أجراس الإنذار تُقرع في واشنطن.. لقد وصل رجل “المستنقعات” الذي أدخل بلاده في واحدة من أسوأ الحروب إلى منصب حسّاس

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/26 الساعة 21:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/26 الساعة 21:26 بتوقيت غرينتش
Former U.S. Ambassador to the United Nations John Bolton adjusts his glasses during a news conference at the Japan National Press Club in Tokyo January 17, 2007. REUTERS/Issei Kato (JAPAN)

ليست مفارقة صغيرة أن تحل في الأسبوع نفسه الذي صعد فيه أخيراً الصقر المتشدد جون بولتون إلى منصبٍ نافذ بالبيت الأبيض، الذكرى الـ15 للحرب الكارثية التي ساعد في ميلادها.

من المفترض -وفق تقرير صحيفة واشنطن بوست– أن يحل بولتون، وهو شخص متمرس في "المستنقعات" تقلَّد عدة مناصب بالأمن القومي في عهد إدارة كلٍ من بوش الأب والابن، محل الجنرال هربرت ماكماستر كمستشارٍ للأمن القومي مطلع أبريل/نيسان 2018. وكان رحيل ماكماستر وتعيين بولتون متوقَّعاً بعد أسابيع من الشائعات في البيت الأبيض، لكنَّ تأكيد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأمرين في تغريدةٍ عبر "تويتر"، الخميس 22 مارس/آذار 2018، لا يزال يقرع أجراس الإنذار في أرجاء العاصمة واشنطن.

وكتب ترامب: "يسعدني إعلان أنَّه اعتباراً من يوم الإثنين التاسع من أبريل/نيسان 2018، سيكون السفير جون بولتون مستشاراً جديداً للأمن القومي. أنا ممتنٌّ للغاية لخدمات الجنرال ماكماستر، الذي قام بعمل رائع، وسيظل صديقي دوماً. سيكون هناك مراسم رسمية لتولي المنصب يوم التاسع من أبريل/نيسان 2018".

قليلون هم المتشددون الذين يحظون في واشنطن بشهرة أكثر من بولتون، الدبلوماسي السابق البالغ من العمر 69 عاماً، ويُعرَف بكونه غير دبلوماسي إلى حدٍ كبير. ويشارك بولتون، الرئيسَ ترامب في ازدرائه الاتفاقيات متعددة الأطراف، بالإضافة إلى أنَّ مقته الأمم المتحدة (حيث عمل بولتون فترة وجيزة سفيراً للولايات المتحدة لدى المنظمة) يتطابق مع ازدرائه الاتحاد الأوروبي. وتعتبر كلتا المؤسستين منتدياتٍ للمداولات المملة التي تقوّض السيادة الأميركية وتعوق قدرة واشنطن على التصرف بصورة حاسمة، حسب صحيفة واشنطن بوست.

يتطابق الضجر الجيوسياسي لبولتون مع سيرته المهنية المشاعة عنه: فمزاعم التسلط والاستغلال تطارد سلوكه في مناصبه. وفي شهادة أمام الكونغرس عام 2005، وصفته زميلة له بوزارة الخارجية بأنَّه مشهور بأنَّه مدير "متملق ومتسلط". وعرقلت تلك النظرة فرصه في الاحتفاظ بمنصبه في الأمم المتحدة بشكل دائم (إذ كان قد عُيِّن في أثناء عطلة مجلس الشيوخ، وكان بانتظار تصديق أو عدم تصديق المجلس على تعيينه). لكن في ظل رئاسة ترامب، فإنَّ عدوانية بولتون أوصلته إلى أكثر المناصب المعنيَّة بالسياسة الخارجية أهميةً في البيت الأبيض.

