كان اللاجئون الروهينغا الـ79 الذين انطلقوا الشهر الماضي على متن قارب من ولاية راخين (أراكان) في ميانمار، يشعرون بالرعب عندما اعترضتهم البحرية التايلاندية وأعادت توجيههم.
وخرج هؤلاء اللاجئون إلى ماليزيا، حيث كانت تنتظرهم العائلات والوظائف. وبدا الوصول إلى شواطئ بلدٍ لم يتوقعوه في البداية وكأنه بلاءٌ آخر، حيث انتهى بهم المطاف بإقليم آتشيه في إندونيسيا، شمالي جزيرة سومطرة، بحسب ما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية 25 مايو/أيار 2018.
ويُطبِّق الإقليم الإسلامي شديد المحافظة الشريعة الإسلامية، ويشتهر في جميع أنحاء العالم بأنَّه كان بؤرة زلزال تسونامي عام 2004، لكنَّه أيضا أحد الأماكن القليلة في العالم التي ترحب علناً باللاجئين من الروهينغا، الذين يعتبرهم الكثيرون من أهل آتشيه إخوانهم وأخواتهم في الدين.
زلُقبَّت أقلية الروهينغيا المسلمة بميانمار بأكثر الشعوب افتقاراً للأصدقاء على وجه الأرض. إذ يعيش ما يقرب من 700 ألف شخص في مخيمات اللاجئين في بنغلاديش بعد فرارهم من العنف والاضطهاد في بلادهم، وهو ما وصفته الأمم المتحدة بأنَّه "يحمل كل علامات الإبادة الجماعية".
وأُعيدت قوارب اللاجئين التي وصلت إلى تايلاند وماليزيا، لكنَّها قُوبِلت في آتشيه بتبرعاتٍ سخية وأُخوة منذ وصول أول تسعة قوارب في 2015.
وبحسب الصحيفة البريطانية فإن الإقليم استقبل ما لا يقل عن 1740 لاجئاً من الروهينغا خلال السنوات العشر الماضية، جميعهم تقريباً من ولاية راخين، وذلك وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية.
"يعتنون بنا كأبنائهم"
ووصل آخر قارب إلى مدينة بيروين الساحلية، التي يبلغ عدد سكانها 40 ألف نسمة، خلال صلاة الجمعة قبل بضعة أسابيع من شهر رمضان، أقدس شهور السنة.
وقال محمد شوبر، وهو من الروهينغا وجاء مع زوجته في القارب: "إنَّهم يعتنون بنا كما يعتني الآباء بأبنائهم. كنا مرعوبين عندما وصلنا، لكن هؤلاء الناس قدموا لنا كل شيء: الطعام والدواء والمأوى.. نريد التعبير عن امتناننا الصادق لهم".
ويقيم اللاجئون في مخيمٍ مؤقت تديره منظمة الهجرة الدولية ووكالة خدمات اجتماعية محلية. وسيُنقلون بعد شهر رمضان إلى مأوى دائم في مدينة لانغسا.
وقال محمد إلياس، البالغ من العمر 24 عاماً، والذي ترك ثلاثة أطفال في مخيمٍ للمُهجَّرين داخلياً في ولاية راخين: "لقد تغذينا جيداً هنا، لكنَّنا لا نتذوق الطعام. عائلتي لا تأكل إذا لم أعمل ولو ليومٍ واحد، لذلك ليس لدي أي فكرة عن حالهم الآن".
وكان محمد يأمل في أن يجد عملاً في ماليزيا، حيث يعيش 150 ألف من الروهينغا. لكنَّه لا يخطط للمغادرة الآن، لأنَّه تحت رعاية منظمة الهجرة الدولية والأمم المتحدة، ولا يعرف كيف يذهب في رحلةٍ بحرية أخرى.
