ووفقاً للضوابط المنصوص عليها في المادة 20 (مكرر) من القانون رقم 89 لسنة 1960، بشأن دخول وإقامة الأجانب في مصر والخروج منها، متى كان بالغاً سن الرشد، وتوافرت فيه الشروط المبيَّنة في البند (رابعاً) من المادة 4 من هذا القانون".
الهدف من القانون
الهدف من هذا القانون هو استحداث نظام جديد لإقامة الأجانب بمصر، يجيز إعطاءهم الجنسية مقابل وديعة بنكية بقيمة 7 ملايين جنيه مصري -أو ما يعادلها بالعملة الأجنبية- بعد 5 سنوات من الإقامة، وذلك بهدف تشجيع الاستثمار العربي والأجنبي على الدخول في المشروعات الاقتصادية في مصر، حسبما برر رئيس مجلس النواب المصري، علي عبد العال، خلال جلسة الموافقة على تعديل القانون، ونقلته عنه وكالة أنباء الشرق الأوسط.
شروط منح الجنسية المصرية مقابل الوديعة
قد يتساءل البعض عن شروط منح الجنسية المصرية للأجانب مقابل الوديعة البنكية، فهل كل من وضع وديعة بالقيمة المنصوص عليها في القانون يحصل على الجنسية؟ وماذا لو كان صاحب طلب الجنسية "إرهابياً" أو معادياً للدولة المصرية؟ ومتى يتم رفض الطلب المقدَّم بالحصول على الجنسية المصرية؟
ما نص عليه القانون هو أنه جعل قرار منح الجنسية المصرية للأجانب أمراً جوازياً وتقديرياً لـ"السلطة التنفيذية"، بناء على تقرير مقدَّم من الأجهزة الأمنية، ومن حقها قبول الطلب أو رفضه دون إبداء أسباب، ويمكن للمتضرر اللجوء إلى القضاء.
الموافقة رهن الأجهزة الأمنية
ويقول طارق نجيدة، خبير قانوني، إن منح الجنسية المصرية للأجانب أمر جوازي للدولة؛ إذ يصدر بقرار من وزير الداخلية وموافقة مجلس الوزراء، وبناءً عليه إما أن يُقبَل طلب التجنس؛ ومن ثم تؤول قيمة الوديعة إلى الخزانة العامة للدولة المصرية، وإما أن ترفضه الأجهزة الأمنية دون إبداء أسباب.
ويوضح نجيدة لـ"عربي بوست"، أن القانون الجديد هو مجرد تعديل لقانون الجنسية المصرية، بعد إضافة مادة تنص على منح الجنسية للمقيم بالبلاد مدة 5 سنوات، مقابل وديعة بنكية بحد أدنى بقيمة 7 ملايين جنيه أو ما يعادلها بالدولار، مشيراً إلى أنه ليس كل من يقدِّم الوديعة يحصل على الجنسية، فهناك حالات يتم رفضها بناء على تقارير الأجهزة الأمنية، خاصة إذا كان معادياً لنظام الدولة أو إرهابياً أو سيئ السلوك، أو غير ذلك من أسباب تراها الأجهزة المعنيَّة.
ويستطرد أن الأجانب الذين يأتون إلى مصر، إما أنهم يطلبون تأشيرات أو إقامات قد تكون قصيرة المدة للسياحة أو العمل أو الدراسة، وإما أنهم يطلبون إقامات طويلة المدة. والقانون الجديد يعطي ميزة إضافية؛ وهي أنه بإمكان المقيم بالبلاد مدة 5 سنوات أن يضع وديعة بنكية بالمبلغ المنصوص عليه في القانون، وبعدها يصبح من حقه التقدم بطلب الحصول على الجنسية.
تخوُّفات.. مخطَّط لإعادة توطين الفلسطينيين في سيناء
ولكن، هناك مخاوف من قانون منح الجنسية للأجانب، أشار إليها الخبير القانوني؛ وهي أن تكون هناك علاقة بين هذا التعديل الذي أضيف إلى القانون، والتزامات الدولة المصرية بتوطين المهاجرين غير الشرعيين؛ تنفيذاً لمواد اتفاقية الشراكة المصرية-الأوروبية، متسائلاً: "هل ستمنح مصر الجنسية لمن تعتبرهم أوروبا نفايات بشرية؟".
