تعهَّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في ثنايا البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، بالعمل لتقنين "بيوت الجمع" (Cemevi)، أو دور العبادة الخاصة بالعلويين، مشيراً إلى أن حزبه اتخذ خطوات كبيرة لدعم حقوق الطوائف وأصحاب المعتقدات المختلفة.
ورغم عدم وجود إحصائية تبين التعداد السكاني للعلويين في تركيا، فإنهم يشكلون ثاني أكبر طائفة دينية في البلاد، بعد المسلمين السُّنة.
وخلافاً للاعتقاد السائد، تختلف معتقدات علويي تركيا عن العلويين في سوريا. يرى بعض العلويين الأتراك العلوية هويةً ثقافيةً أكثر منها ديناً. وفي حين يقرأ العلويون النصوص الدينية مثل بقية المسلمين، إلا أنهم لا يصلُّون بالمساجد، وإنما في بيوت الجُمع أو غرف الصلاة، ولا يصلّون 5 مرات في اليوم.
لسنوات عديدة، كان مطلب الاعتراف القانوني بالهوية العلوية وبالحالة القانونية لـ"بيوت الجمع" والمؤسسات العلوية الأخرى، مطلباً تحمله عدة مجموعات من الطائفة العلوية، لكنَّ أياً من الحكومات لم تستجب لهذا الطلب حتى الآن.
تعهُّد أردوغان ليس جديداً
لم يلقَ تعهُّد أردوغان بتقنين "بيوت الجمع" ترحيباً من العلويين الأتراك. وقد لخّص علي كنان أوغلو، المرشح عن حزب الشعوب الديمقراطي في إسطنبول، هذا الشعور بقوله: "مذ كنا صغاراً نرضع الحليب من أمهاتنا ونحن نسمع (العدالة والتنمية) يتعهد بتقنين بيوت الجمع".
تُعد "بيوت الجمع" دار العبادة للعلويين في تركيا، التي يمارسون فيها طقوسهم وشعائرهم الدينية، ورغم ذلك فإنها لا تحمل الصفة القانونية التي تحملها المساجد والكنائس، ويترتب عليها تقديم مخصصات مالية لها من قِبل الدولة.
في أغسطس/آب من عام 2006، طالبت مؤسسة علوية بالاعتراف الرسمي بـ"بيوت الجمع"، مثل دور العبادة الأخرى، وقالت إن مصاريفها ينبغي أن تُدفع من خلال منحة توفرها رئاسة الشؤون الدينية التابعة للحكومة التركية.
إلا أن محكمة تركية رفضت طلب المؤسسة العلوية بناء على قناعة رئاسة الشؤون الدينية بأن "بيوت الجمع" ليست دوراً للعبادة؛ بل أماكن للتجمع وممارسة طقوس روحية.
في عام 2010، أصدرت المحكمة الأوروبية حُكماً يدعو تركيا للاعتراف القانوني بـ"بيوت الجمع"، بعد دعوى رفعها عز الدين دوغان، أحد قيادات العلويين في تركيا. وأعلنت إدارات محلية بعدد من الولايات التركية اعترافها الرسمي بـ"بيوت الجمع" وتقديم الدعم لها.
وبعد 5 سنوات، أعلن رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، نية الحكومة تقنين "بيوت الجمع"، وتغطية تكاليفها من الماء والطاقة من قِبل رئاسة الشؤون الدينية، إضافة إلى تقديم الدعم للشخصيات الدينية العلوية التي تُعرف بالتركية بـ"دادا" (Dede).
وزار داود أوغلو بيت جمع ومؤسسة "حجي ولي بكتاش" الثقافية العلوية في ولاية أرزينجان شرق تركيا، واستمع إلى مطالب الطائفة العلوية وحضر بعض طقوسهم.
لم يتحقق مطلب العلويين بتقنين "بيوت الجمع" حتى الآن، رغم تكرار المسؤولين الأتراك الوعود بذلك ومواصلتهم التقرب إلى العلويين، من خلال الزيارات الرسمية المتكررة لـ"بيوت الجمع" والمؤسسات العلوية ومخاطبتهم في عدد من الخطابات الرسمية.
العلويون في السياسة التركية
تُحسب الطائفة العلوية في تركيا سياسياً على اليسار العلماني، رغم تعرضها للقمع في ظل حكم عدد من الحكومات العلمانية. ومع ارتباط القومية بالفكر المحافظ الصاعد في تركيا، تشعر الأقليات العرقية والدينية بالتهديد من الحزب الحاكم.
لكن هاورد إيسيسنستات، الخبير في الشؤون التركية من جامعة سانت لورنس الأميركية، أشار إلى أنه في حين "ينظر العلمانيون إلى أردوغان على أنه إسلامي، فإت العلويين يعدّونه سُنياً".
وقال هاورد إن العلويين أكثر أمناً الآن في تركيا من أي فترة سابقة من تاريخهم، فقد كانوا ضحايا لقمع ومذابح بعد نشوء الجمهورية التركية وقبل ذلك أيضاً. وقد قُتل عدد المئات منهم في العنف الذي تزامن مع انقلاب عام 1980، وقُتل العشرات منهم في تسعينيات القرن الماضي.
إلا أن حكومة حزب العدالة والتنمية سعت لطمأنة هذه الطوائف، ومنها العلويون. فقد أطلق أردوغان في عام 2009، وكان رئيس الوزراء حينها، المبادرة العلوية في تركيا تحت شعار "الانفتاح على العلويين"، التي عُقدت في إطارها 7 ورشات عمل بمشاركة زعماء علويين وممثلين من مختلف فئات المجتمع واستمرت 6 أشهر.
وُصفت مبادرة الانفتاح على العلويين بأنها تحدٍّ للهوية الثقافية والعرقية الواحدة التي عزّزها مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كامل أتاتورك، والتي تعتقد أن المواطن المثالي هو التركي وليس الكردي، والسُّني وليس العلوي رغم ميولها العلمانية.
وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، اعتذر أردوغان عن مجزرة درسيم بالنيابة عن الدولة التركية. وكانت المجزرة قد ارتُكبت بحق العلويين "الظاظا" في مدينة درسيم شمال شرقي تركيا، وراح ضحيتها أكثر من 13 ألفاً و800 قتيل وآلاف النازحين.
ارتُكبت المجزرة في فترة حكم الحزب الواحد، حزب الشعب الجمهوري، تحت قانون إعادة التوطين الصادر في عام 1934 والذي كان يستهدف الأقليات العرقية. ووصفها أردوغان في اعتذاره بأنها "من أكثر المآسي ألماً ودمويةً في تاريخ تركيا الحديث".