يبدأ المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، السبت 16 يونيو/حزيران 2018، زيارة إلى العاصمة اليمنية صنعاء؛ للقاء الحوثيين، في محاولة أخيرة لوقف معركة الحديدة المتصاعدة منذ يومين.
وقالت مصادر مقربة من المبعوث الأممي لوكالة الأناضول التركية، إن غريفيث سيجري في صنعاء السبت، لقاءات مع قيادات جماعة الحوثي، وعرض الشروط الإماراتية من أجل وقف معركة الحديدة، والتي خرج بها من زيارته إلى أبوظبي، مطلع الأسبوع الجاري.
ومن المقرر أن يعرض المبعوث الأممي تلك الشروط على زعيم الحوثيين مباشرة، عبد الملك الحوثي، الذي سبق أن التقاه في زيارات سابقة، غير معلنة، وفقاً للمصادر ذاتها.
محاولة لتحقيق اختراق بوقت مهم
غريفيث، الذي يعود إلى صنعاء مجدداً بعد 10 أيام من مغادرتها، يحاول ترك بصمة كبيرة وتحقيق اختراق مهم بوقف معركة الحديدة.
والأربعاء، دعا المبعوث الأممي إلى "ضبط النفس"، وقال إن التصعيد العسكري في الحديدة "مقلق للغاية ومؤثر على الصعيدين الإنساني والسياسي".
وكانت الإمارات، التي تتزعم معركة الحديدة وتقدم دعماً لا محدوداً لقوات يمنية مشتركة، أمهلت المبعوث الأممي 3 أيام، من أجل إقناع الحوثيين بالانسحاب من الحديدة ومينائها الاستراتيجي، قبل التحرك العسكري صوب مطار الحديدة، وذلك بعد زيارته العاصمة أبوظبي، قبل أيام، وفقاً لمصادر "الأناضول".
ويطالب التحالف العربي والحكومة الشرعية بضرورة إخلاء الحوثيين المَنفذ البحري الأكبر في البلد، وتسليمه لإشراف أممي، في مقابل وقف العمليات، وتجنيب الحديدة القتال.
مخاوف دولية
وأثار الهجوم العسكري على الحديدة، الذي بدأ الأربعاء 13 يونيو/حزيران 2018، وأعلن التحالف انطلاقه رسمياً مساء الخميس 14 يونيو/حزيران 2018، مخاوف دولية وأممية واسعة، من تدهور جديد للأوضاع الإنسانية المتردية منذ بداية النزاع، والتي تُصنَّف بأنها الأسوأ في العالم.
وعقد مجلس الأمن الدولي جلستين طارئتين في غضون يومين، قبيل الجلسة الرئيسية في 18 يونيو/حزيران 2018، ومن المقرر أن يقدم فيها المبعوث الأممي إطار عمل لخارطة سلام تنهي النزاع.
ويحاول المجتمع الدولي مسابقة الزمن ووقف العملية العسكرية قبل وصولها إلى ميناء الحديدة، الذي يستقبل نحو 70 في المائة من واردات اليمن الغذائية والتجارية، لكن التحالف العربي أعلن الخميس 14 يونيو/حزيران 2018، أن العملية العسكرية جاءت بطلب من الحكومة الشرعية، وأن أهدافها عسكرية وإنسانية.
وأعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي، الخميس، عن القلق بشأن الوضع الإنساني باليمن، وجددوا دعوتهم لمواصلة فتح ميناءي الحديدة والصليف، كما حثوا كل الأطراف على احترام التزاماتها وفق القانون الإنساني الدولي.
تقدُّم سريع ونجاح مبكر للتحالف العربي
يأتي ذلك وسط تقدُّم ميداني لقوات التحالف العربي بقيادة السعودية، والتي سيطرت على مدخل مطار الحديدة في اليمن، الجمعة 15 يونيو/حزيران 2018، من يد الحوثيين الموالين لإيران، في حين تخشى الأمم المتحدة من أن تدفع المعركة ملايين الأشخاص إلى شفا المجاعة، بحسب وكالة رويترز.
والتقدم السريع هو نجاح مبكر مهم للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات والذي شن عملية للسيطرة على الحديدة قبل 3 أيام، ويقول إن باستطاعته السيطرة على المدينة سريعاً بما لا يؤدي إلى عرقلة وصول المساعدات لملايين يواجهون خطر المجاعة.
