كان لتدخل هيئة التفاوض السورية في مسار المفاوضات التي جرت بين قيادات الجبهة الجنوبية وضباط روس، دور حاسم في عقد الصفقة التي انتهت لصالح النظام، بعد الاتفاق على تسليم المعارضة سلاحها الثقيل على مراحل، ونشر أفراد من الشرطة العسكرية الروسية قرب الحدود مع الأردن.
أعضاء هيئة التفاوض وعلى رأسهم نائب الرئيس خالد المحاميد المقرب من موسكو، أقنع في البداية قائد فصيل "شباب السنة"، أحمد العودة، بتوقيع اتفاق فردي، يقضي بتسليم مدينة "بصرى الشام" للنظام، وبعد تأكد التراجع الأميركي عن دعم المعارضة، وازدياد القصف على المدن والبلدات، فقدت باقي الفصائل أملها بالنجاة لتقبل بالنهاية الشروط الروسية.
كواليس الصفقة
هيئة التفاوض السورية التي كانت تواجه خطر الإبعاد عن المشاركة في اللجنة الدستورية، بسبب الرفض الروسي، على خلفية عدم مشاركتها في مؤتمر "سوتشي"؛ أخذت على عاتقها إقناع قادة الجبهة الجنوبية بالقبول بالشروط الروسية، مقابل تكليفها بتسليم قائمة المعارضة السورية في اللجنة الدستورية.
وقال مصدر مطلع لـ"عربي بوست" إن كواليس المفاوضات كانت معقدة جداً، والطرفين مصران على مواقفهما، لافتاً إلى أن تدخل بعض أعضاء هيئة التفاوض جعل قرار الفصائل العسكرية أكثر ليونة ومرونة.
وأضاف أن القيادات العسكرية كانت على استعداد للاستمرار بالمواجهة العسكرية وعدم التسليم للنظام، إلا أن نائب رئيس هيئة التفاوض خالد المحاميد تعهد لهم بإقناع الروس لوقف القصف بشكل كامل، وعودة النازحين، وبقاء السكان في أراضيهم ومنع تهجيرهم كما حصل في باقي المناطق.
"عربي بوست" كان قد علم من مصدر سابق أن موسكو طرحت الدعوة إلى مؤتمر ثان في مدينة "سوتشي" على أن تشارك فيه هيئة التفاوض ليتم قبول أعضائها في اللجنة الدستورية.
الساعات الأخيرة
هيئة التفاوض كانت على اطلاع بمجرى المفاوضات حول الجنوب، وقال رئيس هيئة التفاوض نصر الحريري يوم الجمعة 5 تموز/ يوليو، إنه "من المتوقع أن تعقد جلسة تفاوضية جديدة اليوم بين لجنة التفاوض الممثلة للفصائل في درعا مع الوفد الروسي"، وذلك بعد انهيارها يوم الأربعاء الماضي، بينما أكد نائب رئيس الهيئة خالد المحاميد أن الجانب الروسي تنازل عن بعض المطالب لصالح المعارضة.
وباللحظات التي كانت تسير فيها المفاوضات حول درعا باتجاه الحل، بدأت هيئة التفاوض بتلقي أسماء ممثلي مكوناتها، وعلم "عربي بوست" من مصادر خاصة أن الائتلاف الوطني السوري والفصائل العسكرية حصلوا على أكبر عدد مقاعد، والبالغة 22 من أصل 50، وأضافت المصادر أن الأسماء تم تسليمها للمبعوث الدولي ستافان دي ميستورا.
وأعلن رئيس هيئة التفاوض نصر الحريري عن تسليمه قائمة الأسماء في ذات اليوم الذي عُقد فيه اتفاق درعا، وقال عبر تغريدة على موقع تويتر: "في إطار العملية الأممية في جنيف وكخطوة للمضي في تطبيق بيان جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2254 وإيماناً منها بضرورة مواصلة العمل والصمود في كل الجبهات بما فيها السياسية.. سلمت هيئة التفاوض السورية قائمة مرشحيها للجنة الدستورية للمبعوث الخاص للأمم المتحدة".
في إطار العملية الأممية في جنيف وكخطوة للمضي في تطبيق بيان جنيف ١ وقرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ وإيمانا منها بضرورة مواصلة العمل والصمود في كل الجبهات بما فيها السياسية .. سلمت هيئة التفاوض السورية قائمة مرشحيها للجنة الدستورية للمبعوث الخاص للأمم المتحدة .
— د.نصر الحريري (@Nasr_Hariri) July 6, 2018
بنود الاتفاق
فصائل المعارضة السورية عقدت عدة جولات تفاوضية مع الجانب الروسي في مدينة "بصرى الشام" بهدف التوصل إلى تسوية سياسية وإيقاف القتال. وقضى الاتفاق بتسليم الفصائل سلاحها الثقيل والخفيف بشكل تدريجي، وتخضع محافظة درعا بالكامل لإدارة النظام السوري، مع مشاركة بعض الشخصيات التي سويت أوضاعها.
كما تضمن الاتفاق أن يقوم النظام بتسوية أوضاع المنشقين والمطلوبين أمنياً خلال فترة زمنية تحدد لاحقاً، وتتراجع قوات النظام للانتشار في مواقعها ما قبل عام 2011.
ومن بين بنود الاتفاق أيضاً عودة جميع النازحين إلى مدنهم وقراهم التي خرجوا منها، على أن تكون إدارة معبر "نصيب" مع الحدود الأردنية، مشتركة بإشراف روسي، ويرفع علم النظام السوري فقط عليه.
وأعلن الجيش السوري الجمعة 6 يوليو/ تموز، السيطرة الكاملة على معبر نصيب. وعرضت وسائل إعلام موالية للنظام شرائط مسجلة أظهرت دخول العشرات من عناصر النظام إلى المعبر، ورفع علم النظام عليه.
وذكرت وسائل إعلام محلية سورية أن الاتفاق تحدد تنفيذه في ثلاث مراحل، الأولى انسحاب الفصائل من نصيب، يليها مرحلة ثانية تدخل قوات النظام فيها من معبر "نصيب" إلى منطقة "خراب الشحم"، بينما تنطلق المرحلة الثالثة من خراب الشحم إلى محيط حوض اليرموك.
خزان بشري لترميم الجيش
وترى أطراف من المعارضة السورية أن اتفاق درعا أفضل من اتفاق الغوطة الشرقية بريف دمشق، وحلب وحمص، التي أفضت إلى عمليات تهجير واسعة، فيما تمكن سكان الجنوب البالغ عددهم نحو 750 ألف نسمة حسب إحصائيات الأمم المتحدة، من البقاء في مدنهم وبلداتهم.
لكن بالنسبة لبعض المنتقدين فإن الاتفاقية هي الأخطر، حيث أنها وفرت عشرات الآلاف من الشباب للنظام لكي يلتحقوا بالجيش السوري، وخاصة المقاتلين والذين هم في سن الخدمة الإلزامية أو المتخلفون عنها منذ سنوات.