انتصرت المحكمة العليا الأميركية لطفلة يمنية معاقة بعد أن ألغت قراراً بمنعها من دخول الولايات المتحدة الأميركية؛ بسبب قانون الحظر الذي فرضته إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، على دخول مواطني 5 دول مسلمة.
ويقضي مرسوم حظر السفر، الذي وقَّعَه الرئيس ترمب في سبتمبر/أيلول 2017، بمنع دخول مواطني 5 دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، وهي: إيران، وليبيا، والصومال، وسوريا، واليمن، بالإضافة إلى كوريا الشمالية وبعض الأفراد المرتبطين بحكومة فنزويلا.
وذكرت صحيفة The Wall Street Journal الأميركية أن الطفلة شيماء العمري وصلت إلى نيويورك يوم السبت 26 مايو/أيار 2018؛ لإعادة توطينها، بعد أن كانت المحكمة العليا المختصة بمراجعة حظر السفر الذي فرضته إدارة ترمب قد أعادت النظر في قرار استبعادها.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد رفض استمارتها في شهر يناير/كانون الثاني 2018، ألغت السفارة الأميركية لدى جيبوتي القرار وأصدرت تأشيرة تسمح للطفلة شيماء العمري (10 سنوات) وأسرتها بالهجرة إلى الولايات المتحدة، وذلك بحسب ما قاله والدها، نجيب العمري، للصحيفة الأميركية.
وقال العمري إنَّ شيماء قد وُلِدَت مصابةً بالشلل الدماغي، وهو مرضٌ يجعلها غير قادرة على المشي أو الكلام أو إطعام نفسها. وأضاف الوالد: "عندما تتألَّم، فإنها تصرخ ولا يمكنها أن تحدِّد ما تعانيه". وأضاف العمري، الذي حصل على الجنسية الأميركية: "لا يمكنها الاعتناء بنفسها.. أمها تنظِّفها، وتُغيِّر لها ملابسها وتلبي كل احتياجاتها. وأنا أساعد زوجتي قدر المستطاع".
وكانت وزارة العدل قد قالت إنَّ هذا الحظر ضروري لأنَّ الحكومات المُتضرِّرة منه غير قادرة على تقديم معلومات ملائمة للسلطات الأميركية عن مواطنيها الذين قد يُشكِّلون أخطاراً أمنية.
وتؤكِّد الجهود المتحدية لهذا الحظر، والتي تقودها ولاية هاواي وتخضع حالياً للمداولة في المحكمة العليا، أنَّه مبنيٌّ على تحيُّزات دينية تعود إلى حملة ترمب التي وعد فيها بتفعيل "إغلاق كلي وكامل لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة". وقد اتفقت المحاكم الدنيا بشكل عام على افتقار الحظر إلى التبرير الكافي وخرقه قوانين الهجرة التي تمنع التمييز على أساس الجنسية عند إصدار تأشيرات السفر.
انتقادات لـ"حظر ترمب"
وأشارت وزارة العدل، في معرض دفاعها عن الحظر، إلى أنه يُقدِّم استثناءات للأفراد الذين لديهم أسباب قهرية لدخول الولايات المتحدة، ومن بينهم "الرضيع، أو الطفل الصغير أو المتبنَّى أو الفرد المحتاج إلى رعاية طبية عاجلة".
وكان العديد من القضاة قد اقترحوا، في الجدال الشفوي أمام المحكمة العليا، في شهر أبريل/نيسان 2018، أن رؤيتهم الحظر قد تتوقف على ما إذا كانت أحكام الإعفاء قد طُبِّقت بنزاهة أم لا. وركزوا على حالة شيماء، التي أُبرِزَت في مذكرة قدَّمَتها مستشارةٌ للمحكمة في شهر مارس/آذار 2018، حين حدِّدت على أنها حالة "S".
