تدقيق: رزق
الطوارئ الإثيوبية وحالة البلاد
فرض حالة الطوارئ في إثيوبيا عقب الأحداث الأخيرة التي تصاعدت في العديد من المواقع حول العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وما حولها، وخاصة في إقليم أروميا، لم تكن جديدة على الإثيوبيين، ففي عام 2016 كانت حالة الطوارئ التي فُرضت على جميع أنحاء البلاد لمدة ستة أشهر وتمت إضافة المدة لعشرة أشهر، عقب إضافة فترة أربعة أشهر إضافية، ما اعتبرها المتابعون للشأن الإثيوبي أنها حققت استقراراً للبلاد عقب الأحداث الأخيرة.
فحالة الطوارئ في إثيوبيا ليست مثل بقية البلدان الأخرى، فهنا تجد المواطن الإثيوبي سعيداً بهذه الحالة التي فُرضت والتي يراها تحقق له الاستقرار والسلم والأمن، وهذا ما لمسناه عقب الجولات الأخيرة التي قُمنا بها في عدد من المناطق، والتقينا عبرها بعدد من المواطنين في مختلف المدن الإثيوبية، ولم نجد من يرفض إعلان حالة الطوارئ، فحالة الطوارئ في إثيوبيا تمنع الظاهرات السياسية وإحداث الشغب فقط، ولم تمنع التجمعات لإقامة الاحتفالات الدينية ومشاهدة مباريات كرة القدم والبرامج الثقافية والاجتماعية والمناسبات المختلفة.
فرضت الحالة لحفظ الأمن والاستقرار، ولا مانع من أن يتم اعتقال شخص إذا كان ينوي أن يقيم تظاهرة سياسية أو يحاول اعتراض الطريق، ويمنع سير حركة المرور، فقد تجد السجون تمتلئ عن بكرة أبيها جراء اعتقال العديد من الأفراد الذين رفضوا الانصياع للنظام وقوانين حالة الطوارئ.
البرلمان الإثيوبي وحالة الطوارئ
حسب المادة 93، الفصل الأول من الدستور الإثيوبي، فإن أي قانون أو لائحة أو إعلان أي شيء أعلن من قِبل مجلس الوزراء يتم التقدم به لمجلس النواب الإثيوبي، الذي له الحق في رفض أو المصادقة على تلك المواد، وكان أن قام البرلمان الإثيوبي بالتصديق على حالة الطوارئ التي تم إعلانها مؤخراً من قِبل مجلس الوزراء الإثيوبي، الشيء الذي لم يكن يتوقعه الجميع في ظل الخلافات داخل الحكومة الفيدرالية في البلاد، فكانت أغلب الآراء من الشارع الإثيوبي تقول: إنه لا بد من التصديق على القانون الذي له القدرة على حفظ واستتباب الأمن في البلاد.
التجربة السابقة لإعلان حالة الطوارئ في إثيوبيا لم يكن يتوقع لها النجاح، إلا أن الوضع في تلك الفترة يؤكد نجاحها بصورة كبيرة في حفظ الاستقرار، والدليل على ذلك الحراك الاستثماري الذي لم يتوقف في البلاد عقب فرض الحالة في جميع الأقاليم الإثيوبية مما ترك انطباعاً جيداً للمواطن الإثيوبي.
المعارضة الإثيوبية وحالة الطوارئ
أقر زعماء المعارضة الإثيوبية أهمية إعلان حالة الطوارئ في البلاد عقب الأحداث الأخيرة التي شهدتها إثيوبيا، وأنه لا بد من تطبيق القوانين بصورة صارمة عقب الأحداث الأخيرة التي أدت لتدمير العديد من الممتلكات وموت المواطنين في بعض المناطق، ما اعتبروه خرقاً للنظام الدستوري، وأنه لا بد من إجراءات حازمة للتصدي لمثل هذه الأعمال التي تشهدها إثيوبيا.
