قيل إنها نقطة تحوُّلٍ في دولةٍ حاصرتها عقودٌ من الحرب والأزمات، ويشكو مواطنوها من فساد السياسيين الذين يُتهمون حتى بقطع الكهرباء ليتربّحوا من تواطئهم مع مافيا المولدات الخاصة.
ولكن مع ذهاب المواطنين اللبنانيين، اليوم الأحد 6 مايو/أيار 2018، للجان الاقتراع، بعد تسعة أعوام من آخر انتخابات شهدتها البلاد، فإنه من المتوقع أن يُدلوا بأصواتهم لنفس السياسيين.
ورغم ترويج القادة في لبنان لبدايةٍ جديدةٍ في بلد أفسدته الديون والخلل الوظيفي، فإن المُصوِّتين تساورهم مخاوف من حدوث المزيد من ذات المعاناة، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ومع ذلك، كلما اقترب يوم التصويت زادت معه احتماليةٌ تفيد بأن النتيجة سوف تؤكِّد مجدداً على الوضع الراهن لشبكة المحسوبية النافذة، المُدارة عن طريق النخبة ذات قنوات التأثير الراسخة.
عواقب كارثية إذا استمروا في إدارة البلاد
يخلق هذا مشكلةً لمعارضي حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري، إذ قال جلبير ضومط، أحد المُرشَّحين عن دائرة بيروت الأولى ضمن لائحة جديدة تسمى "كلنا وطني"، إن "البلاد تواجه تحدياتٍ سياسية، واقتصادية، واجتماعية سوف تُتَرجَم إلى عواقب كارثية إذا استمرت نفس النخبة في إدارة البلاد، بنفس العقلية التي فعلت بها ذلك في الثلاثين عاماً الماضية".
وكان من المُفتَرَض لقانونٍ انتخابيٍ مُعقَّدٍ، صِيغ من أجل التصويت، أن يُفسح مجالاً أكبر للتعدُّدية والمُرشَّحين على أساس الجدارة، كي يبرزوا في مشهدٍ سياسي تجذَّر حول قادة الحرب الأهلية المنتهية والقادة الطائفيين.
إلا أن النخب السياسية الراسخة -وليس الوافدين الجدد- هي ما تبدو متأهبة للاستفادة من العتبة المرتفعة المطلوبة من أجل الفوز بمقعدٍ في مجلس النواب.
لماذا تتراجع فرص المجتمع المدني بعد صعوده المفاجئ بالانتخابات البلدية؟
وحقق المجتمع المدني نتائج مفاجئة في انتخابات البلديات الأخيرة عام 2016، وتحديداً في العاصمة بيروت، ولكن يبدو الأمر مختلفاً في الانتخابات البرلمانية الحالية.
فقبل الانتخابات بنحو أسبوعين، استقالت رئيسة "اتحاد المقعدين اللبنانيين" سيلفانا اللقيس من هيئة الإشراف على الانتخابات، وهي الممثلة الوحيدة للمجتمع المدني في الهيئة.
وأعلنت اللقيس في مؤتمر صحفي رفضها أن تكون "شاهد زور على عجز الهيئة عن أداء مهماتها"، حسب تعبيرها، وتحدثت عمّا قالت إنه "عدم توفير الموارد الضرورية لتمكين الهيئة من القيام بمهماتها، والمس المباشر باستقلالية الهيئة وصلاحياتها بداعي التنسيق مع وزارة الداخلية، وتقليص صلاحيات الهيئة عملاً بقراءة ضيقة وملتوية للنص القانوني، على نحو يخرجها عن الغاية التي وجدت لأجلها، ويحولها في أحيان كثيرة إلى أداة لتعميق التمييز بين المرشحين"، حسب قولها.
النتيجة المتوقعة للانتخابات يمكن أن تواصل تهميش المُرشَّحين الذين يبرزون من فوق منصات المجتمع المدني؛ حسب تقرير صحيفة The Guardian.
ويقول مُحلِّلون إن الطبقة العاملة من سكان لبنان لا يزالون متمسكين بالهياكل التقليدية.
رغم تحديهم له في الانتخابات، منافسو حزب الله يعترفون بهيمنته
ويعني ذلك مواجهةً حاسمةً بطريقةٍ ما بين كتلتين متنافستين ظهرتا بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، في فبراير/شباط 2005. فقد هيمنت الحركة المُسماة بـ"تحالف 8 آذار" -وهي حركةٌ مؤيدةٌ لسوريا وحزب الله– والأخرى التي تسمى بـ"تحالف 14 آذار" -نظيرتها التي تدعم الغرب- على المشهد السياسي اللبناني منذ ذلك الحين.
صعد تحالف 14 آذار لفترةٍ وجيزة حتى عام 2008، على الرغم من مقتل أكثر من عشرة موالين لهذا التحالف، بما في ذلك نواب برلمانيون وصحفيون ومسؤولون أمنيون. ومنذ ذلك الحين، هيمنت جماعة حزب الله على الشؤون اللبنانية.
إذ إن إحجام المنافسين السياسيين عن تحدي الجماعة في أي محفل فيما عدا الانتخابات الوطنية، يُشكِّل اعترافاً بقوتها، حسب الصحيفة البريطانية.
الموظف والناشر والطبيب، إنه ينافس الدولة في كل شيء
كثيرون في لبنان يعتبرون أن صالونات قصور القادة هي البوابة إلى الدولة، ولكن في حالة حزب الله، حسبما يقول مُهنَّد الحاج علي، مدير الاتصالات والإعلام في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت "تتخذ هذه العملية هيئة شبكة من المؤسسات، والمستشفيات، والمدارس، ومعاهد التعليم العالي، والمعاهد الدينية، والخدمات الاجتماعية، والنشر".
