يشهد "النزاع حول الصحراء" فصلاً جديداً هذه الأيام، جرَّاء ما اعتبره مراقبون "مناوراتٍ" لجبهة البوليساريو، التي تدعو لانفصال الصحراء عن المملكة المغربية، خصوصاً بعد اكتساح البوليساريو المنطقة العازلة شرقي الصحراء، في خطوة يعتبرها المغرب "خرقاً سافراً" لاتفاق إطلاق النار المُبرم بين طرفي النزاع عام 1991، تحت إشراف الأمم المتحدة.
وبعد أن هدَّد المغرب باللجوء إلى الخيار العسكري تجاه البوليساريو، في حال إقدامها على تغيير الوضع القائم في المنطقة العازلة، قامت جبهة البوليساريو في الأيام الماضية، باستعراض جانبٍ من قواتها العسكرية، من لدن ما يُسمَّى "جيش التحرير الشعبي الصحراوي".
الترويج للجاهزية القتالية
استعراض قوة البوليساريو جاء في إطار تخرج دفعة جديدة مما يسمى بـ"مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي"، التي أشرف عليها إبراهيم غالي، زعيم البوليساريو.
كما رافقت مراسم التخرج، تدريبات حضرتها قيادات في الجبهة، وفق ما جاء في وسائل إعلام تابعة للبوليساريو، مشدّدة على أن الفرقة الحديثة التخرج "أجرت تمارينَ ميدانية بصرامة عالية وانضباط كبير".
وحاولت قوات البوليساريو، خلال الاستعراض العسكري، الترويج لجاهزية وحداتها القتالية لشنِّ هجمات ضد الجيش المغربي في حالة تطور الأوضاع.
كما أوضح المصدر نفسه، أن هذه القوات تلقَّت تكويناً عسكرياً في فن "القتال المتلاحم" و"الكوكسول" وحركات بدون سلاح، إضافة إلى الرماية بالذخيرة الحية بسلاح كلاشينكوف وبيكاتي.
رسائل لإثارة الانتباه
هذا الاستعراض كما يرى، عبدالرحمن مكاوي، الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية بمثابة "رسالة من جهة أولى إلى المغرب وإلى المجتمع الدولي، على أن البوليساريو تستمر في استفزازها المغرب، ومحاولتها جرّ المنطقة إلى نزاع مسلح".
أما من جهة ثانية، فجبهة البوليساريو "تريد أن تظهر للعالم أنها تتوفر على جيش منظم وعلى أسلحة، ما يمكِّنها من مواجهة المغرب"، يضيف مكاوي في تصريح لـ"عربي بوست".
ويتفق مكاوي، مع رأي إدريس العيساوي، الإعلامي والمحلل السياسي، إذ اعتبرا أن استعراضات البوليساريو تأتي في الوقت الذي تقوم فيه القوات المغربية مع قوات المارينز الأميركية وقوات أخرى، بمناورات في منطقة طانطان بالأقاليم الجنوبية، تسمى مناورات أسد الصحراء.
لذلك فهو تزامن، كما يقول مكاوي "ليس بريئاً". منبهاً إلى أن البوليساريو تحاول بذلك "جر المنطقة إلى مزيد من الاشتعال والالتهاب في الآونة الراهنة".
كما شدَّد إدريس العيساوي، في حديثه لـ"عربي بوست"، على أن "كل شهر أبريل/نيسان من كل سنة تحاول البوليساريو ما أمكن إثارة انتباه المجتمع الدولي بأنها ما زالت موجودة".
ما يعني، بحسب العيساوي، دائماً، أن هذه التحركات تعتبرها البوليساريو والجزائر الداعمة لها ضرورية، ما دامتا تعتقدان أن هذه الخطوات قد تلقي بظلالها على سلامة الوضع في الأرض.
استبعاد وترجيح لكفة الحرب
لكن إدريس العيساوي، الإعلامي والمحلل السياسي "يستبعد نشوب حرب في المنطقة". مردُّ ذلك بحسب ذات المصدر "هشاشة الوضع الأمني في المنطقة كاملة؛ فالساحل كله مخترق من خلال منظمات إرهابية، الشيء الذي سيجعل الحرب مجازفة"، على حد تعبيره.
وأضاف: "لا أعتقد أن البوليساريو يملكون إمكانات لكي يتصرفوا بشكل آخر، ولا أعتقد أن صنيعتها الجزائر يمكنها الدخول في حرب مع المغرب بشكل مباشر".
في المقابل، يرجح مكاوي احتمالية وقوع الحرب مع "ميليشيات البوليساريو"، خاصة أن "تحركاتها تتم بموافقة ضمنية للقيادة الجزائرية وبتوجيهاتها وتعليماتها".
وأبرز مكاوي أن "الجزائر رغم أنها تحاول النأي بنفسها عن الموضوع، إلا أنها مسؤولة بشكل مباشر عن تدهور الأوضاع في المنطقة العازلة".
كذلك أبدى المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية تشاؤمه، بخصوص الوضع في المنطقة، الذي "سيستمر على ما هو عليه، طالما تحوّل صراع الصحراء إلى مشكلة جزائرية-جزائرية، يخدم أجنحة داخل الحكم ضد أخرى، وهو ما يصعّب الأمر".
الحكم الذاتي حل واقعي
هذه المنطقة التي كانت سبباً في التصعيد المغربي مؤخراً، تستوجب وقف إطلاق النار بموجب اتفاقية وقَّعتها المملكة المغربية والبوليساريو سنة 1991 برعاية من الأمم المتحدة، بعد أن قبلتا خطة أممية عام 1988 تتضمن إجراء استفتاء على مصير الصحراء، ولكن المغرب طرح خطة بعد ذلك للحكم الذاتي في الصحراء.
بهذا الخصوص، يؤكد إدريس العيساوي، المحلل السياسي، أن "المغرب سيستعمل جميع الوسائل للدفاع على وحدته الترابية، مع الانخراط في الحل السياسي المتمثل في الحكم الذاتي".
نفس الشيء يذهب إليه عبدالرحمن مكاوي، حينما أبرز أن "العمل الذي ينبغي العمل عليه، وهو بتزكية إسبانية أيضاً، يكمن في إنجاح الطرح المغربي المرتبط بالحكم الذاتي، كحل وسط ومقبول ومتفق عليه".
ويشير مكاوي أن "الدول الدائمة في مجلس الأمن لا ترى في نزاع الصحراء أولوية، وأنه نزاع يدخل في اختصاص فرنسا؛ لذلك لا يمكن لأي حرب أن تقع في المنطقة إلا بموافقة فرنسية".