على مدار عدة سنوات، ارتبط مسار تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" -بجانب أعمال العنف- بشبهات كثيرة بصورة مختلفة عن غيرها من الحركات. فقد جرت العادة، أن يحدث عنف في مكان ما في العالم، من قِبل جهة مجهولة، ثم تعلن تلك الجهة أنها "داعش"، وأنها المسؤولة عما حدث.
وبقليل من التحقيق والتدقيق عن قرب، يظهر أن التنظيم، خارج القصة تماماً، وأن الجهة التي قامت بذلك، تتخفَّى خلف شعار التنظيم، حتى تكون بعيدة عن الخطر، لكن التساؤلات التي تتدافع حينها، لماذا لم ينفِ التنظيم عن نفسه ذلك؟
الإجابة هي "كسب انتصارات لم تفعلها بنفسك"، وواحدة من أبرز القضايا التي ظهر فيها اسم التنظيم، ولم يحل أمرها سوى من عدة أيام، هي قضية جيش الخلافة الإلكتروني، الذي ظهر في فبراير/شباط 2015، حين قام بالعديد من الهجمات الإلكترونية، تحت مسمى التنظيم، ليظهر فيما بعد أن التنظيم لم يكن له علاقة بالأمر من بعيد أو قريب.
نستعرض معاً التطور التفصيلي للقصة منذ بدايتها وحتى كشف النتيجة الأخيرة.
الظهور الأول.. حسين جنيد لم يفعلها!
كان الظهور الأول عبر فيديو على الإنترنت، لمجموعة تسمي نفسها المدافعون عن تنظيم الدولة عبر الإنترنت، أعلنت فيه تهديدات بهجمات إلكترونية ضد الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا. وقد ورد في الفيديو تهديد مباشر باختراق مواقع القيادة الأميركية، ومواقع المطارات الأسترالية، وغيرها الكثير.
وُجهت أصابع الاتهام حينها إلى حسين جنيد، وهو شاب ولد في بريطانيا، تحديداً في مدينة برمنغهام، وبرزت شهرته للمرة الأولى خلال فترة مراهقته في 2012، حين استطاع اختراق حساب شخصي لتوني بلير، واخترق حساب الخط الساخن لمكافحة الإرهاب، لكن المسؤولين وقتها لم يستشعروا قلقاً حياله، ووصفوه بالفتى الخجول، الذي يمكن حل مشكلته، لكن ما حدث بعد ذلك هو انضمامه للتنظيم.
لكن هجمات حسين لم تتوقف عند اختراق حساب بلير وحسب، بل هاجم الأنظمة الأمنية لعدة بنوك، والموقع الخاص بالمسؤولة السابقة بحكومة ألاسكا سارة بلاين، وموقع وكالة ناسا، وموقع حلف الناتو، وموقع هيئة الأمم المتحدة.
كان من الغريب عدم إصدار أي تعليق من قِبل ذلك التنظيم، لينفي عن نفسه أن تلك المجموعة الإلكترونية تابعة له، لكن بعد تصريح للسيناتور رون جونسون، ربما كان كفيلاً بألا يُعلق التنظيم. فقد صرح بأنه على الرغم من الانتصارات الكبيرة التي حقَّقتها الولايات المتحدة على التنظيم، فإنه ليس من الممكن تجاهل وجود الخطر المستمر من قِبل التنظيم، والذي ظهر -بحسب قوله- فيما يعرف بالمجموعة الإلكترونية المسماة جيش الخلافة.
بالطبع وحتى إن لم يكن التصريح موجوداً، فنسب الانتصار للمجموعة المهزومة في سوريا والعراق، والمشتتة في كثير من البلدان، وبعد أن فقدت معظم الحواضن الخاصة بها، أمر جيد بالنسبة لها، لإعلان البقاء حتى لو بشكل كاذب.
وقد كان اللافت للنظر وقتها تشكك الخبراء، في حقيقة تلك التهديدات وجدواها، فقد أعلن المتابعون لتنظيم الدولة إلكترونياً أنه أضعف من القيام بمثل هذه الخطوات، فكل التقارير السابقة عن تنظيم الدولة إلكترونياً، تفيد أن قوته تتمثل في الدعاية لأفكاره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أما عن الاختراق فلم يحدث من قبل أن قام التنظيم بذلك، وأرجع البعض أن الأمر ربما مرتبط بحسين جنيد، البريطاني المنضم للتنظيم، والمعروف بكونه هاكر محترفاً.