اتفاقية الشراكة المصرية-الأوروبية، التي يخشى الخبير القانوني المصري أن يكون قانون منح الجنسية المصرية للأجانب ذريعة لتطبيقها، تعود إلى 25 يونيو/حزيران عام 2011، حين وقَّعت مصر الاتفاق الأوروبي المتوسطي لتأسيس شراكة بين مصر من جانب والجماعات الأوروبية ودولها الأعضاء من جانب آخر، ونُشر قرار رئاسي بالاتفاقية في الجريدة الرسمية مرتين في عام 2002، وحمل القرار رقم 335، وعام 2004 بقرار رقم 11.
ويبدو أن هذه الاتفاقية تثير تخوفات لدى المصريين حتى قبل إقرار قانون منح الجنسية الجديد؛ ففي فبراير/شباط 2017، أقام المحامي الحقوقي خالد علي، دعوى قضائية تطالب بإعادة النظر في المادة 69 من اتفاقية الشراكة الأوروبية؛ خوفاً من استخدامها لتنفيذ ما وصفه بـ"مخططات إعادة توطين الفلسطينيين بأراضي شبه جزيرة سيناء"، وهو ما نفته الحكومة المصرية في تصريحات على لسان وزارة خارجيتها.
وتنص المادة 69 من الاتفاقية على أنه "بعد دخول الاتفاق حيز النفاذ، يتفاوض الأطراف، بناء على طلب أي منهم، لإبرام اتفاقات ثنائية فيما بينهم، تنظِّم الالتزامات المحددة لإعادة توطين مواطنيهم. وتشمل هذه الاتفاقات أيضاً -إذا ما اعتبر أي من الأطراف ذلك ضرورياً- ترتيبات لإعادة توطين مواطني دول ثالثة"، وتتضمن هذه الاتفاقات تفاصيل فئات الأشخاص الذين تشملهم وأشكال إعادة توطينهم، على أن يتم توفير مساعدات مالية وفنية كافية لمصر لتنفيذ هذه الاتفاقات.
ما علاقة القانون بـ"صفقة القرن"؟
"هل هناك علاقة بين قانون منح الجنسية للأجانب وصفقة القرن؟ وهل يمكن أن يستفيد الصهاينة من هذا القانون؟"، سؤالان طرحهما البرلماني المصري هيثم الحريري، محذراً من أنه قد تتم إساءة استخدام هذا القانون، الذي وصفه بـ"المشبوه"؛ لما أثاره من رعب وجدل بين المواطنين.
يضيف الحريري لـ"عربي بوست"، أن هناك علامات استفهام كثيرة حول هذا القانون، ولا يعلم أحد ما الهدف من تخفيض المدة الزمنية من 10 إلى 5 سنوات، متسائلاً: "من الذي لديه رغبة شديدة في أن يسعى للحصول على الجنسية المصرية مقابل 7 ملايين جنيه أو ما يعادل نحو 400 ألف دولار؟! ما المغنم في الحصول عليها؛ هل للتعليم أم للعلاج أم لدخول أقسام الشرطة؟!".
ويواصل النائب المصري تساؤلاته: "هل الجنسية مرتبطة بالاستثمار؟ إذن، هل كل المستثمرين في العالم يبحثون عن جنسيات الدول التي يستثمرون فيها، أم أن الاستثمار مرتبط بسهولة الدخول والخروج والتأشيرات الطويلة من خلال الإقامة؟"، موضحاً: "نحن لسنا ضد الإقامة، ولكن الجنسية محل استفهام".
ويشير إلى أن مصر دائماً تشتكي من أنها دولة كثيفة السكان، وكثيراً ما تحدَّث رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وحكومته عن ضرورة تخفيض عدد السكان؛ ومن ثم فلماذا تسعى الدولة إلى جذب سكان جدد؟! لافتاً إلى أن مصر ليست كدول أخرى -مثل أميركا وكندا وأستراليا- تقدم تسهيلات للحصول على جنسياتها؛ لأنها دول قليلة السكان.
