على مرِّ أكثر من عقدين من الزمان، كان الأمير بندر بن سلطان سفير السعودية السابق في واشنطن، وصديقاً مُقرَّباً من عائلة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، ولعب دوراً مهماً في تحسين صورة المملكة لدى أميركا.
وبعد استقالته من منصبه في عام 2005، تولَّى بندر مجموعةً من المناصب بالعاصمة السعودية الرياض، قبل أن يختفي من الساحة العامة. والآن، وهو في أواخر الستينيات من عمره، أصبح من النادر أن يظهر في الفعاليات العامة.
وتقول وكالة Bloomberg الأميركية: "حين أقام السعوديون حفلاً في واشنطن للاحتفال بزيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، كانت مفاجأة الأمسية حضور بندر؛ بل وتكريمه أيضاً. وأمام مجموعةٍ من الحضور ضمَّت ليندسي غراهام عضو مجلس الشيوخ الأميركي وديك تشيني نائب الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، ألقى بندر خطاباً توَّاقاً إلى الماضي، تحدَّث فيه عن أيامه التي قضاها في واشنطن، والعلاقة بين أميركا والسعودية التي يقودها محمد بن سلمان (32 عاماً) الآن بنجاح".
وعلى طاولةٍ قريبة، كان يجلس شقيق ولي العهد الأصغر الأمير خالد بن سلمان (30 عاماً)، سفير المملكة الجديد، الذي كان طياراً مُقاتلاً مثل بندر. يُعد خالد جزءاً من جيلٍ جديدٍ من السعوديين ذهب إلى واشنطن لتحسين سمعة المملكة وإعادة بناء علاقاتها مع الولايات المتحدة.
المهمة أصبحت أصعب
وترى "بلومبيرغ" أنَّ مهمة هؤلاء السعوديين أصبحت أصعب ممَّا كانت عليه مهمة بندر طوال الفترة التي قضاها في الولايات المتحدة؛ إذ قال هادي عمرو، الذي كان دبلوماسياً بارزاً في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما: "كان من المعتاد أن تُجري حواراتٍ مع القيادة السياسية في السعودية، لكنَّهم كانوا يقولون: (لقد تحدَّثنا بالفعل إلى وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، وينبغي لذلك أن يفي بالغرض)".
وقال علي الشهابي، المصرفي السابق الذي سافر إلى واشنطن في يناير/كانون الثاني 2017 لإنشاء مركزٍ بحثي مؤيد للسعودية تحت اسم "مؤسسة العربية": "بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، غضب الرأي العام تجاه السعودية". وبعد علاقةٍ وثيقة -وإن كانت مُعقَّدة- مع إدارة بوش، شعر السعوديون بأنَّهم مهمشون؛ بل مستهدَفون في بعض الأحيان؛ بسبب سياسات إدارة أوباما. وضغطوا ضد الاتفاق النووي الأميركي-الإيراني ومشروع قانون أقره الكونغرس في عام 2016 يسمح لأفراد عائلات ضحايا أحداث 11 سبتمبر/أيلول بمقاضاة المملكة العربية السعودية. ومَكَث وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، الذي كان مبعوثاً سابقاً إلى واشنطن، أسابيع، في محاولةٍ فاشلة لتغيير هذا القانون.
ضغوط السعودية في أميركا
ووفقاً لملفاتٍ لدى وزارة العدل الأميركية بموجب قانون تسجيل العملاء الأجانب، أنفقت السعودية -بحسب "بلومبيرغ"- ما لا يقل عن 7.5 مليون دولار للضغط من أجل إلغاء القانون الذي أقره الكونغرس بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول؛ إذ أحضر السعوديون محاربين قدامى إلى واشنطن؛ كي يخبروا أعضاء الكونغرس بأنَّ القانون سيضُر الجنود الأميركيين.
وشملت نفقات هؤلاء المحاربين القدامى 270 ألف دولار أُنفِقَت في فندق ترمب إنترناشيونال للسكن ونفقاتٍ أخرى، لكنَّ كل ذلك كان دون جدوى؛ فتصويت الكونغرس جاء لمصلحة مشروع القانون، وكانت الدعاوى القضائية التي قُدِّمت بعد ذلك بمثابة جرس إنذار للقادة السعوديين؛ إذ قال الشهابي إنَّ عدم فاعلية "جماعات الضغط والعلاقات الشخصية كان بمثابة صفعةٍ على الوجه".
تفويض العتيبة
ولم يُجدِ إرسال السعودية 3 سفراء في 10 سنوات بعد بندر نفعاً. وانتهى المطاف بالسعوديين إلى تفويض الكثير من مهماتهم في واشنطن إلى يوسف العتيبة، السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، ورئيسه ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، حليف السعودية المُقرَّب.
ولكن مع تعيين الأمير خالد بمنصب السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، في أبريل/نيسان من عام 2017، بدأ السعوديون تولِّي مسؤولية ممارسة الضغوط مرةً أخرى.
وخالد أخٌ شقيق لمحمد بن سلمان، يُتقن الإنكليزية، ونفَّذ غاراتٍ ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) واليمن في إطار الحرب التي تقودها السعودية هناك.
وقال مسؤولٌ بارز بالسفارة السعودية: "مهمته الرئيسية هي إعادة تنشيط العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة في جميع المجالات".
أصدقاء في البيت الأبيض
ووجد السعوديون أصدقاء كذلك في البيت الأبيض تحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب؛ إذ أصبح محمد بن سلمان مُقرَّباً من غاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي، ويحظى بدعمٍ شديد من جانب ترمب، الذي ذهب إلى السعودية في مايو/أيار 2017، في أول زيارةٍ خارجية له بعد توليه الرئاسة.
خلق صعود محمد بن سلمان بعض التشوهات في صورته؛ فهو المحرك الرئيسي للحرب في اليمن واعتقال عشرات المعارضين بالسعودية. واعتقل كذلك مئات الأفراد من النخب السعودية فيما سماه بحملة مكافحة ضد الفساد، ثم أفرج عن معظمهم بعدما وافقوا على تسوياتٍ مالية.
وفي عملهم على تحسين صورتهم، ما زال السعوديون يعتمدون على مجموعةٍ من أعضاء الضغط بواشنطن، مع أنَّهم قطعوا العلاقات مع بعضهم منذ بداية صعود محمد بن سلمان. وقال المسؤول البارز في السفارة السعودية إنَّ أعضاء الضغط والمستشارين الأميركيين ما زال لهم دور، لكنَّ التركيز الجديد مُنصبٌّ على وضع السعوديين في واجهة أي حملة ضغط بواشنطن. وأضاف: "حين يتحدث سعوديون عن سعوديين أمثالهم، فسيكون ذلك أكثر فاعلية من وجود مستشارٍ أميركي يتحدث نيابةً عنّا".
وعاد السعوديون كذلك، مرةً أخرى، بطريقةٍ ما إلى بندر؛ وتضطلع ابنته الأميرة ريما بدورٍ رئيسي في حملة تحسين السمعة؛ إذ سافرت إلى الولايات المتحدة في الشهر الماضي (مارس/آذار 2018). وفي يناير/كانون الثاني 2018، ذهبت إلى منتدى دافوس الاقتصادي، حيث صوِّر مقطعٌ لها وهي تدافع عن السعودية، ولاقى انتشاراً كبيراً. وقالت في المقطع آنذاك: "هناك عزمٌ على عدم السماح لنا ببناء سرديةٍ جديدة، فلماذا؟".