وسألت القاضية روث بادر غينسبرغ، محامي الوزارة، المحامي العام نويل فرانسيسكو: "كيف تتعامل مع المثال المذكور للطفلة المصابة بالشلل الدماغي؟". وقال فرنسيسكو: "سيدتي القاضية، إنَّ هدف الإعفاء التعامل مع هذه الحالات. لست مُطَّلِعاً كفايةً على تفاصيل هذه القضية لأخبرك بما جرى في هذه الحالة بالذات".
وقد رفض مُتحدِّثٌ باسم وزارة العدل التعليق على حالة شيماء، قائلاً إنَّ قوانين الخصوصية تحول دون مناقشة طلبات تأشيرة بعينها. وأشار المتحدث إلى تقريرٍ للوزارة يشير إلى أنه اعتباراً من الـ15من شهر مايو/أيار 2018، "قُبل إعفاء ما لا يقل عن 655 طلباً بعد أن قرَّر مسؤولٌ قنصلي أنَّ مُقدِّمي هذه الطلبات قد استوفوا جميع المعايير وأكملوا الإجراءات المطلوبة كافة".
ويبدو أنَّ عدد مُقدِّمي الطلبات اليمنيين الذين قُبلت طلبات إعفائهم قد ازداد بعد نقاش المحكمة العليا، وذلك بحسب مشير فتيحي، المترجم ومستشار الهجرة في شنيكتادي بنيويورك، والذي يعمل مع العمري ويمنيين آخرين. وقال فتيحي، وهو نفسه مهاجرٌ يمني، إنَّ الكثير من طلبات اليمنيين مثل العمري، قد رُفِضَت دون شرحٍ أو فرصةٍ للاستئناف.
اخيراً وصلت شيماء وأسرتها الكريمه ارض الولايات المتحدة الامريكيه
انتصرت العداله لشيماء وخسر ترامب وقراراته العنصريه
الاخ نجيب العمري وهو يمني يحمل الجنسيه الامريكيه بعد رفض منح ابنته المعاقه وأسرته فيز الدخول الى امريكا https://t.co/3p7QhbB63y pic.twitter.com/meuDFo92AA— ابو يوسف العبدلي (@abo_Jussef) May 27, 2018
وقد خاض العمري وفتيحي والمحامون الذين أعدَّوا موجز المحكمة العليا، صراعاً طويلاً مع البيروقراطية الغامضة للهجرة، من أجل نقل أسرته من مدينة إب اليمنية الداخلية إلى الولايات المتحدة، حيث الفرص أفضل لشيماء.
وقال العمري (39 عاماً)، إنَّ تعليمه وقف عند المرحلة الابتدائية في إب، حيث تذكُر الوثائق وظيفته على أنه عامل. وقد زار الولايات المتحدة للمرة الأولى في التسعينيات وعاش بكاليفورنيا وألاباما، حيث عمل في مطاعم ومحطات بنزين، وذلك بحسب وثائق الهجرة وأشخاص مُطَّلِعين على قضيته.
وكان العمري يعود إلى اليمن بشكل دوري، وهناك تزوج عام 2000 وخطَّط للبدء في بناء أسرة. وانتظر هو وزوجته "إنجاب طفل ودعوَا الله بذلك"، لكن بلا طائل. وقال العمري: "زرت الكثير من المستشفيات في إب وصنعاء، لكن بلا نتيجة. وكذا، فقد شعرت بخيبة الأمل وقرَّرت السفر إلى مصر على أمل الحصول على علاجٍ أفضل لمساعدتي على الإنجاب. وهناك قرَّر الأطباء أنه ينبغي لي إجراء عملية دوالي الخصية"؛ لمعالجة عقمه الذكوري.
وأضاف العمري: "نجحت العملية نجاحاً باهراً وأنجبتُ شيماء. وعلى الرغم من أني قد أنجبت طفلين آخرين، فإنَّ شيماء أول وآخر حب لنا". ومع ذلك، فقد كانت رعاية شيماء الشاغل الأكبر للعائلة؛ إذ قال العمري: "لا يمكن لشيماء الدراسة، ولا يمكنها التحرُّك. لا نشعر بأننا نتعامل مع طفلة في العاشرة من عمرها، فعقلها عقل طفل رضيع. إنها مثل طفل بالضبط. وهي تأكل مثل طفل رضيع".
