يثير افتتاح السفارة الأميركية في القدس المحتلة غضباً متزايداً في نفوس الفلسطينيين، خاصة أنه سيتم في نفس أسبوع الذكرى السنوية السبعين لنكبة 1948، الأمر الذي يقلق السلطات الإسرائيلية من احتمال تصاعد التوتر.
ومما يزيد من تعقيد الأمور أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال إنه قد يتوجه شخصياً إلى القدس لحضور مراسم افتتاح السفارة.
وبدأت الشرطة الإسرائيلية في تسيير دوريات وإجراء تمشيط أمني في القسم الجنوبي من مدينة القدس، في استعداد يشوبه القلق والترقب لافتتاح السفارة الأميركية، بينما تخيم مخاوف اندلاع أسبوع جديد من العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
هل تدفع إسرائيل الثمن كما توقع وزير خارجيتها؟
أسبوع متقلب، من المتوقع أن تشهده المنطقة في إثر هذه الخطوة الأميركية التي أثارت انتقادات دولية، التي من المقرر أن تُتخذ في الرابع عشر من مايو/أيار، إذ تحتفل إسرائيل بالذكرى السنوية السبعين لقيامها، بينما تمر على الفلسطينيين ذكرى النكبة، وتهجيرهم من أراضيهم في الخامس عشر من الشهر نفسه.
عادة ما تشهد ذكرى النكبة أعمال عنف عندما تتصدى القوات الإسرائيلية للمتظاهرين في الأراضي المحتلة. إلا أن هذا العام يشهد توترات أعلى بكثير من كل عام. فعلى مدار الأسابيع الستة الماضية، تظاهر الفلسطينيون على طول حدود قطاع غزة، بينما أطلق الجنود الإسرائيليون النار عليهم، فأسقطوا قرابة 40 قتيلاً، إلى جانب مئات الجرحى، ومن المتوقع أن تبلغ تلك التظاهرات أوجها هذا الأسبوع.
وهناك مخاوف من محاولات هؤلاء المتظاهرين اختراق الخط الفاصل، ما قد يؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة على يد القناصة الإسرائيليين الذين يعملون بموجب قواعد الاشتباك التي تسمح لهم بإطلاق الأعيرة الحية.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قد قال إن "افتتاح سفارة الولايات المتحدة في القدس سيكلف إسرائيل ثمناً باهظاً، لكن هذا الأمر يستحق ذلك".
وأضاف: لا توجد وجبات عشاء، آمل ألا يحدث ذلك، لكنني أعتقد أن علينا الاستعداد لدفع ثمن هذا القرار، خاصة أنه تاريخي وبالغ الأهمية ودراماتيكي".
وتوقع أن تحدث محاولات لتعطيل الاحتفالية، لكنه اعتبر أنه لا أسباب للافتراض أنها ستُكلل بالنجاح وستؤدي لسقوط ضحايا.
ما احتمالات قيام حرب جديدة بين إسرائيل وحماس؟
"الموقف بين الإسرائيليين والفلسطينيين حساس للغاية"، وفقاً لما قاله إيلان غولدنبيرغ، الذي كان أحد أعضاء الفريق الأميركي في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، التي جرت بين عامي 2013 و2014، خلال مقال رأي له مؤخراً بصحيفة هآرتس الإسرائيلية.
وقال إن خطوة نقل السفارة قد تمر دون أعمال عنف خطيرة، مشيراً إلى احتمال خطأ توقعات عدم الاستقرار المزعومة، في أعقاب إعلان دونالد ترمب نقل السفارة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأضاف: "ربما ينفجر الوضع -ونرى أنفسنا في خضم حرب جديدة بين إسرائيل وحماس في غزة. لا أحد يعرف، ولكن سكب البنزين على النار المحتملة يُعد تصرفاً غير مسؤول من الولايات المتحدة"، حسب قوله.
هل يرسل ترمب ممثلاً له أم يأتي بنفسه؟
وقال ميكي روزنفيلد، الناطق باسم الشرطة الإسرائيلية، إن الضباط يقيّمون مستوى الأمن المطلوب لفتح السفارة، بما في ذلك نشر كاميرات المراقبة وقوات الحراسة في حي أرنونا بمدينة القدس، حيث يُعاد تجهيز القنصلية الأميركية هناك لتصبح مقر السفارة.
