يتابع كثيرون كما أتابع ما يجري في الساحة المصرية من تجاذبات وضجيج حول الانتخابات الرئاسية التي يتم إجراؤها الآن، واللافت في المسألة أن النقاش الذي يدور حولها نقاش عقيم يساهم في تقوية المنظومة الحاكمة، فأن تطرح القضية من زاوية الشرعية من عدمها التي يريدها السيسي الذي تنتهي ولايته في يونيو/حزيران 2018 من خلال الانتخابات الحالية هو اعتراف بشرعية نظام السيسي، الذي جاء إلى الحكم عبر برك من الدماء، من مجزرة رابعة إلى مجازر سيناء وما حولها.
ولو تتبعنا الأنظمة البائدة وحتى تلك العائدة على ظهر الثورات المضادة والمستغلة لسذاجة النخب التي حكمت أو تصدرت المشهد بعد ثورات الربيع العربي نجدها تشترك في عدم اعتمادها على شرعية الداخل لا في الوصول إلى السلطة ولا في تسيير شؤونها، إنما كل اعتمادها على الشرعية الخارجية الدولية والإقليمية، ورغم تناقضات الفاعلين فيها، فإن اتفاقهم حول منظومة الحكم التي يجب أن تسيطر في المنطقة لا جدال حوله، خاصة بعد الخطاب الذي أفرزته ثورات الربيع، ومن هنا فإن السيسي وغير السيسي ليس بحاجة إلى مرشح أو مرشحين ينافسونه كي يضفي شرعية على منصبه، فهو يستند على شرعية الخارج للتحكم في الداخل وبسط نفوذه على الشعب المصري معتمداً على أهم مؤسسة الجيش التي ينتمي إليها.
يعلم السيسي كما غيره من حكام المنطقة أن الذي يملك شرعية الخارج وشرعية السلاح لا يمكن أن تقف نخب متناثرة هنا أو هناك أمام رغبته في الملك، ويعلم أيضاً أن نخبنا لا تجيد التقدم نحو الهدف المنشود؛ بل تجيد عكس ذلك تماماً، تجيد إتقان التراجع للوراء بحجج لا نهاية لها، لن تكون شماعة حفظ الوطن أياً كان الوطن أولها، ولن تكون حجة حقن دماء الشعوب آخرها. وبين وضوح رؤية السيسي ومن على شاكلته وتلبد رؤية النخب المتصدرة للمشهد تستنزف أوطاننا وتشرد شعوبنا وتوقف عجلة الزمن بنا، ما يجعلنا نعيد التفكير في الآليات والطرق التي تمكننا من تغيير الواقع المرير الذي ابتلينا به، فالمشهد شديد التعقيد لا تنفع معه حلول تقليدية ولا شخصيات بالية لا تزال حبيسة الماضي ومريضة بحب الزعامة.
عوداً على ذي بدء.. تشخيص الداء سهل كسهولة سيطرة السيسي على مقاليد الحكم في أم الدنيا، لكن وصف الدواء ليس بالأمر الهين في ظل الأجواء السائدة على المستويين العربي والعالمي، غير أن هذا الواقع لا ينبغي أن يثني الغيورين على مصير المنطقة والمتطلعين لغد مشرق، لا ينبغي أن يثنيهم عن العمل على صياغة مشروع جامع، ترتب في أولويات القوى الوطنية في مختلف بلدان الوطن العربي، خاصة تلك التي شهدت ثورات الربيع العربي -نظراً لخصوصية هذه الدول بعد ثبوت تورط الأنظمة البائدة وتلك العائدة على ظهر الدبابة في التآمر على المنطقة بأسرها، وما صفقة القرن إلا تأكيد لهذا الطرح- تعطى الأولوية للواجب الوطني على النضال الحزبي.
ويمكن في هذا السياق الاستفادة من تجربة حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري، الذي استطاع صياغة مشروع وطني جامع إبان حقبة الاستعمار الفرنسي، بعد أن شكل تجمعاً لمختلف أطياف الشعب الجزائري بكل مشاربهم الفكرية، مستغلاً هذا التنوع لإنجاح واحدة من أعظم الثورات، وقد كان شرطه الوحيد أن يكون الانضمام إلى صفوفه بشكل فردي لا جماعي ضارباً بذلك مثالاً في نكران الذات في سبيل القضية الأهم، وقد استطاعت أن تجمع بين التعبئة الداخلية للشعب باعتباره رأسمال أي نضال وظهير لكل كيان سياسي، وبين حشد الدعم الدولي واستغلال كل المنابر الممكنة من أجل تدويل القضية الجزائرية، إذ كانت تنطلق من منطلق أنها الممثل الوحيد للشعب الجزائري، وهو ما كان فعلاً، ما أجبر فرنسا على الخضوع.
أخيراً لا بد أن يعي الغيورون على شرف الوطن العربي أننا أمام موجة تحرر جديد لا بقاء فيها للمتخاذلين ولا المتاجرين بقضاياه، إنما البقاء للذين ينكرون ذواتهم في سبيل الوطن لتعيش الأجيال القادمة بعز وكرامة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.