قدم البرلمان مشروع قانون يوم الأربعاء، 9 مايو/أيار، يحدد فترة المفاوضات التي يقوم بها حسن روحاني مع أوروبا وروسيا والصين بشهر واحد. وإذا لم تُلب مطالب طهران، فسوف تتوسع إيران في برنامجها النووي، حسب ما جاء في مشروع القانون. بينما لم تتضح بعدُ الضمانات التي تبحث عنها إيران لدى الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق.
وحسب صحيفة The Washington Post الأميركية، فإن قرار الرئيس ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي، زاد من حدة الجدل بين الإيرانيين حول العلاقات مع الغرب، ما أثار مؤيدي الاتفاق التاريخي والجهود الدبلوماسية بشكل عام ضد المحافظين المخلصين الذين يدعمون اتخاذ رد قوي على تلك الخطوة.
واندلعت المواجهات بين الفريقين في البرلمان، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وفي وسائل الإعلام، منذ إعلان ترمب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق يوم الثلاثاء 8 مايو/أيار.
وأشادت الصحف الإصلاحية الموالية للرئيس حسن روحاني بالاستجابة الدبلوماسية للرئيس الإيراني في تعامله مع الأزمة. فقد قال إن إيران التزمت بالاتفاق، وأنه سوف يرسل وزير خارجيته للتباحث بالأمر مع الصين، وروسيا، والدول الأوروبية، والذين هم أيضاً أطراف في الاتفاق. وقال إن إيران قد تبدأ قريباً في تخصيب اليورانيوم، بما يتخطّى المستويات المحددة في الاتفاق.
ونشرت صحيفة "اعتماد" المؤيدة للتيار الإصلاحي عنواناً رئيسياً يقول "الاتفاق النووي بدون مثيري المشكلات". بينما رحبت الصحف الإصلاحية والمعتدلة الأخرى بما قالوا إنه "الخيار المنطقي" لإبقاء إيران ضمن الاتفاق.
بينما استغل المحافظون الإيرانيون الفرصة للمطالبة بالانسحاب الكامل من الاتفاق الذي عارضوه منذ البداية. إذ طالبت الوكالات الإخبارية الموالية للجناح المتشدد في إيران -بما في ذلك السلطة القضائية وقوات الحرس الثوري الإيراني- بإلغاء الاتفاق، وتوحيد إيران لمقاومة الولايات المتحدة.
تخصيب اليورانيوم فوراً
وفي مشهد دراماتيكي في ساحة البرلمان، أشعل عددٌ من أعضاء البرلمان النار في نص الاتفاق والعلم الأميركي، مردّدين "الموت لأميركا"، على مرأى ومسمع من رئيس المجلس.
وقال سيد ناصر موسوي لاريجاني، العضو البرلماني المتشدد، والعضو السابق في الحرس الثوري الإيراني، إن لم تبدأ إيران على الفور في تخصيب اليورانيوم من جديد "فهي خيانة لأمتنا"، وذلك حسب وكالة فارس للأنباء.
وقال اللواء محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني، إنه يعتقد أن أوروبا التي تلتزم بالاتفاق، أضعف من أن تتمسك به دون الولايات المتحدة. وأضاف قائلاً "إن مصير الاتفاق واضح".
وقال رضا أكبري، الباحث في شؤون السياسة الإيرانية بمعهد الحرب والسلام في واشنطن، إن المواجهات الداخلية بين الفصائل السياسية الإيرانية ترسم "صورة للتحديات المحلية التي تواجهها إيران"، بعد أن أصبح الاتفاق النووي في مهب الريح.
وقال إن معارضي اتفاقية عام 2015 "يستمتعون باللحظة، ولسان حالهم يقول، لقد أخبرناكم بذلك". وأضاف "فقد قالوا منذ البداية إن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها أبداً. ويعتقدون أن هذه هي اللحظة المناسبة لإيران كي تنقذ ما تبقى من كرامتها، وتنسحب بشكل كامل من الاتفاقية".