وقال أحد سكان الحديدة: "شاهدنا قوات المقاومة في الساحة عند المدخل الشمالي الغربي من المطار". وكان يشير إلى حلفاء يمنيين للتحالف العربي. وأكد مسؤولان عسكريان يمنيان مناهضان للحوثيين هذه المعلومات.
وأرسلت القوات اليمنية المدعومة من التحالف تغريدةً، قالت فيها إنها سيطرت أيضاً على المدخل الجنوبي للمطار وتتقدم في طريق رئيسي نحو الميناء البحري.
وقال سكان المدينة التي يسيطر عليها الحوثيون، إن اشتباكات دارت في حي المنظر المتاخم للجدار المحيط بالمطار.
وقال عمار أحمد، وهو تاجر أسماك: "هناك تفجيرات مرعبة منذ الصباح عندما قصفوا مواقع الحوثيين قرب المطار… نعيش أياماً من الرعب لم نعرفها من قبلُ".
وذكر ساكنٌ آخر من الحديدة -طلب عدم نشر اسمه- أن طائرات هليكوبتر من طراز "أباتشي" حلّقت فوق حي المنظر، وأطلقت النار على قناصة الحوثي ومقاتليهم في المدارس ومبانٍ أخرى. وقال إن قوات الحوثيين دخلت المنازل الواقعة على الطريق الرئيسي للصعود إلى الأسطح. وهرب الكثير من السكان إلى وسط المدينة على دراجات نارية.
وخلت الشوارع في أنحاء أخرى من المدينة من الناس رغم عطلة عيد الفطر.
معركة رئيسية للحوثيين
ولا توجد أي بوادر لقبول الحوثيين شروط التحالف بالانسحاب من الميناء ومركز المدينة من أجل تجنيبها القتال. ومساء الخميس 14 يونيو/حزيران 2018، دعا زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، أنصاره إلى الصمود، وقال إن الحديدة "معركة رئيسية لهم".
وفي حين أقر بخسارته مساحات جغرافية بالساحل الغربي وصفها بالصحراوية، أشار زعيم الحوثيين إلى أنه "لا ينبغي لأي اختراق أن يُحدِث حالة إرباك، ويجب العمل على تأمين الزخم البشري لمعركة الساحل"، كما وعد باستعادة ما وصفها بـ"الاختراقات".
وتأمل دول التحالف والحكومة الشرعية أن تثمر معركة الحديدة كسر شوكة الحوثيين، وانصياعهم للحل السياسي وتنفيذ القرار الدولي 2216، الذي ينص على انسحابهم من المدن وتسليم السلاح الثقيل للدولة.
واعتبر وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، انطلاق عمليات تحرير ميناء الحديدة أنه "سيفتح الطريق أمام عملية سياسية ناجحة تؤدي إلى إحلال السلام في اليمن".
وقال قرقاش في بيان صحفي، مساء الخميس: "تحرير الحديدة سيعجّل بإنهاء الانقلاب في اليمن، وسيدرك الحوثيون أنه لم يعد بمقدورهم أو باستطاعتهم فرض إرادتهم عبر فوهة البندقية (..) سيصبحون مجرد مجموعة ضمن غيرها من المجموعات اليمنية التي تتفاوض فيما بينها لتحديد مستقبل البلاد عبر عملية سياسية تحت إشراف الأمم المتحدة".
وأصبحت معركة الحديدة محط أنظار المجتمع الدولي والإقليمي، ففيما يدفع الأخير بقوة بهدف تحجيم ما يصفونه بـ"الدور الإيراني"، المهدِّد لممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، عبر حلفائهم الحوثيين، تحاول دول كبرى، على رأسها بريطانيا، كبح جماحها لاعتبارات إنسانية.
وُينظر إلى معركة الحديدة على أنها الأكبر منذ اندلاع النزاع باليمن قبل أكثر من 3 سنوات، ففي حين يعتبرها التحالف والشرعية المعركة الأهم في رسم خارطة القوى على الأطراف وإضعاف الحوثيين بعد دحرهم موقعاً يحتل مكانة عسكرية واقتصادية كبيرة، ينظر الحوثيون إليها بأنها "مصيرية"، وأن إزاحتهم من أهم منفذ بحري يسيطرون عليه سيُفقدهم أبرز أوراق التفاوض السياسي، كما سيفتح المجال سريعاً أمام انهيار محافظات أخرى، هي حجة وريمة والمحويت.