مهَّد لغزو العراق

أدى بولتون الدور الرئيس في التمهيد لغزو العراق في 2003. وبصفته وكيلاً لوزير الخارجية الأميركية لشؤون ضبط التسلح والأمن الدولي في الفترة ما بين 2001 و2005، فقد ساعد في الدفع برواية أنَّ الرئيس العراقي آنذاك، صدام حسين، كان يُطوّر بنشاطٍ، أسلحة دمار شامل. وذكر مسؤولون بريطانيون في مذكرةٍ سرية -أصبحت سيئة الصيت الآن- إلى مكتب رئيس الوزراء البريطاني في 2002، أنَّ "المعلومات الاستخباراتية والحقائق كانت تُحرَّف بشأن سياسة" إدارة بوش. وفي أثناء تلك الفترة، زُعِم أن بولتون أخذ خطوات لمعاقبة مرؤوسيه الذين سعوا إلى التحقق من تلاعبه بالمعلومات الاستخباراتية.

بالطبع، لم تكن هناك أسلحة دمار شامل للعثور عليها. لكنَّ بولتون وحلفاءه من المحافظين الجدد حصلوا على الحرب التي أرادوها، وهي حدث زلزالي في التاريخ المعاصر، فجَّر كثيراً من عدم الاستقرار الذي دمَّر الشرق الأوسط.

كتب جورج ويل، وهو كاتب رأيٍ محافظ بصحيفة واشنطن بوست، مُنتقِداً بشكل لاذع، تعيين بولتون: "يُقال كثيراً إنَّ قرار غزو العراق كان الأسوأ في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية منذ حرب فيتنام. في الحقيقة، كان أسوأ من حرب فيتنام، والأسوأ في التاريخ الأميركي".

وأشار إلى أنَّ "أميركا خاضت في مستنقع فيتنام الضحل تدريجياً دون الوصول إلى اللحظة التي لا يمكن الرجوع عنها، فكان ذلك قراراً منفرداً قاطعاً وواضحاً. لكن على النقيض من ذلك، كان التحضير المطوَّل لغزو العراق تشاورياً ومنهجياً".

ولا تزال تكاليف حرب بوش وبولتون مستمرة. فكتب المؤلف العراقي سنان أنطون: "لا أحد يعلم بصورة مؤكدة، كم عراقياً قُتِل نتيجة الغزو الذي حدث قبل 15 عاماً. بعض التقديرات الموثوقة تُقدِّر العدد بأنَّه أكثر من مليون. يمكنكم أن تعيدوا قراءة الرقم مرةً أخرى!". وأضاف: "غالباً ما يجري الحديث في الولايات المتحدة عن غزو العراق باعتباره (لغواً) أو حتى (خطأ فادحاً). لقد كانت جريمة. وأولئك الذين ارتكبوها لا يزالون طلقاء؛ بل إنَّ بعضهم حتى رُدَّ اعتباره مرةً أخرى بفضل أهوال سياسة ترامب والمواطنين الذين يعانون فقداناً كبيراً في الذاكرة".

ونشر بولتون على حسابه بـ"تويتر"، صورة من بيان موافقته على تعيينه مستشاراً للأمن القومي، وعلَّق: "بيان موافقتي الرسمي بخصوص قبول طلب الرئيس ترامب كي أصبح مستشار الأمن القومي المقبل".

ويبدو أنَّ بولتون، وهو أحد الجناة في تلك الجريمة، قد استفاد من فقدان الذاكرة ذاك. ولا يزال يدافع بإصرار عن قرار الذهاب إلى الحرب حتى يومنا هذا، وليس وحده في ذلك. فخبراء وصقور حرب آخرون ممن هلَّلوا لغزو 2003، لا يزالون راسخين في مناصبهم بواشنطن. ورَقََّى ترامب -الذي انتقد حرب العراق بصورة لاذعة في أثناء حملته الانتخابية- أحد أبطالها القلائل المتبقين.