سنوات من الانتظار
وقد حصل العمري على الجنسية الأميركية عام 2010 وبدأ بالتفكير في نقل أسرته إلى أميركا. أما شيماء، فقد كانت تتلقى العلاج في العاصمة اليمنية، صنعاء، لكنَّ العمري قال إنَّ الأمور أصبحت صعبة.
وقال العمري: "فرَّ الكثير من الأطباء من البلاد، وثمة نقصٌ في الأدوية". وقد علمت الأسرة أنَّ شيماء بحاجةٍ إلى جراحةٍ في إحدى ساقَيها. وقال العمري: "لا يمكننا إجراء هذه الجراحة في اليمن، وقد كنت آمل أنه سوف يمكنني إجراؤها بالولايات المتحدة".
وانتظرت أسرة العمري سنوات بعد تقديم أوراق الهجرة، حتى موعد مقابلة الحصول على التأشيرة مع موظفي القنصلية الأميركية، وهي المقابلة التي حُدِّدَ تاريخها في شهر يناير/كانون الثاني 2018.
وبينما كانوا ينتظرون، انتُخِبَ ترمب رئيساً، وخلال أيام من وصوله لمنصبه في شهر يناير/كانون الثاني 2017، بدأ جهوده المثيرة للجدل في حظر دخول مواطني اليمن وبعض الدول الأخرى ذات الأغلبية المسلمة. ومع ذلك، فقد قال فتيحي مستشار العمري، إنه كان واثقاً بقبول إعفاء شيماء.
ومع ذلك، فبعد مقابلة في شهر يناير/كانون الثاني 2018، رفض موظف القنصلية الطلب وتلقَّى العمري رسالة نموذجية، فيها علامة مؤشر عليها عند سطر يقول "بالنظر إلى أحكام الإعلان، فإنَّ الإعفاء لن يقبَل في حالتك". وجاء في الخطاب: "لا يمكن الطعن في قرار اليوم". وظلَّ المكان المُخصَّص للإشارة إلى أنَّ الحالة قيد المراجعة، بلا تأشير.
وأرسل أحد نواب القنصل في جيبوتي رسالةً بالبريد الإلكتروني، قبل يوم من مناقشات المحكمة العليا، إلى العمري قال فيها إنه بعد مقابلة شهر يناير/كانون الثاني 2018، "كنت مُصمِّماً في هذا اليوم ذاته على أنَّ حالة أسرتك تستوفي، بوضوحٍ، معيار الصعوبة والضرورة المُحدَّدة… وقد أوصيت بحصول أسرتك على إعفاء".
وجاء في الرسالة: "ومع ذلك، لم يكن بإمكاني إعلامك بهذا الأمر في وقت المقابلة؛ لأنه طبقاً لقوانين الوزارة، كان الإعفاء ما يزال بحاجةٍ لمراجعةٍ من مُشرِفي. وقد تمَّت الموافقة على الإعفاء". وسوف تأتي التأشيرات بعد المزيد من الإجراءات.
ولم يُفسِّر نائب القنصل سبب عدم التأشير على السطر في نموذج الخطاب الذي يشير إلى أنَّ المراجعة ما تزال جارية.
وقد كان للعمري، الذي وصل مع عائلته إلى مطار جون كينيدي الدولي يوم السبت 26 مايو/أيار 2018، تفسيره الخاص لموقف الحكومة من استمارة عائلته. وقال العمري: "شكراً للمحكمة العليا التي ذكرت شيماء وساعدتني على الحصول على الإعفاء". ومن المُتوقَّع صدور الحكم على مرسوم حظر السفر في شهر يونيو/حزيران 2018.