وأضاف: "الحزبُ أكبرُ ناشرٍ في البلاد، وثاني أكبر مُشغِّل بعد الدولة. لذا عندما نتحدَّث عن تحدٍّ يُشكِّله المستقلون والمجتمع المدني للدولة في هذه الانتخابات، فعلينا أن نأخذ في اعتبارنا أن المنافسة العادلة غير موجودة.
كيف ينتخب المواطنون نفس النخبة السياسية رغم كل هذه المشكلات؟
"سلطة النخبة السياسية اللبنانية، التي تتألَّف من قادة حرب سابقين وقادة طائفيين، تعتمد على شبكاتٍ من قوائم العملاء"، حسب الحاج علي.
وفي الأساس، يتولَّى القادة الطائفيون وظائف الدولة، وغالباً يكون من خلال مؤسساتها، ويوفرون وظائف وخدماتٍ حكومية لدوائرهم الانتخابية".
والحدود القصوى للإنفاق لا تنطبق على اللاعبين الكبار، الذين يعتمدون إما على الموارد الحكومية أو التمويل الإقليمي للإبقاء على شبكاتهم الكبيرة والمُؤثِّرة"، حسب قوله.
كيف عززت تحالفات الخصوم من سيطرة القوى التقليدية؟
بعد خمسة أعوام من العزلة التي فرضها على نفسه، عاد سعد الحريري، الرمز الكبير لتحالف 14 آذار، في نهاية 2016 ليُشكِّل حكومةً. أدى ذلك إلى انتخاب رئيسٍ للبلاد، وهو أيقونة تحالف 8 آذار ميشال عون، الذي دخل في شراكةٍ مع حزب الله وحاز تأييد الجماعة. ومنذ ذلك الحين، بدت البلاد وكأنها تدور في فلك تحالف 8 آذار، وهي حليف غير رسمي لإيران يحظى بعلاقات تَدْفَأ ببطء مع سوريا، بالرغم من وجود سياسة تحييد رسمية للبلاد.
في أواخر 2017، دعا القادة السعوديون، الذين كانوا رعاة الحريري حتى ذلك الحين، رئيس الوزراء اللبناني إلى الرياض، وأخبروه أن يستقيل من منصبه. فقد أبدوا امتعاضهم مما رأوه تمكيناً إيرانياً، في ظلِّ حكومته الجديدة، لتكون إشارةً على مدى هشاشة الدولة اللبنانية أمام الديناميات الإقليمية والمجال الضيق أمامها، من أجل المناورة بنفسها، حتى إذا حاولت ذلك.
وبمجرد عودته إلى لبنان، أعلن الحريري تعليق استقالته التي قدَّمَها أثناء وجوده في السعودية، وبغضِّ النظر عن ذلك الفصل من الأحداث، جلبت عودته استقراراً نسبياً إلى البلاد.
غير أنه لم يفعل سوى القليل لمعالجة الفساد المتفشّي، والمحسوبية، والدَّين المحلي المتصاعد. ولا تزال جميع الخدمات الحكومية تقريباً تُقدِّم أداءً رديئاً، إضافةً إلى حالة الاستياء الشعبي من أكوام القمامة المتراكمة وانقطاع الكهرباء بانتظام.
لماذا لن تعود الكهرباء إلى البلاد؟
"القوى السياسية لا تزال ملتزمة بهذا التدهور في خدمات الكهرباء لأنها مُستثمَرة في النظام الحالي. إنهم يشغلون الديزل في محطات توليد الكهرباء التي يفترض أنها تعمل بالغاز. وهناك ضلوعٌ في الرشاوى"، حسبما قال أحد الرموز السياسية البارزة لصحيفة The Guardian.
وعلق الحاج علي قائلاً: إن هناك مستويات من الفساد وعدم الكفاءة، والوضع الراهن غير قادر على إصلاح نفسه".
فيما قال ضومط، مُرشَّح لائحة كلنا وطني، إنه "إذا أُعيد انتخاب نفس النخبة السياسية وحلفائهم، فسوف يعني الوضع الراهن استمراراً في حالات غير مقبولة من انقطاع الكهرباء، وفي قلة إمدادات المياه الموثوقة، وفي نظام إدارة النفايات الرديء جداً، الذي ترك القمامة مُتعفِّنة في الشوارع".
وأضاف: "أيّما كانت النتيجة، سوف نستمر في الكفاح لتحقيق تمثيل ملائم وآليات مساءلة يستحقها الشعب اللبناني".
وقال فؤاد مخزومي، المُرشَّح السُّني والمنافس المُحتَمَل للحريري، إنه "إذا لم يحدث التغيير، فسيكون للبنان مستقبلٌ قاتم. شعوري أن هذه الانتخابات سوف تبدأ العملية، لكنها في حاجةٍ إلى انتخابات أخرى لتضع البلاد حقاً على مسار جديد".
وقالت دانييلا ضو، خريجة العلوم السياسية البالغة من العمر 21 عاماً، إن مرشحي المجتمع المدني ما زالوا متأهِّبين لإحداث تأثير، حتى إذا فشلوا في الفوز بمقاعد برلمانية.
وأضافت: "من خلال المواجهة التي حصلوا عليها الآن، سوف يكون لهم تأثير على الأرجح في صورة جماعات ضغط. بيد أن الدوائر الانتخابية صيغت لتلائم قادة الحرب".