اختارت الحكومة الإسرائيلية، أمس الإثنين 9 يوليو/تموز، رداً عقابياً على غزة بعد أن عجزت عن إحباط أمواج الأجسام الحارقة التي تسقط على إسرائيل عبر الطائرات الورقية وبالونات عيد الميلاد قادمةً من القطاع، فضيَّقت على شحنات البضائع من وإلى قطاع غزة على أمل أن يُوقِف مسؤولو القطاع بأنفسهم الحرائق التي تُنقَل عبر الجو.
وتحظر القيود الجديدة على معبر البضائع الرئيسي في غزة استيراد كل البضائع باستثناء الطعام والدواء و"المعدات الإنسانية"، إلى جانب كل الصادرات.
ووصفت حركة حماس، التي تحكم قطاع غزة وتُشجِّع مُطلقي الطائرات الورقية الحارقة، الخطوة بأنَّها "جريمة ضد الإنسانية". ووصفت حركة الجهاد الإسلامي الخطوة بأنَّها "إعلان حرب".
كان الهدف من الإجراءات هو الضغط على حماس لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الإحراق المتعمد. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسط تصفيق أثناء إعلانه الإغلاق الجزئي في اجتماعٍ لحزبه الليكود يوم الإثنين: "سنُثقِل كاهل قيادة حماس أكثر، وسيدخل ذلك حيز التنفيذ على الفور".
لكن بدا أيضاً أنَّ القيود تهدف لإرضاء جمهورٍ محلي ازداد نفاد صبره إزاء عجز نتنياهو عن تقديم رد فعَّال على النيران التي تُمطِر الأحياء والمجتمعات على امتداد منطقة واسعة جنوبي إسرائيل، أو وضع استراتيجية أوسع نطاقاً للتعامل مع مشكلات غزة الأساسية، بحسب صحيفة The New York Times الأميركية.
خنق غزة
مثَّلت القيود مساراً عكسياً حاداً من جانب قادة الجيش الإسرائيلي، خصوصاً رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت، الذين كانوا يدعون إلى تخفيف الضغط الاقتصادي على غزة، بما في ذلك زيادة المساعدات الاقتصادية كسبيلٍ لتقليص احتمال إمكانية وصول التوترات هناك إلى الغليان وتحولها إلى حربٍ أخرى مع إسرائيل.
وحذَّر محللون من أنَّ تقليص التجارة في معبر كرم أبوسالم لن يؤدي إلا إلى خنق ما كان متبقياً من الحيوية الاقتصادية للمنطقة في وقتٍ هي قريبة فيه بالفعل من الانهيار.
قال بن درور يميني، وهو كاتب عمود في صحيفة Maariv الإسرائيلية كان يطالب إسرائيل بتقديم حزمة واسعة من المساعدات الاقتصادية لغزة مقابل نزع سلاحها: "إنَّني محبطٌ من حكومتي. ليس كافياً أن تكون محقاً، فعليك أن تكون ذكياً، وليست تلك خطوة ذكية من جانب إسرائيل".
والهدف المباشر لهذه القيود، ومن وجهة نظر الصحيفة الأميركية، هو حث حماس على التخلي عن هذا التكتيك المبدع والمثير للغضب بالنسبة لإسرائيل. فمنذ أبريل/نيسان، حوَّلت غزة الطائرات الورقية والبالونات إلى قنابل حارقة مُرتَجلة، حرقت مئات الأفدنة من الأراضي الزراعية الإسرائيلية وأجبرت أطقم مكافحة الحرائق على التسابق في مختلف أنحاء البلاد من حريقٍ إلى آخر لإطفاء النيران المشتعلة قبل أن تنتشر.
الجيش عاجز عن مواجهة الموقف
يقول الجيش الإسرائيلي إنَّه استخدم الطائرات دون طيار لإسقاط 670 طائرة ورقية وبالون، لكنَّ مئات أخرى تمكَّنت من العبور. وقال المسؤولون إنَّه بحلول منتصف يونيو/حزيران الماضي كان 412 حريقاً قد أُشعِل، واعترف الجيش بأنَّه عاجز عن إيقافها.
وفي يوم الإثنين وحده، تسبَّبت أجهزة الإحراق المُلحَقة بالطائرات الورقية والبالونات في اندلاع 28 حريقاً جديداً على الأقل بحلول الساعات المبكرة من المساء.
قالت تانيا هاري، مدير عام جمعية "جيشاه – مسلك" الإسرائيلية الحقوقية التي تُروِّج لحرية حركة الفلسطينيين: "ما يحدث في الجنوب والدمار الذي يصيب المزارعين والوضع البيئي، لقد كنتُ هناك مؤخراً، والتنفس هناك في تلك المناطق سام، الأمر قاسٍ، وأنا أوافق على أنَّ هناك حاجة للقيام برد. لكن الرد يجب أن يكون متناسباً مع التهديد، والإجراءات التي تهدف لمعاقبة قرابة مليوني شخص في القطاع هي بالتأكيد غير متناسبة".
