لا يُعرف إن كان الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، يؤكد على ما قاله عمه الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 2002، بشأن المبادرة العربية، وحق الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أم أن تصريحاته الأخيرة حول حق الإسرائيليين في الأرض، جاءت خطوة أكثر جرأة في علاقة المملكة مع تل أبيب.
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أثار التساؤلات في خضم مقابلة أجراها مع مجلة The Atlantic الأميركية، اعترف فيها بأنَّ لليهود حقاً في وطنٍ خاص بهم، وهو موضوعٌ كان محظوراً بالنسبة للمملكة المحافظة، التي كان معروفاً عنها عداوتها الشديدة لإنشاء دولة إسرائيل، بحسب تقرير لصحيفة Washington Post الأميركية.
وفي مقابلةٍ مع الصحفي الأميركي جيفري غولدبيرغ قال الأمير محمد بن سلمان إن لليهود حقاً في وطنٍ خاص بهم، الأمر الذي قد يفهم على أنه استكمال لمبادرة السلام العربية التي أطلقت في قمة دمشق عام 2002، وأيضاً ربما يفهم على أن موقف جديد يضاف إلى السعودية التي بدأت علامات التحول تظهر عليها منذ عام تقريباً.
وبحسب الصحيفة الأميركية تعكس هذه التصريحات أكثر من مجرد تحول في السياسة داخل البلاط الملكي السعودي. فهي تؤكد تغييراتٍ مهمة في التحالفات في الشرق الأوسط. إذ تسعى السعودية لإنشاء علاقاتٍ اقتصادية وأمنية أوثق مع إسرائيل على خلفية مخاوفهما المشتركة من نفوذ إيران في المنطقة. وضاعفت هذا القلق تجاه إيران المرونة السياسية التي أبداها رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي منح حلفاءه الإيرانيين والروس موطئ قدمٍ مهماً في المنطقة.
وبدأت محاولات السعودية للتواصل مع إسرائيل بحذرٍ وهدوء خلال العقد الماضي، لكن يبدو الآن أنَّ القيادة السعودية تختبر إمكانية خلق تعاون أعمق وأكثر انفتاحاً مع إسرائيل، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال سيباستيان سونز، الزميل المشارك في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية للمجلة الأميركية: "لم تعد السعودية تملك الكثير من الحلفاء الأقوياء القادرين على مواجهة إيران، لهذا أصبحت إسرائيل ثاني أهم حلفائها العسكريين بعد الولايات المتحدة".
وأضاف: "وإجمالاً تصريحاته هي تتويجٌ لتطورٍ في العلاقات السعودية الإسرائيلية بدأ من فترةٍ طويلة".
مبادرة السلام العربية
تحدثت السعودية في الماضي عن الاعتراف بإسرائيل في إطار اتفاق سلام مع الفلسطينيين، لكن اعتراف ولي العهد الصريح بأنَّ اليهود لهم حق في وطنٍ خاص بهم هو التصريح الأوضح حتى الآن.
وعلى المستوى العملي، اعترفت السعودية بالفعل بهذا الحق منذ عام 2002 على الأقل، عندما بدأت دعم مبادرة تتبنى حل الدولتين الذي تدعمه الولايات المتحدة منذ وقتٍ طويل لأسبابٍ مختلفة. لكن على المستوى الرسمي، لا تعترف السعودية بدولة إسرائيل.
ونصت مبادرة السلام العربية على الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967، والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان.
وأيضاً التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
إضافة إلى قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو/حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
وفي المقابل، تعترف الدول العربية بإسرائيل، وتقيم علاقات دبلوماسية معها.
ورغم مرور أكثر من 15 عاماً على هذه المبادرة لم يحدث جديد من قبل إسرائيل، بل بالعكس مضت إسرائيل والولايات المتحدة، في الذهاب إلى فرض الدولة الواحدة، وكان آخر ما قام به الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بتوقيع نقل سفارة بلاده في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، الخطوة التي أثارت موجة من الغضب العربي والإسلامي العارم.
ورغم أنَّ السعودية وضعت في الماضي انسحاب إسرائيل إلى حدودها ما قبل الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 شرطاً مسبقاً لوجود أي علاقات وثيقة بين الطرفين، فإنَّ هذا المطلب الأساسي لم يُردِّده صراحةً ولي العهد في مقابلته مع المجلة، التي نُشِرَت يوم الإثنين الماضي 2 أبريل/نيسان 2018، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال ولي العهد السعودي: "أعتقد أنَّ كل البشر، في كل مكان، لهم الحق في العيش في أوطانهم في سلم. أعتقد أنَّ الفلسطينيين والإسرائيليين كذلك لهم الحق في أوطانهم الخاصة. لكن يجب أن تكون لدينا اتفاقية سلام لضمان الاستقرار للجميع ووجود علاقات طبيعية".
