أصبح توني بلير مستشاراً سرياً للحكومة السعودية، بموجب صفقة قيمتها 9 ملايين جنيه إسترليني، تمت مع "معهد التغيير العالمي" خاصته، لتصبح هذه الصفقة هي أول صفقة كبرى بين طرفٍ آخر ومعهد بلير، الذي أسَّسه في العام 2016 بعد إنهاء أعماله التجارية.
توصلت شركة رئيس الوزراء السابق إلى اتفاقٍ لا يهدف إلى الربح في وقت سابق من هذا العام، للمساهمة في دعم برنامج التحديث الذي يقوده ولي العهد السعودي، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Telegraph البريطانية، السبت 21 يوليو/تموز 2018.
وقالت الصحيفة إنها حصلت على معلومات، تفيد بأن المعهد تلقَّى دفعة بـ10 ملايين دولار في يناير/كانون الثاني، مقابل العمل الذي ينفذه عاملو المعهد المقيمون في الشرق الأوسط.
وقُدمت الدفعة من شركة Media Investment Ltd، وهي شركة مسجلة في غيرنزي، وملحقة بالمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، وهي مجموعة نشر كبيرة كان يرأسها حتى وقتٍ قريب الأمير بدر بن عبدالله بن محمد الفرحان، وزير الثقافة الحالي للمملكة.
التزام الصمت
ونقلت الصحيفة عن مصادرها، قولها، إن مجموع ما قُدم إلى المعهد حتى الآن يتخطَّى 12 مليون دولار، لافتةً إلى أن التمويل غير مذكور على الموقع الإلكتروني للمعهد، مع أنَّه أصدر منشوراً بعدها يثني فيه على السعودية وولي عهدها.
وقال مكتب بلير، إنَّ المعهد "ليس ملزماً بالإفصاح عن المتبرعين أو التبرعات"، ورفض توضيح المناقشات التي جرت بين بلير وأعضاء من العائلة الملكية السعودية أو الحكومة بشأن التمويل.
وعند السؤال عن الاتفاق، أكد أحد المتحدثين الرسميين، أنَّ معهد توني بلير "قد تسلم تبرعاً من شركة Media Investment Ltd، مقابل عمل المعهد غير الربحي".
وقال أحد المتحدثين الرسميين أيضاً: "نعمل لأجل دعم برنامج التغيير في المملكة العربية السعودية"، مضيفاً أن العمل سيُعرض في التقرير السنوي الأول للمعهد.
وأشار المتحدث إلى أن "هدف التمويل كان دعم المعهد في المهمة المعلَنة في الشرق الأوسط، حيث يعمل على زيادة الاستقرار والتفاهم، بالإضافة إلى عملنا في شؤون الحوكمة في إفريقيا، والدعوة إلى التعايش الديني".
ولدى الشركة فرق عاملة في العالم كله، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، المجاورة للمملكة السعودية.
ولما يقرب من عقد، أبرم بلير اتفاقاتٍ مثمرة مع حكوماتٍ أجنبية وشركاتٍ خاصة عن طريق منظمة Tony Blair Associates، شركته الاستشارية، قبل إغلاقه المنظمة في 2016، بهدف افتتاح معهد توني بلير، والذي يقدم نفسه على أنه معهد غير ربحي يركز على تناول آثار العولمة.
وفي العام الماضي، كشفت صحيفة The Telegraph أنَّ عمل بلير المنفصل دون مقابل مبعوثاً رسمياً إلى الشرق الأوسط كانت تموله دولة الإمارات، التي عينته أيضاً مستشاراً مدفوع الأجر.
وأنكر بلير دائماً أي تضارب في المصالح بين عمله الخاص ومنصبه الرسمي. وكان من بين عملاء بلير التجاريين من خلال شركته الاستشارية حكومات كازاخستان، والكويت، ومنغوليا، بالإضافة إلى بنك JP Morgan الاستثماري.
