أثارت الانتخابات التي جرت يوم الأحد 6 مايو/أيار، للمرّة الأولى منذ 9 سنوات الكثيرَ من التساؤلات والتحليلات، على الصعيد الداخلي والإقليمي، وحتّى الدولي، خصوصاً مع الاهتمام الكبير الذي نالته في ظلِّ صراع إقليمي واسع بين معسكري السعودية وإيران.
الأسباب التي أدت إلى كلِّ هذا الاهتمام بالانتخابات اللبنانية، تبدأ من أنَّ لبنان، هذا البلد الصغير، يتمتَّع بمكانة جغرافية مميزة، فهو قريب من الحرب الدائرة في سوريا، التي تتسبَّبت بنزوح أكثر من مليون سوري إليه. إضافةً إلى حدوده الجنوبية الهادئة منذ 2006، لكن تبقى المخاوف من اشتعالها موجودة.
نتائج بارزة لحزب الله
ومن أبرز نتائج الانتخابات التي تخلَّلتها بعض الإشكالات، كان تحقيق "حزب الله" وحلفائه، وفي مقدّمتهم "حركة أمل"، لكتلة نيابيّة وازنة. أمَّا الخاسر الأكبر فكان رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، الذي تقلَّصت كتلته من 33 إلى 21 مقعداً.
كما كان لافتاً أنَّ مرشّح الثنائي الشيعي عن دائرة بيروت الثانية، الحاج أمين شري نال عدداً من الأصوات، أكثر من الرئيس الحريري، ما يعدُّ ضربةً قويّةً له، فقد أتت النتائج على الشكل التالي: الحاج أمين شرّي: 22.961 صوتاً، وسعد الحريري: 20.751 صوتاً.
ولا يمكن أن تمرّ هذه النتيجة مرورَ الكرام في بلد ينقسم إلى مخيَّمين، الأول يتبع للمملكة العربية السعوديّة، والثاني لإيران، التي بدأت تتمكّن من تحقيق حلمها الاستراتيجي، ببناء جسرٍ بري يمتدّ من طهران إلى بغداد، وصولاً إلى سوريا، ثمّ بيروت، وهو ما يُعرف بـ"الهلال الشيعي".
ولا يخفى على أحد أنَّ إيران حققت مكاسب في اليمن وسوريا والعراق، وها هي الآن تحتفل بفوز الجماعة التي تدعمها في لبنان بالانتخابات اللبنانية، حيث أشاد بنتائجها مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، وسمَّاها "انتصار "حزب الله" وحلفائه في الانتخابات التي حققت نتائج خلافاً لمزاعم الصهاينة ومؤامرات السعودية".
واعتبر أنَّ "هذا الانتصار وتصويت الشعب اللبناني للائحة المقاومة هو ناتج عن تأثير السياسات اللبنانية الراهنة، في الحفاظ على استقلال ودعم سوريا أمام الإرهابيين".
الصحف العالميّة منشغلة بالتأثير الإقليمي للانتخابات
وكانت كشفت وسائل إعلام لبنانية عن زيارة قام بها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى بيروت، قبل أقلِّ من شهر على إجراء الانتخابات. كما كانت الدوائر الدوليّة تُراقب نتيجة الانتخابات، لا سيما في بعلبك الهرمل، حيثُ معقل "حزب الله"، كما أشارت صحيفة "لو موند" الفرنسيّة.
ولأنّ الانتخابات في لبنان تؤثّر إقليمياً، لا سيما مع فوز "حزب الله" الذي أرسل مقاتليه إلى سوريا، وشارك باستشارات عسكرية في اليمن والعراق، ففورَ صدور النتائج، سارع وزير التعليم العالي في إسرائيل نفتالي بينيت إلى التذكير بأن الدولة العبرية كانت مُحقة، عندما كانت تقول إنه لا فرق بين الدولة اللبنانية و"حزب الله"، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز".
من جانبها، هنّأت السفارة الأميركية في بيروت "الشعب اللبناني بإجراء الانتخابات"، وحضَّت "جميع الأطراف على احترام التزامات لبنان الدولية، بما في ذلك تلك الواردة في قراري مجلس الأمن 1559 و1701، إضافة إلى سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية".
والتقت الصحف العالميّة في آرائها عند التعليق على نتائج الانتخابات، حيثُ لفتت مجلّة "فورين بوليسي" إلى أنّ الولايات المتحدة أهملت لبنان، في أعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، فيما تفوَّقت إيران في الداخل، موضحةً أنَّ واشنطن تعلَّمت من أخطائها الماضية اليوم، ولكن يبقى أمامها طريق طويل لتعود وتتقدَّم عبر دعم "الدولة اللبنانية"، وفرض ضغوط على "حزب الله".
أمَّا "نيويورك تايمز" فاعتبرت أنَّ الضربة الأكبر بالانتخابات كانت للحريري، ورأت أنَّ النتيجة التي حقَّقها "حزب الله" في لبنان، هي في الواقع "جرس إنذار للولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، ولفتت الصحيفة إلى أنَّ السياسة في لبنان انقسمت بين مخيّمين، الأول تابع لإيران، والثاني بتوجيه سعودي وأميركي. واعتبرت الصحيفة أنَّ القوة التي أظهرها "حزب الله" وحلفاؤه يمكن أن تُعرِّض المكانة الإقليميّة والدوليّة للبنان للخطر، فيما يعتمد المسؤولون على الدعم الدولي للنهوض بالاقتصاد، ودعم الجيش، والتعامل مع وجود مليون نازح سوري.