ودافع روحاني -الذي انتُخب للمرة الأولى عام 2013 وأُعيد انتخابه لفترة رئاسة ثانية العام الماضي- عن المسار الدبلوماسي مع الغرب، وحقق ما اعتُبر آنذاك انتصاراً كبيراً، وذلك بإنهاء العقوبات، وعودة إيران إلى الساحة الدولية.
ومنذ ذلك الحين، لم تتحقق أيٌّ من المكاسب التي وعد بها بناءً على توقيع الاتفاق النووي. بل واجهت إيران انخفاضاً في معدلات النمو، وارتفاعاً في نسب البطالة، وانهياراً لعملتها. وقد اجتاحت مظاهرت واسعة الشوارع احتجاجاً على ارتفاع الأسعار، خلال شهري ديسمبر/كانون الأول، ويناير/كانون الثاني الماضيين.
الكلمة الأخيرة للمرشد الأعلى
ويقول بعض المحللين، إن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، يمنح روحاني بعضَ المرونة في الوقت الراهن، من أجل محاولة إنقاذ الاتفاق. إذ يملك المرشد الأعلى الكلمة الأخيرة في جميع القرارات الرئيسية المتعلقة بالسياسات الخارجية والدفاعية، بما في ذلك الاتصالات الإيرانية بالغرب، والبرامج النووية والصاروخية للبلاد.
وقال خامنئي، يوم الأربعاء 9 مايو/أيار، إن إيران لن "تلتزم بالاتفاق النووي"، دون "ضمانة قوية" من أوروبا. وأضاف أن إيران "لا تثق" في الأوروبيين الموقعين على الاتفاقية. وقال "لقد اتفقنا على الميثاق النووي. لكن العداء ضد إيران لم يتوقف".
وقال نادر هاشمي، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر "يبدو أن خامنئي قد منح روحاني مساحةً للحفاظ على الاتفاق النووي".
ولا تملك إيران سوى قليل من الخيارات خلافاً لالتزامها بالاتفاق أو تصعيد أنشطتها النووية، وهو ما قد تؤدي إلى قطع علاقاتها مع أوروبا.
وقالت شركة "أوراسيا جروب" للاستشارات المتعلقة بالمخاطر السياسية، ومقرها نيويورك، في مذكرة إحاطة موجزة يوم الأربعاء، 8 مايو/أيار "من المرجح أن تكثف إيران من عناصر برنامجها النووي خلال الأشهر القادمة، لكنها ستفعل ذلك بحرص شديد، وستتجنّب إثارة حفيظة أوروبا". وقالت المذكرة "من المرجح أن تُنشِّط" إيران جوانب معينة من برنامجها النووي، لكنها "ستنأى" بنفسها عن أي إجراءات مبالغ فيها قد تؤدي إلى ضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية.
ومع تزايد التوترات، تكتسب الأصوات المتشددة زخماً أكبر. وقال أكبري "إن المتشددين الإيرانيين هم سادة التهديد بالحرب، وقد وفّر لهم قرار ترمب بالانسحاب من الاتفاق أفضل فرصة لعرض مهاراتهم". وأضاف "يمكن للتطورات الأخيرة أن تحوّل ميزان القوى بسهولة".
وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاق وقع عام 2015 خلال ولاية الرئيس باراك أوباما، وقُيدت بمقتضاه أنشطةُ إيران النووية مقابل رفع حزمة واسعة من العقوبات عليها. وقال ترمب إن إدارته سوف تعيد فرض عقوبات بعيدة المدى على إيران مرة أخرى، ربما تتضمن مبيعات النفط والقطاع المصرفي في البلاد. بينما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المُخولة بمراقبة الأنشطة النووية في العالم، مراراً وتكراراً، على التزام إيران ببنود الاتفاق.