إذا كان الناخبون العراقيون يأملون في أن تكون الانتخابات البرلمانية ليوم 12 مايو/أيار فرصة للمصالحة الوطنية والقطع مع الطائفية التي تسببت في حرب دمرت البلد، فإن أعين العالم وخاصة القوى الإقليمية تترقب ما ستسفر عنه أول انتخابات عراقية ما بعد القضاء على تنظيم الدولة.
ويرى ديفيد هيرست مدير تحرير موقع Middle East Eye البريطاني، أنَّ الانتخابات العراقية ستكون ساحة معركة لعددٍ من القوى الإقليمية المتنافسة، تشارك السعودية وإيران وتركيا بقوةٍ في تقرير نتيجتها.
وخلال ذلك التنافس انقسمت السياسة في العراق، في سباقٍ مجنون لشراء النفوذ. وأصبحت العراق هي الساحة الأخيرة للمعركة الكبرى للفوز بالنفوذ الإقليمي. ويقسم هيرست أوجه الصراع بين القوى الكبرى التي تسعى لكسب المزيد من النفوذ في العراق إلى ما يلي:
أميركا وإيران في نفس الجهة
في عام 2010، وجدت إيران والولايات المتحدة نفسيهما على نفس الجانب. ففي هذا العام، حازت قائمة تحالف "العراقية" ذات الأغلبية السنية بقيادة السياسي إياد علاوي النسبة الأكبر من التصويت (24.7%) والنسبة الأكبر من مقاعد البرلمان (91 مقعداً من 325 مقعداً)، متفوقةً بفارقٍ بسيط على ائتلاف دولة القانون ذي الأغلبية الشيعية بقيادة رئيس الوزراء حينها نوري المالكي (حاز الائتلاف نسبة 24.2% من الأصوات و89 مقعداً في البرلمان).
لكنَّ المالكي، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء منذ عام 2006، تمكن من البقاء في منصبه جزئياً بسبب دعم واشنطن وطهران. وانتُخِبَ المالكي مرةً ثانية عام 2014، لكنَّه اضطر للاستقالة في أغسطس/آب ذلك العام خلال أشهر من انتخابه، بعد أن استولى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، ومناطق كبيرة أخرى في الشمال.
وتولَّى المنصب بدلاً منه حيدر العبادي، منافسه الرئيسي داخل حزب الدعوة الذي يتولى السلطة منذ عام 2005.
وقال سياسي عراقي ينتمي لإحدى التكتلات السنية العراقية عن هذه التجربة الفاشلة لتشارك السلطة: "عندما أصبح تحالف العراقية الحزب الأكبر عام 2010، كان ينبغي له أن يعين رئيس وزراء. لكنَّ أوباما دفع دولاً عربية للضغط على علاوي للتخلي عن السلطة للمالكي، الذي كان ينتمي لإيران".
وأضاف: "فوجئنا باتجاه الولايات المتحدة إلى إيران. أخبرتنا الولايات المتحدة: "نحن مهتمون أكثر بوجود دولة ديمقراطية مستقرة يسيطر عليها الشيعة، يرى من خلالها الإيرانيون أنَّهم من الممكن أن يصبح لديهم نظام أفضل يسيطر عليه الشيعة".
وبناءً على وجهة النظر هذه، انقلبت واشنطن على السُنَّة إلى حدٍ كبير، لأنَّ الأميركيين كانوا ما زالوا يتذكرون كيف واجهت القوات الأميركية في العراق أشرس مقاومة في المناطق ذات الأغلبية السنية خلال الاحتلال.
التنافس السعودي الإيراني
تحاول إيران التواصل مع قوائم الأحزاب السنية والشيعية في سعيها لتعزيز نفوذها في المناطق التي تمكنت قوات الحشد الشعبي فيها من ترسيخ وجودها بانهيار داعش، وتراجع نفوذ حكومة إقليم كردستان منذ استفتاء الاستقلال العام الماضي.
وحسب مدير موقع Middle East Eye فإن إيران بدأت في الدخول إلى مناطق السنة. حتى أنَّها دخلت مناطق كان يوجد بها تنظيم داعش ولم يكن لإيران نفوذٌ بها، مثل محافظة الأنبار.
وبدأ الحشد الشعبي كذلك في زيادة نفوذه في مناطق كردية لم يكن موجوداً بها من قبل، مثل أربيل". وأضاف: "بدأ السُنَّة في دعم الموقف الإيراني، لهذا بدأ الإيرانيون في الضغط على القادة السنة عبر الحشد الشعبي. ولهذا تداعياته".
هذا التنافس بين السعودية وإيران أدى بالفعل إلى انقساماتٍ داخل حزبين يهيمن عليهما الشيعة، حزب الدعوة الحاكم، والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي.
