يعلق التونسيون آمالهم بالفوز في أول مباراة سيخوضها فريقهم مع المنتخب الإنكليزي، في بطولة كأس العالم 2018 المُقامة في روسيا.
ويجلس طاهر لواتي خارج متجر للألعاب في أحد الشوارع الهادئة، التي تقطع وسط تونس العاصمة، بينما يفكر في فرص تحقيق انتصار غير متوقع لمنتخب بلده في كرة القدم.
قال لواتي، البالغ من العمر 63 عاماً: "يأتي الفريق الوطني في المقام الأول قبل كل شيءٍ آخر. أنا أتابع هذه الرياضة منذ سنوات حقاً، وأريد فقط أن أشهد تونس تصعد إلى الدور التالي قبل أن أموت"، بحسب ما نقلت عنه صحيفة The Guardian البريطانية، السبت 16 يونيو/حزيران 2018.
ولتحقيق ذلك الهدف، يجب على المنتخب التونسي إثبات جدارته غداً الإثنين 18 يونيو/حزيران، في مباراته ضد أول خصومه في بطولة كأس العالم.
هروب من الأزمات
وبالنسبة للكثيرين في تونس، التي احتُفي بها في الخارج باعتبارها النجاح الوحيد في الربيع العربي، فإنَّ مكاسب العام 2011 ثبُت أنَّها قطوفٌ ضئيلة. وأصبحت أعصاب التونسيين العاديين -الغارقين في الديون والذين يعانون من جرَّاء البطالة، والعالقين في مخاض أزمةٍ سياسية واقتصادية- مُنهكة، ويَعِد كأس العالم بالترويح المطلوب بشدة.
ويُمثِّل الفريق الوطني محط اهتمام وحيد -لبضعة أسابيع- تتطلع إليه البلاد بأكملها بعين الأمل.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن سهيل خميرة، وهو صحفي كروي تونسي، قوله: "ينتابني شعور بالثقة على نحوٍ مفاجئ. أجل، يمكننا تحقيق ذلك. وفي كلتا الحالتين، ومهما حدث، سنشهد كرة قدم رائعة وقوية. لم يتسنَ لجيلي مشاهدة منتخب 1978 (المنتخب صاحب الفوز الأول لمنتخب إفريقي في نهائيات كأس العالم)، وبالتالي نشأنا ونحن نشاهد كرة قدم مستكينة ومملة ودفاعية. فالحفاظ على نظافة الشباك لا يمثل أي نوع من أنواع الطموح".
وتأهلت تونس لأول مرة إلى بطولة كأس العالم قبل 40 عاماً، ثُمَّ شاركت في ثلاث بطولات منذ عام 1998 حتى 2006. ولكن ستكون تلك هي المرة الأولى التي يلعب المنتخب في البطولة منذ ثورة الياسمين التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وينتاب خميرة شعور بالأمل، حيث قال إن "هذا المنتخب مختلف. فلدينا بعض اللاعبين التكتيكيين الأقوياء القادرين على خلق فرص للتسجيل. راقبوا نعيم السليتي وأنيس البدري ووهبي الخزري. بإمكانهم فعلها. لا أقول إنَّ الأمر سيكون سهلاً، علينا أن نكون واقعيين، لكن نعم، إذا تعادلنا مع إنكلترا وبلجيكا وحققنا الفوز على بنما يمكننا أن نصعد للدور التالي. يمكن لذلك أن يتحقق".
فريق كسب قلوب الجميع
وتشير صحيفة The Guardian إلى أن لعبة كرة القدم في تونس احتفظت على مستوى الفريق الوطني بمسحة من النقاء في مختلف أنحاء تونس، ولم تدنسها المصالح السياسية الذاتية أو تشوهها الصدامات العنيفة على نحوٍ متزايد بين الجماهير والشرطة، والتي أصبحت إحدى السمات المميزة للدوري المحلي في البلاد.
وقال حمزة مدّب، وهو زميل باحث في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا والمتخصص في الشؤون التونسية: "لم يكن المنتخب الوطني لكرة القدم مرتبطاً أبداً بالرئيس السابق بن علي أو الزعيم السابق الحبيب بورقيبة، ولطالما كان المنتخب قوة أو رمزاً مُوحِّداً للأمة".
وأشار الباحث إلى أن أنظمة استغلت كرة القدم دوماً كأداة للحصول على الشرعية. وأضاف أن "نظام بن علي استثمر الكثير في تنظيم بطولات كرة القدم الدولية. ومع ذلك، لم يكن يُنظَر للفريق على أنَّه شيء خاص بالنظام. فالمنتخب ينتمي للأمة بأكملها بالرغم من استغلاله كأداة سياسية".
مع ذلك، تتطلع الكثير من الشخصيات السياسية المعاصرة في تونس إلى ربط أنفسهم بالرياضة، وقدرتها على تحفيز الشعب الذي ينتابه شعور متزايد بخيبة الأمل إثر الاقتتال السياسي الناشب في تونس.
العنف يلوث كرة القدم بتونس
وشعور الوحدة الوطنية الناجم عن تأييد الجميع للمنتخب التونسي، مختلف تماماً عن العنف الذي تعانيه المباريات المحلية؛ ففي وجه البطالة المترسخة والفساد المستشري، يجد الكثير من مشجعي كرة القدم الشباب في تونس إحساساً بالهُوية في أنديتهم والصدامات مع الشرطة التي تشتهر بغلظتها.
ففي أبريل/نيسان الماضي، حصد العنف حياة الشاب عمر العبيدي البالغ من العمر 19 عاماً، بعدما اتُّهِمت الشرطة بمطاردته إلى داخل إحدى القنوات المائية قرب الملعب الوطني.
وقال مدّب إنَّ كرة القدم كانت "دوماً ساحة للتنافس السياسي. فالشباب يُعبِّرون عن مظالمهم في ملاعب كرة القدم، ويُنظِّمون أنفسهم في مجموعات أولتراس، ويتحدون قوات الشرطة. وأصبح العنف المتزايد سمةً خطيرة في الملاعب".
الأكثر من ذلك أنَّه بينما يغذي العنف مزيداً من العنف، ويتدهور الوضع. وأضاف مدّب: "بعض المجموعات تصبح مأخوذة بالعنف، وأصبح الكثير من أعضاء الأولتراس جهاديين. وتؤجج الأزمة الاقتصادية والاجتماعية غضب الشباب الذي يجد في كرة القدم وسيلة للتعبير عن إحباطه".
وقال نبيل بن خياطية، وهو عامل في مطبخ من العاصمة تونس، إنَّ اللعبة على مستوى الفريق الوطني تكون مختلفة. ويضيف: "لا يوجد عنف. والناس يتجمَّعون. سأشاهد الفريق مع كامل أسرتي. سنذهب إلى أحد المقاهي ونشجع الفريق الوطني. وسيكون هناك شباب وكبار، الجميع سيكونون هناك".
واتفق طاهر مع ذلك، وقال: "النساء والكبار والأطفال، الجميع متحمس حقاً لكأس العالم. سيجمعنا معاً. بالنسبة لي، أحصي الدقائق حتى المباراة المقبلة".