استضافت العاصمة الجزائرية، في الأول من شهر مايو/أيار الحالي، موفدين من الكوريتين الجنوبية والشمالية، في خطوة من أجل المساهمة في إذابة الجليد الذي سيطر على العلاقات بين البلدين الجارين.
وكشف موقع Middle East Eye البريطاني، أن السفير الكوري الجنوبي لدى الجزائر، بارك سانغ جين، دعا نظيره الكوري الشمالي، شوي هيوك شول، إلى منزله، في الأول من مايو/أيار الجاري، وأكد الموقع أنه لم تُعلَن أي معلومات حول اللقاء.
وحسب المصدر ذاته، فإن الجزائر سبق لها أن عرضت الوساطة من قبل، في سبتمبر/أيلول الماضي، عندما بلغ التوتر أوجّه بين الزعيم الكوريا لشمالي كيم جونغ أون والرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو ما أدّى إلى مخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية، بسبب برنامج بيونغ يانغ النووي، وبرنامجها المُتعلِّق بأسلحتها الباليستية.
الخطوات الدبلوماسية التي قامت بها الجزائر كشفت عن وجود علاقات قديمة بين بعض البلدان العربية وكوريا الشمالية، على الرغم من الحصار المفروض عليها، إلا أنها كانت محدودة.
كوريا الشمالية والعالم العربي
تعود العلاقات بين شبه الجزيرة الكورية والعالم العربي إلى إنشاء حركة عدم الانحياز عام 1961. وتُعَد القاهرة والجزائر العاصمة هما العاصمتان العربيتان الوحيدتان اللتان تستضيفان تمثيلاً دبلوماسياً لكلتا الكوريتين، ولو أنَّ اليمن أبقى على علاقاتٍ معهما قبل اندلاع الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات في عام 2015.
غير أن مواقع أخرى أكدت أن كوريا الشمالية تتمتع باعتراف جميع الدول العربية، باستثناء المملكة العربية السعودية، ودولة العراق التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع بيونغ يانغ، في أكتوبر/تشرين الأول عام 1980.
وفي 5 دول عربية، هناك سفارات لكوريا الشمالية، في الجزائر ومصر وسوريا والكويت وليبيا، بينما تمتلك 3 دول عربية سفارات في بيونغ يانغ، وهي مصر وفلسطين وسوريا.
وتعتبر الجزائر أولَ الدول العربية التي اعترفت بكوريا الشمالية في عام 1958، تبعتها مصر واليمن في 1963، بينما كانت آخرها دولة الإمارات في عام 2007.
وفي التسعينيات، حين كانت الجزائر خاضعةً لحظر أسلحة نتيجة الحرب الأهلية آنذاك، درَّبت بيونغ يانغ مئات الجنود على أساليب قتالية متقدمة، وقدَّمت أسلحة من أجل المعركة ضد المجموعات المسلحة.
وترفض الجزائر منذ وقتٍ طويل قطعَ علاقتها مع كوريا الشمالية، بالرغم من أنَّها طبَّقت العقوبات الاقتصادية بتعقُّلٍ، وأوقفت منح التأشيرات المهنية للعمال الكوريين الشماليين، الذين يحظون بتقديرٍ كبير في الأعمال النفطية والأعمال العامة.
ووفقاً لمصدر أمني جزائري تواصل معه موقع Middle East Eye، أُصدِرَت التعليمات لقوات الدرك والشرطة، للقيام بعمليات تحققٍ من الهويات في مواقع البناء، لضمان عدم وجود عمال كوريين شماليين يحملون هويات صينية مزيفة.
وتعد العلاقات بين القاهرة وبيونغ يانغ هي الأقوى بين كوريا الشمالية والدول العربية، إذ يصفها موقع الهيئة العامة للاستعلامات التابع لمجلس الوزراء المصري بأنها "تبلورت كنتاج طبيعي خلال حقبة تاريخية كانت تموج بها نداءات الشعوب الداعية للتحرر الوطني والكفاح ضد الاستعمار والنضال من أجل الحرية".
وظهرت ذروة التعاون العسكري بين البلدين، خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، عندما أرسلت كوريا الشمالية عدداً من طياريها للمشاركة في القتال مع الجبهة المصرية، الأمر الذي أدى إلى استمرار العلاقة الوثيقة بين البلدين.
العلاقات الاقتصادية بين العرب والكوريَّتين
يمنح التقارب بين الكوريتين الشمالية والجنوبية فرصةً للجزائر للاستفادة عن طريق جعل نفسها مركزاً للاستثمارات الكورية الجنوبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وستفتح أيضاً سوقاً للتصدير والاستثمار في كوريا الشمالية.
ويرى موقع Middle East Eye البريطاني، أنه بمجرد أن تُرفَع العقوبات، ستكون كوريا الشمالية قادرةً على استئناف صادرات أسلحتها التقليدية وربما تتشارك مع صناعة السلاح الكورية الجنوبية، التي أصبحت نشطة على نحوٍ متنامٍ في السنوات الأخيرة.
من جانبها، قضت كوريا الجنوبية عقدين من الزمن تحاول تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع العالم العربي. ومنذ أواخر السبعينات، زادت التجارة مع إنشاء عدد من التشايبولات (التشايبول هو تكتُّل اقتصادي عائلي كوري جنوبي) في المنطقة.
ولم تبدأ العلاقات بين الجزائر وسيول، إلا في يناير/كانون الثاني 1990، لكنَّ القرار أفاد الجزائر، التي كانت آنذاك غارقةً في أزمة سياسية واقتصادية. وكانت الشركات الكورية الجنوبية هي الأولى التي تستثمر في توزيع السيارات والإلكترونيات، وأول من أبرم عقوداً مع الشركات الجزائرية.
وتعكَّرت العلاقات التجارية الجديدة، في أكتوبر/تشرين الأول 1994، باغتيال المدير العام لمجموعة دايو للسيارات في الجزائر. لم تُحَل القضية قط، لكنَّها نُسِبَت إلى إحدى المجموعات المسلحة.