ودعا بعض الساسة اليمينيين الإسرائيليين إلى قتل مُطلقي الطائرات الورقية، لكنَّ الجيش رفض استخدام القوة المميتة، ولجأ حتى الآن فقط لإطلاق الطلقات التحذيرية وتدمير المركبات التي تعود لمُطلقي الطائرات الورقية. وبدلاً من ذلك، اختارت إسرائيل، التي تنظر إلى الضرر الذي تُحدثه الطائرات الورقية باعتباره تهديداً للزراعة بالأساس، اللجوء لردٍ اقتصادي.
لا خيارات كثيرة لدى تل أبيب
وبالإضافة إلى تضييق الخناق في معبر كرم أبوسالم، قالت إسرائيل إنَّها ستحصر صيادي غزة في مسافة 6 أميال بحرية (11 كيلومتراً تقريباً) قبالة الشاطئ، بعدما كانت تسمح لهم بالصيد ضمن مسافة تبلغ 9 أميال (16.7 كيلومتر تقريباً) في البحر المتوسط على مدار الأشهر الثلاثة الماضية.
وقال محللون إنَّ إسرائيل لا تمتلك خيارات كثيرة بعيداً عن العمل العسكري؛ لأن الحصار الذي تفرضه على القطاع بالفعل يُقيِّد بشدة حركة الناس من وإلى غزة. وقالت سيلين توبول، نائبة المدير العام لمؤسسة التعاون الاقتصادي الإسرائيلية، إنَّ "الإجراء الوحيد في جعبة إسرائيل هو إغلاق الحدود".
وتصل كل البضائع التي تدخل غزة تقريباً عبر معبر كرم أبوسالم؛ فوفقاً لأرقام الأمم المتحدة، تم استيراد 48424 شاحنة من البضائع هناك خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2018. وتضمَّنت ثلث تلك الكمية غذاء وإمدادات طبية، وهي المواد التي ستُعفى من القيود الجديدة.
وشكَّلت مواد البناء والسلع الاستهلاكية غير الغذائية، التي يبدو الآن أنَّ إسرائيل منعتها، الجزء الأكبر من باقي الكمية.
قالت تانيا هاري من جمعية جيشاه: "ليس هناك الكثير من المخزون على أرفف المتاجر بغزة، وبالتالي يعني هذا أنَّه في غضون عدد من الأيام سيكون بإمكانك بالفعل أن تشهد نقصاً (في تلك السلع)".
تبعات العقوبات الجديدة
وترى الصحيفة الأميركية أن القيود الجديدة في معبر كرم أبوسالم يمكن أن تخلق خلافاً دبلوماسياً أكبر بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية حول كيفية تخفيف المعاناة في غزة، ومَن يجب أن يتحمَّل المسؤولية عن ذلك.
حافظت مصر وإسرائيل معاً على حصارٍ عقابي لغزة ممتد منذ 11 عاماً. وتفرض السلطة الفلسطينية عقوباتها الاقتصادية الخاصة على حماس، والتي كلَّفت عشرات الآلاف من الغزِّيين وظائفهم وتسبَّبت في قطع الكهرباء عن معظم منازل غزة باستثناء ساعات قليلة في كل مرة. وألقت الولايات المتحدة بمعظم اللوم في ما يتعلَّق بالصعوبات الشديدة في غزة على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وأشار ناثان ثرال، وهو خبير في شؤون غزة بمجموعة الأزمات الدولية، إلى أنَّ إسرائيل ومصر –وكلتيهما لا تريدان تحمُّل مسؤولية غزة ومشكلاتها- حافظتا على نوعٍ من شد الحبل، فعلى سبيل المثال، كلما تفتح مصر معبر رفح تكون قلقة من أن تغلق إسرائيل معابرها الخاصة مع غزة، ما يترك مصر منفذاً وحيداً للقطاع.
وقال ثرال إنَّه إذا ما سمحت مصر بدخول مزيد من البضائع إلى غزة عبر معبر رفح، "سيكون ذلك فوزاً للغزِّيين؛ لأنَّ البضائع المصرية أرخص كثيراً ولا تخضع لضرائب السلطة الفلسطينية. وإذا ما استطاعت قيادات غزة تدبُّر ذلك، ستكون لديهم قدرة أكبر على فرض ضرائب على البضائع والحصول على الأموال اللازمة لإبقاء الحكومة واقفة على قدميها".