بعد سقوط الغوطة الشرقية، أخذت قواتُ الأسد تستعد لارتكاب مجزرة جديدة، من أجل القضاء على قلب الثورة السورية، وآخر معاقل المقاومة، أي كل من مدينة درعا وإدلب، حيث اندلعت الشرارة الأولى للاحتجاجات في سنة 2011. وفي ظلِّ هذا الوضع باتت كلٌّ من دولة إسرائيل والأردن تشعران بالقلق.
وقالت مجلة Spiegel الألمانية في تقرير لها، إنه في فبراير/شباط عام 2011، خرج أطفال المدارس إلى شوارع مدينة درعا، ليخُطوا على الجدران شعارَ "الشعب يريد إسقاط النظام"، ولكنهم لم يكونوا يتخيلون أن الأحداث ستتطور بهذا الشكل.
من جهته، عمد نظام بشار الأسد مباشرة إلى احتجاز هؤلاء الأطفال وتعذيبهم. عقب ذلك، خرج سكان هذه المدينة الجنوبية للشوارع، للمطالبة بإسقاط الدكتاتور، وهو ما دفع ببشار الأسد لإعلان الحرب ضدهم.
في الوقت الراهن، لم يعد لسوريا كما عهدناها من قبل وجود، في حين لا أحد اليوم يعرف على وجه التحديد عدد الضحايا الذين قُتلوا في هذه الحرب الأهلية، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة. في المقابل، تحيل التقديرات إلى وقوع حوالي 500 ألف قتيل حتى الآن، إضافة إلى تهجير الملايين من السكان داخل سوريا وخارجها.
شمالاً.. إدلب هدفٌ صعب المنال
لاذ عددٌ كبيرٌ من السكان الذين كانوا يعيشون في الغوطة الشرقية، والذين ينتمون لفصائل المعارضة الإسلامية، مؤخراً، بالفرار إلى مدينة إدلب، الواقعة في غربي سوريا، والمحاذية للحدود التركية. في الأثناء، بادر النظام السوري، المدعوم من روسيا وإيران بمهاجمة مدينة دوما بالسلاح الكيميائي، والآن بات يركِّز اهتمامه على إدلب.
من جانبه، أفاد علي أكبر ولايتي، أحد كبار مستشاري المرشد الإيراني، خلال الأسبوع الماضي، أنه يأمل في أن يستعيد بشار الأسد السيطرة على إدلب. ولكن ولايتي لم يقدِّم أي تفاصيل حول هذه العملية التي ستكون ضخمة من دون شك.
ويكمن الأمر المؤكد حتى الآن، في أن معركة محافظة إدلب لن يكون من السهل الفوز بها بالنسبة لأي جهة، في ظلِّ تمتُّع الجيش السوري الحر -الذي يحظى بدعم من تركيا- بالقوة في هذه المنطقة، والذي يتخذ منها معقلاً له. ومرة أخرى، سيندلع صراع كبير في إحدى المناطق الحدودية، في ظلِّ بوادر تصعيد مرتقب.
جنوباً.. العيون على درعا إذن
يتمثل الخيار الثاني المتاح أمام بشار الأسد، في شنِّ هجومٍ على المعارضة في درعا، وهي المدينة التي تحمل اسم هذه المحافظة، والواقعة على الحدود مع الأردن. وتخضع حوالي 70% من هذه المنطقة، التي أُعلنت بشكل رسمي من بين مناطق خفض التصعيد، تحت سيطرة فصائل متعددة من المعارضة.
من جانبه، حرص الأردن، الذي استقبل حوالي نصف مليون لاجئ سوري، حسب تقارير الأمم المتحدة، إلى الآن، على عدم التورط في هذه الحرب الأهلية الدموية.
ولكن في عمّان، بات الأشخاص يشعرون بالقلق؛ نظراً لأن جيش النظام السوري، الذي يعاني من الإنهاك، لن يتحرك بمفرده في مواجهة المعارضة. فتماماً مثلما حدث في معارك سابقة، سيحصل الأسد على دعم من الميليشيات الإيرانية الشيعية، في حال قرَّر شنَّ هجومٍ بريٍّ على درعا.
ففي 12 من مارس/آذار الماضي، أقدم النظام السوري على شنِّ هجمات جوية على هذه المحافظة، وهو ما يعد خرقاً للهدنة الهشَّة التي تم إقرارها بالفعل.
وتعد منطقة جنوبي سوريا أيضاً محاذية للحدود الإسرائيلية. وقد شدَّدت حكومة إسرائيل بشكل واضح على أنها ستقوم بكل ما في وسعها لمنع تقدم العناصر الإيرانية إلى حدودها الشمالية، وقد تجلَّى التوتر بين الجهتين على مستوى هذه الجبهة خلال الأسبوع الماضي، عندما قُتل جنود إيرانيون في هجوم على قاعدة التيفور العسكرية، الواقعة قرب المدينة الأثرية في تدمر. وقد اعتبرت طهران وموسكو أن إسرائيل تقف وراء هذا الهجوم.
اقتراب الإيرانيين من الجنوب يُقلق تل أبيب وعمّان
عقب هذه الحادثة، امتنعت تل أبيب في البداية عن التعليق، إلا أن مسؤولاً عسكرياً رفيع المستوى، أكد لاحقاً في حوار له مع نيويورك تايمز الأميركية، أن جيش بلاده يقف وراء هذه العملية، مشيراً إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها إسرائيل "أهدافاً إيرانية حية".
وفقاً لتقارير إخبارية، كان القتلى الإيرانيون السبعة يعملون في منصب مستشار عسكري، ويبدو أنهم كانوا يشكِّلون فريقاً قام بالإشراف على تسيير طائرة من دون طيار إيرانية، في الأجواء الإسرائيلية، في شهر فبراير/شباط الماضي. وفي ذلك الوقت، لم تنجح إسرائيل في اعتراض هذه الطائرة إلا بعد دخولها لأجوائها. وقد أعلنت إسرائيل يوم الجمعة الماضي، لأول مرة، أن تلك الطائرة كانت مجهزةً بمتفجرات.
هذا التصعيد في المواجهة بين إيران وإسرائيل، لم يَحظ بالاهتمام اللازم خلال الأيام الماضية، بسبب الأخبار حول الضربة العسكرية التي وجَّهتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا للنظام السوري.
في الأثناء، تُتابع الأجهزة الأمنية الأردنية بقلقٍ كبيرٍ تطورات الأوضاع في سوريا، حيث لن يؤدي أيُّ تقدم عسكري لقوات بشار الأسد وحلفائها الشيعة في محافظة درعا فقط لتوتير الأجواء بين تل أبيب وطهران؛ بل سيقوّض أيضاً الاستقرار في عمان. كما أن هذا التوتر سيترتب عليه هروب المزيد من السوريين نحو الأراضي الأردنية، مع العلم أن البلاد تحتضن الآن أعداداً كبيرة من اللاجئين.