وبحسب الصحيفة الأميركية فتوقيت هذا الاعتراف لا يبدو صدفةً، إذ يأتي بعد شهورٍ من اللفتات الدبلوماسية، من بينها فتح المجال الجوي السعودي للطائرات التجارية المتجهة إلى إسرائيل، والاعترافات بوجود قنوات تواصل خلفية بين الحكومتين.
وبعد عقودٍ من الخطاب التهديدي، يبدو المسؤولون السعوديون مستعدين لاستخدام نبرةٍ استرضائية مُصممة بعناية، بينما يبحثون عن حليفٍ جديد لمواجهة عدوهم اللدود إيران وبناء علاقاتٍ اقتصادية أقوى، كما تقول الصحيفة الأميركية.
هل السعودية تعادي السامية؟
وسأل غولدبيرغ الأمير لاحقاً في المقابلة: "كانت السعودية لفترةٍ طويلة مكاناً خرجت منه الكثير من الدعاية المناهضة للسامية. هل تعتقد أنَّ لديك مشكلة مع معاداة السامية في بلدك؟"، فأجاب الأمير: "بلدنا ليست لديه مشكلة مع اليهود. ونبينا محمد تزوَّج امرأة يهودية"، بحسب الصحيفة الأميركية.
وأكمل "كان جيران نبينا محمد من اليهود. وستجد في السعودية الكثير من اليهود القادمين من الولايات المتحدة وأوروبا. ليست هناك مشاكل بين المسيحيين والمسلمين واليهود. لدينا مشاكل مثل التي قد تجدها في أي مكان في العالم، لدى بعض الناس. لكنَّها مشاكل عادية. لدينا مصالح مشتركة كثيرة"، مضيفاً أنَّ من بينها مصالح اقتصادية.
التفكير الاقتصادي لولي العهد الذي اتَّضح في المقابلة سيفيد على الأرجح نقاده، الذين شككوا طويلاً في أنَّ الصورة التقدمية الجديدة التي يحاول تقديم المملكة بها ليست بالأساس إلا خدعةً تسويقية. فعندما أعلن الأمير اتجاه السعودية لـ"إسلامٍ أكثر اعتدالاً" العام الماضي، حذَّر نقاده من أنَّ الإعلان ربما تكون له علاقة أكثر بتعزيز الاقتصاد السعودي بدلاً من تغيير الممارسات التي استمرت لعقود، بحسب الصحيفة الأميركية.
في الوقت نفسه، شنَّت القيادة السعودية حملة اعتقالات شملت بعضاً من أبرز عمالقة قطاع الأعمال في المملكة. وقال المسؤولون السعوديون إنَّها كانت جزءاً من حملة مناهضة للفساد يقودها ولي العهد. لكنَّ الكثيرين رأوها محاولةً لخنق المعارضة، والقضاء على أي عقبات ستواجهها السياسات التي ينتهجها الأمير وداعموه.
وبحسب المجلة الأميركية، حاول الأمير محمد بن سلمان جعل نفسه شخصاً مفضلاً لدى جيل الشباب في المملكة، الذين هم أقل تديناً من الأجيال الأقدم ويواجهون معدلات بطالة أكبر. ويتبع ولي العهد خطة إصلاح رئيسية تُدعَى "رؤية 2030" لتنشيط اقتصاد المملكة، ويحاول تقليل اعتماد الاقتصاد على النفط.
إصلاحات محدودة
ربما تكون الحاجة إلى الإصلاحات قد نجحت في جعل المملكة تتراجع عن بعض مواقفها السابقة، كما حدث في إلغاء الحظر على قيادة النساء للسيارات. نظر الكثيرون إلى هذه الخطوة على أنَّها إشارة محتملة لفوز دعاة التحديث داخل الحكومة السعودية بقدرٍ أكبر من السطوة من نظرائهم المحافظين المتشددين. وتعرض متشددو السعودية لضغطٍ هائل متزايد للموافقة على مقترحاتٍ مماثلة، في الوقت الذي تغرق فيه المملكة أكثر فأكثر في مشكلاتٍ اقتصادية، بحسب الصحيفة الأميركية.
لكن هذه الإصلاحات ما زالت محدودة. فما زالت النساء خاضعات لولاية الرجال، كما هناك حديث عن قمع للشيعة، رغم تأكيد الأمير خلال المقابلة على عدم وجود مشكلات بين الشيعة والسنة في المملكة.
وفي مقابلةٍ مع صحيفة The Guardian البريطانية العام الماضي، ألقى الأمير محمد بن سلمان، باللوم في ميل السعودية للوهابية -المذهب الإسلامي المُحافظ المتشدد- على إيران عدوتها اللدود.
وأصرَّ الأمير في مقابلته مع مجلة The Atlantic التي نُشِرَت مساء الإثنين على انتقاده السابق لإيران، قائلاً إنَّ "المرشد الأعلى الإيراني يجعل هتلر يبدو شخصاً جيداً".
ويمكن أن نقول إنَّ أحد تأويلات تصريحاته هي أنَّه، مقارنةً بإيران، ربما لا تكون إسرائيل كياناً شريراً في النهاية.