حسب صحيفة واشنطن بوست، يشعر بعض المنتقدين بقلقٍ عميق إزاء الاحتمالية المتزايدة لنشوب صراعٍ مسلح مع كوريا الشمالية وإيران، ولديهم أسباب وجيهة لذلك؛ إذ كتب بولتون الشهر الماضي (فبراير/شباط 2018)، في مقال رأي بصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، يُروِّج فيه لإمكانية شن ضربة وقائية على كوريا الشمالية. ويبدو أيضاً أنَّه غير مقتنع بخطط ترامب لإجراء محادثات مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ-أون. فقال في حديث إلى "إذاعة آسيا الحرة" الأميركية الأسبوع الماضي، إنَّ واشنطن يجب ألا تقدم تنازلات اقتصادية، وجدَّد تأكيده رغبته في تغيير النظام، مُرجِّحاً أن الوقت الذي يقضيه ترامب على مائدة المفاوضات قد يكون قصيراً.

وكان بولتون قد قوَّض العلاقات الدبلوماسية مع كوريا الشمالية بالماضي أيضاً. ففي عام 2001، ساعد في إقناع الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش الابن، بالتراجع عن اتفاق عاجز لمنع انتشار الأسلحة النووية مع بيونغ يانغ بدلاً من تعزيزه بجولاتٍ دبلوماسية جديدة. وقد حقَّقت كوريا الشمالية تقدماً كبيراً في برنامجها النووي في فترة العزلة التي أعقبت ذلك، تماماً مثلما فعلت رفيقتها في "محور الشر" إيران.

كتب الأكاديميان كولن كال وجون وولفستال، اللذان عملا في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما: "بالنسبة لكثيرٍ من خبراء ضبط التسلُّح ومنع انتشار الأسلحة النووية، تُمثل تلك الحالة حكاية تُحذِّرنا من مخاطر منع العمل الدبلوماسي". وأضافا: "لكن في نظر بولتون، أثبتت أعمال كوريا الشمالية ببساطة، أنَّ الدبلوماسية لا تجدي مع الدول المارقة، وأنَّ الحل الوحيد هو القضاء على تلك الأنظمة كلها، وباستخدام القوة العسكرية الأميركية إذا لزم الأمر".

ونشر جيفري لويس، الخبير في ضبط التسلح، بحسابه على "تويتر"، صورة لجزء من مذكرات بولتون، وعلَّق: "ها هو بولتون يعترف في مذكراته بأنَّه دَعَم إجراء محادثات مع كوريا الشمالية في 2002؛ فقط لأنَّه كان يتوقع فشلها، وهو ما قد يُستغَل لاحقاً لنزع الثقة عن الدبلوماسية وانتهاج سياسات أكثر تشدداً تجاه كوريا الشمالية".

كل هذا وأكثر ينطبق بالنسبة لإيران. يجعل صعود بولتون، مقروناً بتعيين مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) السابق مايك بومبيو وزيراً للخارجية، من شبه المؤكد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في مايو/أيار 2018. ويدعم بولتون تغيير النظام في إيران منذ سنوات، وتلقّى أموالاً من مجموعة إيرانية معارضة غامضة، كانت تعتبرها وزارة الخارجية الأميركية جماعة إرهابية ودعت لضرب البلاد.

ويبدو أنَّ بولتون سيُجري تطهيراً شاملاً لموظفي الأمن القومي في البيت الأبيض، وهي الخطوة التي قد تُعمِّق النزعة العسكرية العدوانية، التي أصبحت السمة المميزة لرؤية ترامب للعالم.

كتب ماثيو واكسمان، الذي عمل بالبيت الأبيض في أثناء حكم بوش: "يشبه البيت الأبيض لترامب نوعاً ما عرضاً تهريجياً، لكنَّ بولتون لا يمزح. فبدلاً من إضافة مُنظِّر آخر يتبع نهج قناة فوكس نيوز وينقل التوازن في نظر فريق الإدارة أكثر باتجاه التطلعات الأكثر تشدداً للرئيس، أضاف ترامب شخصاً بالفعل يمكنه مساعدته على جعل هذه التطلعات حقيقة".

تحميل المزيد