وقال روزنفيلد "نحن في انتظار معرفة ما إن كان الرئيس الأميركي سوف يحضر مراسم الافتتاح أم لا. وسوف يُرفع مستوى التأمين بناءً على ذلك". وكان ترمب قد لمح من قبل إلى احتمال حضوره الافتتاح، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية توقعت إرساله ابنته إيفانكا ترمب، وصهره جاريد كوشنر.
وأكد روزنفيلد أن الشرطة الإسرائيلية لم تتلق أي إخطارات بتحذيرات معينة، لكن قوات الأمن "تأخذ بعين الاعتبار الفترة التي نواكبها، وغيرها من الأحداث، بما في ذلك احتفالات القدس، وذكرى النكبة. هناك تداعيات في محيط قطاع غزة، وبطبيعة الحال مع نقل السفارة الأميركية أيضاً. نحن نتحدث عن أسبوع مليء بالأحداث".
لطالما كان وضع مدينة القدس عقبة كؤوداً في طريق مفاوضات السلام، إذ كان منطلق الإجماع الدولي يرتكز على أن السيادة على المدينة ينبغي أن يكون بالاتفاق بين الطرفين.
ويقول الفلسطينيون إن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية، إلا أن إسرائيل التي احتلتها عام 1967. أعلنت ضم المدينة في وقت لاحق وادعت أن المنطقة بأكملها عاصمة إسرائيل "الأبدية والموحدة".
مسيرة لليهود عبر مناطق المسلمين
وخلال عطلة نهاية الأسبوع السابق لافتتاح السفارة، من المتوقع أن يقوم آلاف الإسرائيليين بالمشاركة فيما يُسمى بـ"مسيرة يوم القدس"، والذي يعتبرونه إعادة لتوحيد المدينة.
عادةً ما تتألف هذه المسيرة من المستوطنين المتشددين دينياً. وتمر هذه المسيرة عبر منطقة المسلمين بالمدينة القديمة، وكانت تلك الجماعات الدينية تردد إهانات معادية للعرب خلال السنوات السابقة.
جنوباً، ساندت حركة حماس المظاهرات في قطاع غزة الذي تحكمه، وخاضت ثلاثة حروب مع إسرائيل. وبما أن ثلثي سكان قطاع غزة البالغين مليوني نسمة من اللاجئين أو أبنائهم، يطالب هؤلاء المتظاهرون "بحق العودة" لديار أجدادهم.
وقال مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في قطاع غزة "سوف تبلغ هذه المسيرات ذروتها في الرابع عشر من مايو/أيار".
لماذا تصر على تذكيرنا بآلامنا؟
يقول أبو سعده إن فتح السفارة في أسبوع يتذكر فيه الفلسطينيون مأساتهم القديمة، أمر مسيء للغاية. ويضيف "يبدو الأمر وكأن الولايات المتحدة تصر على تذكير الفلسطينيين بالأسى البالغ لهذا اليوم في تاريخهم ونضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي".
وتحرك حشد من الفلسطينيين منذ أسبوع نحو الحدود محاولين إزالة الأسلاك الشائكة، وإشعال النار في السياج الأمني الفاصل باستخدام الإطارات المشتعلة. وفي غضون ذلك، اتهمت إسرائيل -التي رفضت مطالبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بإجراء تحقيقات في استخدام الذخيرة الحية- حماس باستغلال المدنيين لاقتحام أراضيها.
وقال أبو سعدة "عندما يكون لديك عشرات آلاف البشر على الحدود، لا يمكنك السيطرة عليهم". وأضاف "من البديهي أن أتوقع أن يحاول بعض المتظاهرين اختراق السياج، وقد يحاولون التسلل إلى إسرائيل".
تصعيد مع إيران قد يحول الوضع إلى طوفان من الأحداث الكبرى
يأتي نقل السفارة الأميركية إلى القدس، بعد الموعد النهائي المقرر في الثاني عشر من مايو/أيار، والذي سيقرر فيه ترمب ما إن كان سينسحب من اتفاق إيران النووي المُبرم عام 2015، ويعيد فرض عقوبات على طهران.
ومن المتوقع أن يزيد الانسحاب من الاتفاقية الضغط على القيادة الإيرانية، في الوقت الذي حذرت فيه إسرائيل من حرب مفتوحة ومواجهة مباشرة تستهدف المواقع العسكرية الإيرانية في الأراضي السورية المجاورة.
وقال غولدنبيرغ، هذا "الطوفان من الأحداث الكبرى" قد يكون ساحقاً، "ثمة مزيج مدمر من عدم الاستقرار السياسي، والمزيد من العنف المحتمل يجري إعداده في الشرق الأوسط".