بلير السياسي الذي يتغنى بالسعودية
وأعرب بلير علناً عن دعمه لـ"رؤية 2030″، البرنامج الذي يطمح لإعادة بناء اقتصاد الدولة، وهذه الرؤية هي ثمرة فكر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي وصفه موقع معهد توني بلير في مارس/آذار، بأنَّه يملك "مستوى واضحاً من التفاني والوضوح والاتساق، في التعرف على التطرف الإسلامي وفهمه، وينبغي لصانعي السياسة الغربيين أن يسعوا إلى التعلم منه".
وأثناء حديثه في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، في سبتمبر/أيلول 2017، وصف بلير مشروع "رؤية 2030" بأنَّه "أهم الأشياء التي حدثت في هذه المنطقة في السنوات القليلة الماضية وأشدها إثارة".
وقال المتحدث الرسمي باسم بلير: "لنكون واضحين، هذا تبرع لمعهد توني بلير، ليس مبلغاً مدفوعاً إلى توني بلير شخصياً، وكل نقوده تصبُّ في دعم هذا العمل. معهد توني بلير هو منظمة غير ربحية لا يتقاضى منها توني بلير أي أجرٍ شخصي".
وأضاف: "المعهد ملتزم بالعمل على التحديث والإصلاح في المنطقة، والعمل على إيجاد حل إقليمي لعملية السلام. دعم بلير برنامج رؤية 2030 قبل تلقي أي تبرعات، وسيمضي في ذلك بغض النظر عن أي تبرعات".
بلير ورفض الاعتذار عن غزو العراق
يعد رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، من الشخصيات البارزة التي كان لها دور في غزو العراق عام 2003، فهو الذي اتَّخذ قرار الغزو برفقة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن.
وكان بلير ضمن صفوف "حزب العمال"، عندما تولَّى في العام 2011 رئاسة الوزراء، وفي السادس من يوليو/تموز 2016، وبعد عرض لجنة تشيلكوت تقريرها الذي وصف عملية غزو العراق بأنها كانت متسرعة ومبنية على "معلومات مغلوطة"، وأنها تجاوزت مقتضيات الأمم المتحدة، دافع بلير في مؤتمر صحفي عن قراره بالمشاركة إلى جانب جورج بوش الابن في غزو العراق، واعتبره صائباً.
وقال إنه يتحمل المسؤولية كاملة في اتخاذ القرار "استناداً إلى المعلومات التي كانت لدي، والتهديدات التي استنتجتها"، موضحاً أن قرار المشاركة في تلك الحرب اتُّخذ لأن صدام كان "يمثل تهديداً لشعبه وللسلم العالمي"، وفقاً لـ"الجزيرة. نت".
وأكد تقرير لجنة تشيلكوت التي اشتغلت على الملف لسبع سنوات، أن المعلومات التي بني عليها الغزو قدمت بتعبيرات تأكيد لم تكن مبررة، وأن صدام حسين لم يشكل تهديداً، بل إنه تم تحذير بلير من أن غزو العراق سيقوي نشاط تنظيم القاعدة في بريطانيا.
واعتبر بلير أن العالم بات أكثر أمناً بعد غزو العراق والإطاحة برئيسه صدام حسين، بيد أنه أشار في المقابل إلى النتائج الكارثية للغزو، ومنها مقتل أعداد كبيرة من المدنيين العراقيين، حيث يُقدر أن عدد المدنيين الذين قتلوا خلال شهر الغزو فقط (مارس/آذار 2003)، وصل إلى 3977 مواطناً عراقياً، كما قُتل 3437 في شهر أبريل/نيسان من ذلك العام، بحسب ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
إلى ذلك قُتل 179 جندياً بريطانياً بين عامي 2003 و2009، وفق بيانات رسمية بريطانية.
ونقلت صحيفة Dailymail البريطانية عن توني بلير، قوله خلال الندوة الصحفية: "الناس يريدونني أن أعتذر عن قرار غزو العراق، لكن أنا لا أستطيع فعل ذلك"، وأضاف: "لو عدت إلى نفس المكان، وكانت لدي نفس المعلومات، لاتخذت نفس القرار، لأنني واثق أن القرار الذي أخذته كان صائباً".