يعلو دويّ طبول الحرب على إيران بثبات منذ مايو/أيار الماضي، وذلك حينما هاجم ترمب الاتفاقَ النووي مع طهران المدعوم من الأمم المتحدة. لكن المواجهة أخذت منحى جديداً وخطيراً، بعد التهديدات الجامحة التي كتبها ترمب على تويتر مساء الأحد 22 يوليو/تموز رداً على تعليقات من الرئيس الإيراني.
وعلى الرغم من تصاعد وتيرة التهديدات الأميركية، فإنه ووفقاً لصحيفة The Guardian البريطانية، فإن تصعيد ترمب لا يمكن الجزم بأنه مُدبَّر مُسبّق ولا مُخطط بعناية.
فقد واجه نقداً لاذعاً من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري بعد أدائه المؤسف في قمة الأسبوع الماضي مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين. وهو يتعرض لضغط مستمر من التحقيق الرسمي في تواطُئه المزعوم مع روسيا في انتخابات 2016. فربما كان ترمب يبحث عن هدف سهل يُفرِّغ فيه إحباطه.
اللعب بذيل الأسد هو ما استفز الرئيس الأميركي
ما استفزه كان التعليقات من الرئيس الإيراني حسن روحاني؛ إذ حذر الولايات المتحدة من "اللعب بذيل الأسد". وسواء جاء ذلك بصورةٍ مُتعمَّدة أم لا، فقد شتَّت ترمب انتباه الجميع عن مشاكله المحلية، على الأقل في الوقت الراهن.
يعيد تعهد ترمب بعواقب "لم يتكبّد مثلها الكثيرون عبر التاريخ" لإيران إلى الذاكرة تهديده العام الماضي بإمطار كوريا الشمالية بوابلٍ من "النار والغضب". وبعدها غيَّر خطابه بصورة كاملة، مُثنياً على كيم جونغ أون، الديكتاتور الكوري الشمالي، بعد الاجتماع به في سنغافورة في يونيو/حزيران الماضي.
تشابك التصريحات ربما يدفع أميركا لفرض مزيد من العقوبات على طهران
ولكن من غير الحكمة افتراض أن ترمب يعطي وعوداً فارغةً مرةً أخرى أو أن تهديده لإيران بلا معنى. فتحْت تأثير السعوديين، المشتبكين في صراع قوة في الشرق الأوسط ضد إيران، والحكومة الإسرائيلية اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو، التي تعتبر إيران تهديداً دائماً، فرضت الولايات المتحدة مزيداً من الضغط على طهران منذ تولّي ترمب مقاليد الحكم.
To Iranian President Rouhani: NEVER, EVER THREATEN THE UNITED STATES AGAIN OR YOU WILL SUFFER CONSEQUENCES THE LIKES OF WHICH FEW THROUGHOUT HISTORY HAVE EVER SUFFERED BEFORE. WE ARE NO LONGER A COUNTRY THAT WILL STAND FOR YOUR DEMENTED WORDS OF VIOLENCE & DEATH. BE CAUTIOUS!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) July 23, 2018
وتثير الفورة المفرطة للرئيس الأميركيّ الشكوك حول إذا كان قد ناقش عقد اتفاق سريٍّ مع بوتين ضد إيران، كما أُشيع قبل قمة هلسنكي. لم يفصح الطرفان عن الكثير من تفاصيل المحادثات للجمهور. لكن نتنياهو، على سبيل المثال، قد حثَّ كلا الحاكمين على استجماع قواهما وإرغام إيران على الانسحاب من سوريا.
ولذلك لن تستخفّ القيادة الإيرانية بتصريحات ترمب هذه المرة
وبالتأكيد لن تستخفَّ القيادة الإيرانية بكلام ترمب. فحين ينظرون إلى إعادة فرض الولايات المتحدة عقوباتٍ شاملةً على إيران الشهر المقبل، أغسطس/آب، وخططها لفرض مقاطعة دولية لصادرات البترول الحيوية وتشجيعها للشعب الإيراني على القيام بثورة، يرون نمطاً منذراً: تغييراً للنظام مصنوعاً في أميركا.
في اندفاعه للمبادرة بالصراع، يبدو أن ترمب قد بالغ في تأويله لتعليقات روحاني، فمن الواضح أنها لم تكن استفزازية؛ إذ قال روحاني: "على أميركا أن تعرف أن السلام مع إيران هو السلام الحقيقي، وأن الحرب مع إيران هي أُم الحروب".
ومع ذلك فإن هجوم روحاني العنيف على أميركا من الممكن فهمُه أنه دعوة للحوار
وكانت تلك إشارةً إلى تعهد صدام حسين في عام 1991 بالقتال في "أُم المعارك" ضد الولايات المتحدة. لكن روحاني، المعروف بكونه وسطياً حذراً، لم يكن يهدد بشنِّ هجوم على أميركا، بل يمكن ترجمة تعليقه باعتباره عرضاً للحوار.
وكان أيضاً تذكرةً في وقتها المناسب لما حدث في 2003، حين سعت الولايات المتحدة إلى فرض نظام جديد في العراق بالقوة. ويشبه إقبال ترمب على الحرب مع إيران كثيراً الأحداث السابقة لتلك الكارثة.
إلا أن كل ما سبق قد بدَّده تصريح وزير الخارجية الأميركي بخصوص فساد آيات الله الإيرانيين
ربما ما كان أخطر حتى من هذا هو تعليقات مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، يوم الأحد. حين ردَّد شكاوى مألوفةً مشتركةً بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل من تقويض إيران للاستقرار الإقليمي، و"التزامها بتصدير الثورة الإسلامية إلى الدول الأخرى، بالقوة إذا تطلَّب الأمر". لكن بومبيو وصل إلى أبعد من ذلك.
اتَّهم بومبيو آيات الله الإيرانيين بالفساد، بمن فيهم المرشد الأعلى علي خامنئي، وأعرب عن دعمه للثورة ضد النظام، وجاءت أكبر المفاجآت في صورة هجومه الشخصيّ على روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف؛ إذ قال في تصريحاته إنهما كانا "مناصرين لعملية النصب الدولية من آيات الله. لم يجعل اتفاقهم النووي منهم وسطِيّين".
يُبيِّن زعم بومبيو أن روحاني وظريف المُعتدلين هما "ثوريان إسلاميان عنيفان" بوضوح مدى جهل المسؤولين الأميركيين بإيران بعد ما يقرب من 40 عاماً من الانعزال. صحيحٌ أن هناك درجةً عاليةً من الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، وصحيحٌ أن الدولة في حالة اقتصادية يُرثى لها. وأفعال إيران في سوريا هدَّامة وضد الديمقراطية.
لكن بالتقليل من شأن زعيمين وسطيَّين يمثلان خير أملٍ للإصلاح، وبالتهديد بقلب نظام الحكم، يخاطر ترمب وبومبيو بتعزيز الملالي والحرس الثوري المتشدِّدين الذين يمقتونهم، وترجيح كفة احتمال نشوب مواجهة عنيفة.