(1)
"ليست هناك مؤامرة لإسقاط شكريلي، أنا من أسقط (مارتن شكريلي) بتصرفاتي المخزية والمشينة".
بتلك العبارة الكاشفة، اعترف قطب صناعة الأدوية الأميركي السابق بما اقترفته يداه، وذلك عقب إدانته من قِبَل محكمة فيدرالية بنيويورك قضت عليه بالسجن سبع سنوات.
اتهم شكريلي، العام الماضي، بالاحتيال وإرسال بيانات مغلوطة إلى المستثمرين، بينما كان يتكبد خسائر كبيرة في صندوقَي استثمار كان يديرهما.
وبالرغم من ندم مارتن واعترافه بالذنب، وهو أمر يبدو غير متعارف عليه في عالم المسؤولين العرب ورجال الأعمال، فإن ندمه لم يشفع له لدى الشعب الأميركي، فالكراهية التي يحظى بها غير مسبوقة، حتى إنه لُقب بأكثر شخص بغيض في أميركا، وبالمناسبة، هذا اللقب لا علاقة له بذاك الحكم، فتلك السمعة المشينة تسبب فيها رفعه أسعار أدوية حيوية للمرضى بدرجة جنونية.
(2)
في عام 2015 تصدّر الرئيس التنفيذي السابق لشركة فارما برو لصناعة الأدوية "مارتن شكريلي" عناوين الأخبار، حين أسس شركة "تورينغ للأدوية"، التي اشترت حقوق عقار "داربريم" المضاد للأمراض الطفيلية واحتكرت بيعه، ثم قامت برفع سعره بنسبة خمسة آلاف في المائة ليصل إلى 750 دولاراً للقرص الواحد.
ويستخدم هذا الدواء في علاج مرضى الإيدز والحوامل وأمراض الشيخوخة، وبالرغم من أنه لا يعد التلاعب في سعر الدواء غير قانوني أو حتى غير مألوف في صناعة الأدوية في الولايات المتحدة؛ حيث نشرت مجلة طبية أميركية في أحد أبحاثها، إحصائية تؤكد أن أسعار ما يزيد عن 400 دواء من الأدوية العامة، زادت بنسبة أكثر من 1000% ما بين عامَي 2008 و2015.
إلا أن ما فعله شكريلي كان جنونياً، لم يغضب فقط الرأي العام، بل دفع شركات أدوية للتبرؤ منه.
في اعتقادي، لم يكن السجن هو الخاتمة السيئة الوحيدة لـ"شكريلي"، وليست هي العقاب الأكبر الذي حظي به، فما حكمت به بلاده عليه من قبل، حين وصمته بلقب "أكثر شخص مكروه في أميركا" هو الأقسى والأشد من عشرات السنوات يقضيها مسجوناً.
السجن سينتهي يوماً، لكن هذا اللقب السيئ والسمعة المشينة، ستلاحقه حتى بعد الوفاة، لن يتخلص منه ولو تخلّص هو من حياته، أو حُكم عليه بالإعدام.
(3)
سقوط "مارتن شكريلي" بعد جريمته في استغلال حاجة المريض للدواء، وإن لم تكن هي التهمة التي سُجن بها، بالإضافة إلى تصدره الأخبار من خلال لقبه المشين "أكثر شخص مكروه في أميركا"، جعل خبر جريدة الفجر الذي أوردته منذ عدة أيام عن "ألقاب السيسي" يقفز فوراً إلى ذهني، فقد نشرت الصحيفة تقريراً لها بعنوان (5 ألقاب حصل عليها "السيسي" في فترة رئاسته الأولى.. تعرف عليهم).
والعجيب أن الصحيفة التي تعد من أشد مؤيدي السيسي ووُصِفت بأنها إحدى أذرعه الإعلامية، ذكرت من بين ألقابه، اسم "الرئيس الأخرق"، وهو ما وصفته به صحيفة "لاستامبا" الإيطالية عام 2016، في معرض تعليقها على لقائه بـ"بابا الفاتيكان".
ويبدو أن الثقافة الضحلة لمحرري الصحيفة ومديريها جعل الجميع يغفل عن كون اللقب سُبة ولفظاً مشيناً، يعني الأحمق أو سيئ التصرف.
وبعد موجة كبيرة من الجدل والسخرية على مواقع التواصل وتداول واسع لصورة الخبر المُهين، حذفت المجلة اللقب، واكتفت بأربعة فقط بعد أن غيّرت المحتوى وكذلك العنوان.
لم يُحذف اللقب سوى من صفحات الجريدة بالطبع، لكنه بقي وسيبقى دائماً في ذاكرة المصريين.
(4)
لم يعرف تاريخنا المعاصر أو حتى القديم، أحداً تعرض للإهانة ولحقت به الألقاب المخجلة مثل السيسي، بدءاً من هاشتاغ انتخابه ذي اللفظ المشين، الذي دخل التاريخ بأكبر هاشتاغ عالمي شارك فيه الملايين ومشاهدات تخطت المليار مشاهدة، إلى لقب "الأخرق" وأخيراً "بلحة"، الاسم الأشهر الذي عُرف به بين العرب والمصريين.
– في مارس/آذار من عام 2014 وقبيل الانتخابات الرئاسية الأولى عقب الانقلاب العسكري، قام موقع الموسوعة الحرة العالمي المعروف باسم [ويكيبيديا] بتحديث السيرة الذاتية لقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي مضيفاً إليها لقبه المشين، في فضيحة كبرى استمرت عدة ساعات، قبل أن تتدخل الجهات الرسمية المصرية وتقوم بحذفه.
(5)
– سيسقط السيسي يوما من خلال ثورة تطيح به وبانقلابه كما تنبأت بذلك صحف عالمية وهيئات بحثية، تناولت الوضع الراهن والأحوال المتردية غير المسبوقة للمواطنين، فأشارت إلى انفجار قريب، وربما يسقط لأسباب أخرى يدبرها له الإله الحكيم الخبير.
لكن في كل الأحوال، ستبقى الألقاب المشينة تلك هي العقاب الإلهي العاجل على جرائمه التي ارتكبها في حق مصر وشعبها، تحاصره وهو حيّ وتلحقه كذلك بعد الممات، ترتبط باسمه، وتسجلها له، في صفحاتها السوداء، ذاكرة التاريخ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.