طفلة ذات جديلة سوداء طويلة مرمية على طرف درج لم يكتمل بناؤه، ولكنه كان شاهداً على اللحظات الأخيرة من حياة هذه الفتاة التي يبدو أنها استنجدت به واحتضنته قبل أن تفارق الحياة اختناقاً نتيجة هجوم كيماوي شنته قوات النظام السوري على دوما بريف دمشق.
التصوير سيئ والأصوات غير واضحة وحتى المكان لم نعلم موقعه بالتحديد، لكن المعلومة الوحيدة الأكيدة من مقطع الفيديو الذي تداوله الآلاف من السوريين حتى غير السوريين على الشبكات الاجتماعية، سقوط عدد كبير من القتلى.
في غرفة ليست بعيدة عن غرفة الفتاة ذات الجديلة تظهر سيدات يضعن حجاباً على رؤوسهن، هل كن يحاولن الهروب؟ ربما! رغوة بيضاء تغطي أفواههن يبدو أنها كانت آخر ما لفظوه قبل أن يفارقن الحياة في ساعات المساء الأخيرة من ليل السبت 8 أبريل/نيسان.
وقتل خلال يومي الجمعة والسبت وفق حصيلة للمرصد السوري حوالي 100 مدني، بينهم 21 توفوا اختناقاً أثناء تواجدهم في الأقبية والغرف المغلقة، ولكن هذا الرقم غير دقيق حتى الآن، فهذا الفيديو وحده يظهر فيه ما لا يقل عن 10 أشخاص قضوا اختناقاً.
كثيرون من أهل الغوطة الشرقية الذين غادروها في وقت سابق كانوا ينتظرون هذه الصور والفيديوهات لمعرفة مصير أقاربهم المحاصرين، منهم بيان ريحان التي قالت ""نريد أن نعرف أسمائهم ألا يحق لنا أن ننعى قتلانا" "
فبحسب رامي عبد الرحمن مدير هذا المرصد، فإن "إصابات الاختناق ناتجة عن كثافة الدخان بعد القصف نتيجة تواجد المدنيين في غرف مغلقة".
ومن هؤلاء المدنيين أيضاً أب وضع رأسه على جسد طفله وغادرا الحياة سوية، فالموت جاءهما على غفلة لا لون له ولا رائحة فغاز السارين هذا يقتصر تأثيره عادة عند ملامسته الجلد.
ويمكن لجرعة كبيرة من السارين أن تؤدي إلى فقدان الوعي والتشنج والشلل والعجز عن التنفس فالوفاة وهذا على ما يبدو ما حصل مع هذا الأب وطفله.
ولقد دفعت المشاهد القاسية البابا فرانسيس للتنديد باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا معرباً عن "أسفه لسقوط عشرات الضحايا"
وقال البابا الأحد 8 أبريل/نيسان أمام الآلاف الذين تجمعوا في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان "تأتينا أخبار مروعة من سوريا حيث سقط عشرات الضحايا بينهم الكثير من النساء والأطفال، تأثر كثيرون بتداعيات المواد الكيميائية في القنابل".
ولم يكن وحده البابا من ندد بذلك الهجوم، بل أيضاً المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نويرت قالت إن "نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد وداعميه يجب أن يحاسبوا وأي هجمات أخرى يجب أن تمنع فوراً".
وفي هذا الوقت اختارت دمشق التي تبعد عن دوما 20 كم عن دوما، اختارت النفي، ووصف مصدر رسمي اتهامَ الحكومة السورية باستخدام تلك الأسلحة بـ"فبركات ومسرحيات الكيماوي".
وحتى موسكو التي تقاتل قواتها في سوريا منذ العام 2015, اعتبرت أيضاً تلك الادعاءات "مفبركة"، وقال رئيس المركز الروسي للمصالحة في قاعدة حميميم الجوية الجنرال يوري يفتوشينكو السبت "نحن مستعدون فور تحرير دوما من المسلحين لإرسال خبراء روس لجمع المعلومات التي ستؤكد أن هذه الادعاءات مفبركة".
ومنذ بدء النزاع السوري في آذار/مارس 2011، اتُهمت قوات النظام مراراً باستخدام أسلحة كيميائية. ولطالما نفت دمشق الأمر، مؤكدة أنها دمرت ترسانتها الكيميائية إثر اتفاق روسي أميركي في العام 2013.
وتحدثت منظمة الخوذ البيضاء والجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز) في بيان مشترك عن توارد "500 حالة" إلى النقاط الطبية. وأشارتا إلى أعراض "زلة تنفسية وزرقة مركزية وخروج زبد من الفم وانبعاث رائحة واخزة تشبه رائحة الكلور".
وقال الطبيب محمد من مدينة دوما لوكالة فرانس برس "استقبلنا أكثر من 70 إصابة اختناق، وليس لدينا سوى أربع مولدات اوكسيجين"، مضيفاً "الوضع مأسوي جداً جداً، أعمل في المستشفى منذ أربع سنين ولم يمر علي مثل هذه الساعات أبداً".
وقد شهد مراسلان لصحيفة "لوموند" في منتصف نيسان/أبريل 2013 استخدام غازاتٍ سامّة، تحديداً "السارين" ونقلا عيّنات إلى السلطات الفرنسية، في مدينة "سراقب" جنوب حمص.
ويُعَدُّ "السّارين" من المواد الكيميائية المحرّمة دوليّاً، والتي تُستخدم لأغراض عسكرية في بعض الأحيان، ويعود استخدامه إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حيث كان يُستعمل كقاتل للحشرات، لكنّه أصبح فيما بعد أداة عسكرية قتلت الفتاة ذات الجديلة وكثيرين غيرها بمجررة لا دماء فيها.