قيمة الوديعة كافية للحصول على الجنسية المصرية؟
وعما إذا كانت قيمة الوديعة البنكية المنصوص عليها في القانون كافية كشرط للحصول على الجنسية المصرية، يقول النائب المصري إن المبلغ ليس قليلاً مقارنة بدول أخرى، ولكن المشكلة الحقيقية في أن مصر ليست دولة جاذبة، متسائلاً: "هل مصر كأميركا وألمانيا على سبيل المثال؟ هل توفر نفس فرص التعليم والصحة والتعامل الكريم مع الجهات الأمنية؟".
وفي المقابل، رأى الدبلوماسي المصري معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أنه لا يوجد مبلغ مالي مهما كان يساوي بيع الجنسية المصرية أو جزء من تراب الأرض، معتبراً أن مبلغ الـ7 ملايين جنيه، ربما ينفقه الأثرياء في مصر على عرس أحد أبنائهم.
وأعرب مرزوق لـ"عربي بوست"، عن تخوفه من أن يتخذ أعداء الوطن هذا القانون غطاءً للحصول على الجنسية المصرية، لافتاً إلى أن المبلغ المطلوب "ضئيل للغاية"، قد يساوي قيمة سيارة فارهة لدى أحدهم؛ ومن ثم يمكن أن يرسل أعداء مصر آلاف الأشخاص لديها ويمنحون كلاً منهم 350 ألف دولار للتجنس؛ ومن ثم تختلف تركيبة السكان في مصر ويصبح شعبها "عبيداً" لهؤلاء المتجنسين، على حد تعبيره.
وأشار الدبلوماسي المصري إلى أنه ليس هناك شروط تحول دون أن يتجنس أحد بالجنسية المصرية، طالما أودع المبلغ المطلوب في البنك لصالح الخزينة المصرية، سوى شرط إجرائي؛ وهو موافقة مجلس الوزراء بعد عرض تقرير من وزير الداخلية، مستدركاً: "ولكن، هل يمكن لدولة تسعى للحصول على أموال بأي طريقة، تارة من القروض وأخرى من جيوب الشعب، وثالثة ببيع جنسيتها، أن ترفض طلباً كهذا بمبلغ 7 ملايين جنيه؟".
رئيس البرلمان: الجنسية ليست للبيع ولكنها جاذبة للاستثمار
وفي المقابل، دافع رئيس مجلس النواب المصري، علي عبد العال، عن قانون منح الجنسية للأجانب المقيمين بمصر، مؤكداً أنه "ليس بدعة"، وأنه يتفق مع قوانين مماثلة في بعض دول العالم، التي تعطي الجنسية للمقيمين بها، حسبما نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط.
وعكس ما رأى نواب ودبلوماسيون مصريون، فإن مصر ليست دولة جاذبة لطلب الحصول على جنسيتها، يقول رئيس البرلمان: "الجنسية المصرية عزيزة، ولأن الطلب عليها كثير، وضعنا شروطاً؛ للتأكد من جدية الطلب"، موضحاً أن منح الجنسية أمر جوازي وتقديري للسلطة التنفيذية، التي من حقها قبول الطلب أو رفضه، دون إبداء أسباب.
وتعليقاً على من وصفوا هذا القانون بأنه بيعٌ للجنسية المصرية، ردَّ عبد العال خلال إحدى جلسات البرلمان: "القائمون على الأمر لا يعرفون البيع على الإطلاق. مَن حارب وعرف الدفاع عن الوطن لا يمكن أن يفرط في ذرة رمل من هذا الوطن".
هل يستردُّ صاحب "الجنسية" وديعته؟
وبعيداً عن فلسفة القانون وتخوفات البعض منه، قد يتساءل أصحاب الودائع عن مصير تلك الوديعة التي تعد شرطاً لحصولهم على الجنسية، هل ستعود إليهم بعد ذلك أم يحصلون على فوائدها، أم ستصبح حقاً للدولة المصرية؟
الخبير القانوني طارق نجيدة يقول إن الوديعة ستكون جزءاً من اللائحة التنفيذية وضوابطها التي سيضعها وزير الداخلية، فبحسب القانون، من يريد الحصول على الجنسية المصرية يضع الوديعة أولاً، ثم يرسل مع طلب التجنس إرفاقاً بدليل إيداعها لصالح الخزينة المصرية، دون أن يستفيد المودع بأي فوائد، وإنما تكون لصالح الدولة المصرية، ثم يقرر وزير الداخلية موافقته على هذا الطلب أو رفضه.