والروهينغا غير مرحب بهم بشكل عام في ماليزيا، إذ لا يملكون أي حق قانوني للعمل أو التعليم الرسمي، لكن أرقامهم الهائلة تعني أنَّهم يستطيعون العثور على عمل في "السوق الرمادية".
The Guardian
استقبال فريد
ويقع مخيم بيروين داخل مجمع حكومي فارغ به مبان خضراء وبيضاء حول حقل مفتوح. ويوجد فيه سكن للرجال وآخر للنساء، ومسجد يؤدي فيه بعض الروهينغا مع السكان المحليين الصلوات الخمس.
ويقول حذيفة، وهو صبي يبلغ من العمر 16 عاماً يُلقب بـ"الإمام"، لأنَّه قضى سنوات في مدرسة دينية ويتقن تلاوة القرآن بالعربية: "نتبادل الأدوار في الأذان، ثم يؤمنا أهل البلد في الصلاة".
وزار سو مينت من مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين في بانكوك المخيم، ويقول إنَّ استقبال الروهينغا كان "فريداً" في المنطقة. وأضاف: "اللاجئون يبكون عندما يُعبِّرون عن امتنانهم. وأهل آتشيه ورِعون ومتواضعون وخيِّرون جداً".
ذو الفقار رجلٌ من آتشيه، يعمل بوزارة الشؤون الاجتماعية ومسؤول عن إدارة المخيم. كان يبيت في المخيم وأوقف جميع المهام الأخرى.
يقول مازحاً: "لم ترني زوجتي منذ 22 يوماً". ويضيف: "وفقاً لقانوننا البحري في آتشيه، لا نسأل الوافدين عن دينهم أو عِرقهم أو غير ذلك. أهم شيء هو إنقاذ الأرواح، وليس القانون الوطني".
ويضيف ذو الفقار: "أنا أحد الناجين من تسونامي أيضاً، شأني شأن العديد من الناس في آتشيه". وقد تحمَّل إقليم آتشيه وطأة كارثة تسونامي التي بلغت حصيلة ضحاياها أكثر من 100 ألف. وتابع: "كلنا نعرف كيف يكون العيش في الكارثة".
وجديرٌ بالذكر أنَّ إندونيسيا لا تعترف رسمياً باللاجئين، ولم تُوقِّع على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1945.
عائلات غائبة في رمضان
وكان اليوم الأول من رمضان خليطاً من الحزن والسعادة في المخيم، حيث يؤذن مغرب عند الساعة 6:45 مساءً.
ومن بعد الظهر، يبدأ حوالي 40 متطوعاً بطهو وجبة الإفطار: أرز، وسمك، وشعيرية، وسلطة خيار، ولحم بقري في حليب جوز الهند بالكاري، وباذنجان مقلي ومُتبَّل. وكل ذلك من أموال التبرعات.
وتطهو امرأة من الروهينغا اسمها فاطمة خاتو، خطيبة محمد شوبر، وصفة دجاج مُتبَّلة من بلدها تُدعى كورار غوستو ريندي (kurar gustu rendi). ويهز بعض رجال الروهينغا شجرة التمر الهندي في المجمع لصنع العصير من لُب الثمرة.
The Guardian
وعند غروب الشمس يتجمَّع الكل، النساء والأطفال في ناحية، والرجال في ناحية أخرى. وعندما يصدح صوت الأذان أخيراً، يتناولون ثمار الفاكهة والتمر، ثم يأكلون مجموعة من حلوى آتشيه، من بينها ألواح الجيلي وكعك محشو بجوز الهند الحلو.
يصلي الرجال معاً في صفوف، بينما ترجع النساء إلى مساكنهن للصلاة في خصوصية.
ولكن تحت الاحتفال والارتياح يكمن الغمّ. إذ تقول فاطمة، التي تركت طفلين خلفها في راخين: "نحن سعداء بحصولنا على الطعام هنا. نحن محظوظون جداً. لكن لا شيء آخر مؤكد. لا نعرف حال عائلاتنا".