الاختراق بدأ والنتائج مفزعة
تعرَّضت حسابات اليوتيوب وتويتر الخاصة بالجيش الأميركي للاختراق وبعد الاختراق، نُشر على الحسابات عبارة "أنا أحب تنظيم الدولة" للمتابعين. وبعد الهجمة التي تعرَّض لها حساب تويتر واليوتيوب الخاص بالجيش الأميركي، أعلن تسرب بعض المستندات الخاصة بالجيش، لكن اتَّضح بعدها أنها متاحة على الإنترنت بالفعل.
كانت الخطوة التالية، هي إرسال تهديدات لزوجات ضباط الجيش الأميركي، حوت الرسائل تهديدات بالقتل، وقد حصلت تلك المجموعة المخترقة على بيانات زوجات الضباط، عن طريق اختراق حساب على تويتر يخص منظمة دعم مجتمعي لأسر العسكريين في الولايات المتحدة. وقد كان نص الرسالة "تظنّين أنك بأمان، لكن تنظيم الدولة هنا". وكانت ميشيل أوباما زوجة الرئيس السابق باراك أوباما واحدة ممن تلقين تلك التهديدات.
واحدة من النساء اللواتي تعرضن لذلك الهجوم، على حسابها على فيسبوك، هي أنجيلا راكيت، التي وصلتها رسالة بأنه تم اختراق حاسوبها وهاتفها، وأُخبرت أيضاً أن المجموعة تعرف كل شيء عنها وعن أسرتها جميعهم، وخُتمت الرسالة بأمنية "عيد حب دموي لك".
هاكرز روس وليسوا عرباً
وبعد تعرض عددٍ من زوجات الضباط لسيناريوهات مشابهة، لما رأته أنجيلا، تمت الاستعانة بشركة متخصصة في الأمن الإلكتروني، تدعى SecureWorks، التي كشفت أن الهجمات مصدرها ليس من الشرق الأوسط، وإنما من موسكو.
استمرَّت التحقيقات، التي شاركت فيها عدة جهات، من بينها شركة أمن معلوماتي تدعي FireEye، والتي أكد رئيسها أن الاختراقات تمت من قِبل مجموعة Fancy Bear، وهي المجموعة التي اخترقت حساب البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون، خلال الانتخابات الأميركية.
لكن قبل أن يتم الكشف عن حقيقة المجموعة الروسية، شهد الأمر تطوراً فريداً من نوعه، حيث قُتل حسين جنيد -الذي دارت حوله كثير من الشكوك بعد إعلان قصة جيش الخلافة- بطائرة درونز، فكان ما حدث بعدها أن استغلت المجموعة الروسية الحادث فاخترقت 54 ألف حساب على تويتر، ونشرت بياناتهم وكلمات السر الخاصة بالحسابات، ما بدا وقته أنه رد من تنظيم الدولة.
وقد كان من بين البيانات المنشورة، أرقام هواتف مدير وكالة سي آي إيه، ورئيس إف بي آي، ورئيس وكالة الأمن القومي.
وقد جاء في تقرير وكالة أسوشيتيد برس أن التخفي وراء شعار تنظيم الدولة، هو نهج قديم ومتبع من قِبل كثير من مجموعات الهاكرز، وهو انتحال شخصيات أو أسماء كيانات زائفة، للحصول على حرية التحرك.
وبعد أن تم اكتشاف الأمر، ظهرت حالة من الغضب والاستياء من التغطية الإعلامية في الولايات المتحدة للأمر، والتي أظهرت بحسب ما أُعلن، مدى التفرق والضعف الذي يمكن أن يشوب الوضع في الولايات المتحدة إزاء مجموعة هجمات إلكترونية.
كانت تلك الحادثة، علامةً فارقة في سجل المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة، حيث أظهرت مدى التفكك الذي تعانيه الولايات المتحدة، تحت ولاية ترامب، لاسيما أن الأمر هذه المرة، لم يكن من قِبل الدولة الروسية، ولكن من قِبل مجموعة من الهاكرز، الذين بدا في النهاية أنهم يستطيعون التلاعب بأقوى دولة في العالم.