وانقسم حزب الدعوة إلى ائتلاف النصر بقيادة العبادي، الذي يبدو أنَّه يميل حاليّاً أكثر إلى السعودية، بينما يرأس المالكي قائد الحزب ائتلاف دولة القانون، ويُعد بصورةٍ عامة مؤيداً لإيران.
وهناك ائتلافٌ ثالث، وهو الفتح، يمثل قوات الحشد الشعبي، ويرأسه هادي العميري قائد ميليشيات بدر، الذي يُعد موالياً مخلصاً لإيران. بينما هناك ائتلاف رابع وهو سائرون، يترأسه الزعيم الديني النافذ مقتدى الصدر، الذي كان يعد في الماضي أحد رموز المقاومة الشيعية للاحتلال الأميركي، ويميل الآن تجاه المملكة العربية السعودية.
وفي العام الماضي، أجرى الصدر زيارةً نادرة إلى المملكة العربية السعودية، حيثُ صُوِّرَ وهو مجتمعٌ مع ولي العهد محمد بن سلمان. وفي مقابلةٍ في وقتٍ سابق، قال لموقع Middle East eye البريطاني إنَّ الميليشيات الشيعية ليس لها مكانٌ في العراق.
وقال متحدث سابق في البرلمان العراقي للموقع إنَّ الصدر كان "الشيعي الأقرب للسنة"، والزعيم الشيعي "المنفتح أكثر على الحوار".
وهناك قائمة خامسة يتصدرها الشيعة كذلك، وهي الحكمة، نتجت عن الانقسامات داخل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، ويتصدرها عمار الحكيم.
أمَّا قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الذي أصبح تقريباً القنصل الإيراني الفعلي في العراق، يحاول بلا جدوى منذ فبراير/شباط توحيد زعماء الشيعة، وذلك عن طريق دفع العبادي والعميري والحكيم لتشكيل قائمةٍ واحدة. وأمضى مبعوث سليماني الخاص نحو 12 ساعة وهو يحاول إقناع الرجال الثلاثة بوضع خلافاتهم جانباً.
ونسب ديفيد هيرست لمحلل عراقي قوله: "هذه كانت محاولة لإضفاء الشرعية على الحشد الشعبي. لكن بعد ساعاتٍ من الإعلان، ضغط السعوديون على العبادي للانسحاب، وفعل ذلك بالفعل".
انقسام الولاءات
تنقسم القوائم التي يهيمن عليها السُنّة في ولاءاتها لقوى إقليمية متنافسة. فيقود قائمة "القرار" خميس الخنجر وأسامة النجيفي، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس جمهورية العراق. وتضم القائمة 10 أحزاب أصغر في التحالف، ويُنظَر إليها باعتبارها أقرب إلى تركيا وقطر، المحاصرة من جانب السعودية.
وتضم القائمة الثانية المعروفة باسم ائتلاف "الوطنية" حزباً إسلامياً مرتبطاً بالإخوان المسلمين العراقيين، ويُعَد أكبر حزب سُنّي في البلاد، إلى جانب رئيس الوزراء السابق إياد علاوي.
ويُعتَبَر الحزبان العلمانيان والأحزاب الإسلامية داخل القائمة أقرب إلى إيران، في حين يُنظَر إلى علاوي باعتباره ميَّالاً باتجاه الإمارات. ويُنظَر إلى قائمةٍ ثالثة، وهي قائمة "الحل" التي يترأسها جمال الكربولي، باعتبارها أقرب إلى السعودية.
وبالانتقال شمالاً، تبدو الصورة هي نفسها. فإحدى القوائم التي تُدعى "كردستاني" تتشكَّل من الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، والأول موال لإيران في حين الأخير مُقرَّبٌ من تركيا.
وتتكون القائمة الثانية من إسلامويين كرديين اتحدوا مع مجموعة من معسكر طالباني تُسمَّى حركة تغيير "غوران". ويقود الثالثة برهم صالح، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس وزراء العراق.
وربما تجد تركيا نفسها عاملاً حاسماً في ما يتعلق بميل العراق إلى الشرق ناحية إيران أو إلى جنوب الغرب ناحية السعودية والإمارات. والحجة المضادة لهذه الحسابات هي أنَّ العراقيين أياً كانت طائفتهم لا يمكن أن يُعاملوا كوكلاء إقليميين.
ولمصلحة ما تبقى من هذه الدولة المنقسمة، لا يجب للعراقيين أن يسمحوا بذلك. لكن كي يحدث هذا، يجب على زعماء الأحزاب ألَّا يتصرفوا كوكلاء إقليميين كذلك. ولن يتضح إلا بعد الانتخابات إلى أي مدى سيتصرف هؤلاء كممتلكات لهذه القوى الإقليمية.