كما تساءلت وكالة بلومبيرغ حول ما إذا كان فوز "حزب الله" سيعرّضه إلى عقوبات اقتصادية جديدة.
وبعنوان "لبنان يختار مجلسه النيابي الجديد، حزب الله زادَ نفوذاً وحصّة الحريري تضاءلت"، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركيّة مقالاً، رأت فيه أنَّ "حزب الله بدا الرابح الأول في الانتخابات، حيثُ أمَّن "الفيتو" في البرلمان الجديد، بعدما فاز مع حلفائه بأكثر من ثلث المقاعد، ما سيمكِّنهم من تشكيل قوة مسيطرة في السلطة التشريعيّة"، مضيفةً أنَّه في المقابل "فقد خسر "تيار المستقبل" الذي يرأسه الحريري 5 مقاعد على الأقلّ في بيروت، مع أنّه كان يتوقّع أن يحتفظ بمكانته".
وأشارت إلى أنّه "بعد 7 سنوات من الحرب الدائرة في سوريا، استطاع الرئيس السوري بشار الأسد أن يضمن الفوز بدعمٍ من إيران وروسيا، فيما أوقفت الدول المعارضة له المطالبة بتغيير النظام، وبات حزب الله لاعباً سياسياً أساسياً في لبنان".
زاسبكين لـ"عربي بوست": هذا ما يهمّنا في لبنان
وتعليقاً على نتائج الانتخابات، رأى السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبكين في حديثٍ لـ"عربي بوست"، أنّ "نتائج الانتخابات شأن داخلي بحت، وما يهمّ الأطراف الخارجية هو أن يكون في لبنان تمثيل صحيح للأطراف والأحزاب، وألا تحدث أي إشكالات".
وأضاف: "اجتمعنا بمجموعة دعم لبنان الدوليّة، ونحن نؤيّد الأمن والاستقرار، والانتخابات عاملُ مساعد". ولفت إلى أنَّ "أجندة لبنان الداخلية معروفة ويوجد شبه اتفاق بين الجميع حول الحوار الوطني ولا دخل للخارج بذلك".
ورداً على سؤال حول إذا ما كانت مكاسب "حزب الله" في سوريا ومشاركته إلى جانب روسيا وإيران في الحرب بسوريا، تنعكس على نتائج الانتخابات، قال زاسبكين: "علاقة لبنان بمحيطه الإقليمي شأن داخلي أيضاً، ولا أرى أي موضوع خارج هذه الاعتبارات، كما أنَّ موقف روسيا معروف ومُعلن حول ما يحدث في سوريا، ونحن نتعامل مع السلطات السورية والحلفاء".
سامي نادر: نفوذ "حزب الله ازداد
الدكتور سامي نادر، الخبير والمحلل لشؤون الشرق الأوسط، رأى أنَّ نفوذ "حزب الله ازداد مع تنامي وجوده داخل مؤسسات الدولة، فقد أصبح أكبر درع مؤسساتي بحوزته، فبعدما كان موجوداً في عمق المجتمع وعمق الاقتصاد، وهو الأمر الذي أظهرته العقوبات الأميركية المفروضة عليه، أصبح داخل الدولة، وهو قادر من خلال تحالفه مع "حركة أمل" أن يشكِّل كتلةً نيابيّةً وازنةً، وتعطيل أي قرار من دون أن يحتاج إلى التحالف مع فرقاء آخرين".
وأضاف في حديثٍ لـ"عربي بوست": "يستفيد "حزب الله" من تفتّت الكتل القويّة التي كانت تواجهه، مثل كتلة المستقبل التي تراجع عدد مقاعدها من 33 نائباً إلى 21 فقط، كما أنَّ تشكيل تكتّل أمامه أصبح أمراً ضعيفاً".
وتابع: "إذاً ازداد وجود "حزب الله"، وإمساكه بورقة المؤسسات يؤمّن له غطاءً"، واعتبر نادر أنَّ التسوية الأخيرة التي أتت بالحريري رئيساً لمجلس الوزراء تضمّنت قانون الانتخاب هذا، الذي تُرجمَ بالمزيد من المقاعد النيابية لحزب الله.
وأوضح أنَّ توازناً كان موجوداً في السابق، لا سيما بعد انتخابات 2005 و2009، حيثُ كان "حزب الله" يمتلك أغلبية السلاح بمقابل فريق 14 آذار، الذي كان لديه كتلة وازنة وعدد كبير من النواب والوزراء، إلا أنَّ "حزب الله" قلب الموازين ونال الثلث المعطَّل في مجلسي الوزراء والنواب، ولم تعد المعادلة السابقة موجودة.
وفي الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن ضربة إسرائيلية- أميركية محتملة في سوريا، وعن انتظار إيران انتهاء العمليّة الانتخابية في لبنان، للردّ على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قاعدة T4 الجويّة في سوريا، والتي قُتل نتيجتها 7 عناصر من الحرس الثوري المختصين بتسيير الطائرات بدون طيّار، قال نادر إنّه لا يجزم إمكانية حصول ضربة جديدة من عدمها، إلا أنّه لا يستبعد ذلك، فحظوظها تزيد "لأننا نشهد تصعيداً على كافة المستويات، مثل انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي، فهو قرار يأتي داخل سياق معيّن وليس منفرداً".
وأضاف: "لا أرى مؤشراً نحو تخفيف التصعيد، بل على العكس، كما أنّ احتمال اندلاع الحرب قائم ومرتفع بأي لحظة"، وعلى الرغم من ذلك لا يرى نادر برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنّه "رجل يضع يده على الزناد بشكل سهل".