هنالك من يرفض إعلان حالة الطوارئ في إثيوبيا، ويرى أنها ضد الحريات ولكن هناك آخر يرى أنها ضرورية لحفظ الأمن واستقرار البلاد، وما بين هذا وذاك يرى المتابعون للشأن الإثيوبي أن الحكومة الآن تغير من سياستها ضد المتظاهرين في ظل الحراك السياسي الذي تسعى الحكومة لتوسيعه، وهذه التسهيلات وجدت قبولاً لدى المجتمع الدولي، ووجدت إشادة من كبريات الدول عقب الأحداث الأخيرة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وزعماء الأحزاب الذين أعلنت الحكومة أنها بصدد فض السجون منهم، وعلمت بهذا عقب الاجتماعات الأخيرة للحزب الحاكم والنتائج التي خرجت بها الحكومة الفيدرالية لمجابهة القضايا التي تواجه البلاد، ومطالب القوميات التي تتزايد يوماً بعد يوم.
وعقب إعلان حالة الطوارئ في البلاد نظمت العديد من التظاهرات والاعتصامات في عدد من المناطق في أروميا، والتي لم يكن يتوقعها الجميع، وكان السؤال: لماذا الآن عقب الاستعداد لتعيين رئيس وزراء جديد قد يكون من أي من القوميات الأربع الأخرى؟ الشيء الذي قد يكون له دور في تصحيح الأوضاع التي رفضها الجميع، ولكن فيما يبدو فإن للحكومة الإثيوبية العديد من التدابير والتي ظلت صامتة دون أن تتخذ أي إجراء، الشيء الذي وجد استنكاراً من المواطنين في المناطق التي تضررت، والذين تعجبوا من هذا الصبر الطويل للحكومة، ولتصرف الحكومة هذا، وخاصة الحكومة الإقليمية لأروميا التي كانت أغلب الأحداث في أراضيها من اعتصام وإغلاق للطرقات وعرقلة سير المركبات العامة والخاصة، عقب حوالي أكثر من ثلاثة أسابيع عقب إعلان حالة الطوارئ التي أعلنت من قِبل مجلس الوزراء الإثيوبي، التي صادق عليها البرلمان.
ماذا بعد الطوارئ؟
هو السؤال المطروح عقب إعلان حالة الطوارئ واختيار رئيس الوزراء الجديد، فما هي الخطوات القادمة التي إن صح أن هدّأ بعض التظاهرات في بعض المناطق من أروميا؛ لأنها في الأصل ليست لمطالب معينة، بل هي لأشياء أخرى في نفس يعقوب، ولا ندري ماذا يريد يعقوب من هذه البلاد؟ هل هي تحركات لمطالب حقيقة؟ أم أنها تحركات بموجب اتفاق مع دول أخرى من أجل شيء ما؟ أم أنها تحركات للمعارضة الإثيوبية التي تتواجد في الخارج؟
الغريب في الأمر أنه إذا انتهت الحكومة الإثيوبية الحالية ودورها في وقتنا الحالي، ستنتهي فكرة أن تكون هنالك حكومات تحكم إثيوبيا باسم القوميات أو الإثنيات، فهذه التجربة كان لها دورها الكبير في تحرير الشعوب، وحققت الأهداف المرجوة منها في تطوير وتنمية المناطق بطرق تنافسية، وخدمت العديد من المناطق، واهتمت لترقية ثقافات كانت قد انتهت، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الاندثار، ولكنها فشلت في التصدي للمطالب الخاصة بكل القوميات، فأعتقد أن الأحزاب التي تنادي بحقوق وباسم القوميات لن يكون لها فرصة لكي تحكم إثيوبيا باسم قومية مرة أخرى.
مَن الذي سيتحمل العبء القادم؟
تأخّر تعيين رئيس للوزراء خلفاً لدسالنج أصبح مسار اهتمام للجميع، الشيء الذي طرح سؤالاً لماذا حتى الآن هل هنالك خلاف داخل الحكومة الإثيوبية؟ أم هنالك بعض الخطوات التي قد تتخذها الحكومة الإثيوبية؟ ولماذا التأخير في اختيار الشخص الذي سيقود البلاد لفترة عامين متبقية من فترة الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية والتي قضيت منها ثلاثة أعوام؟
إذاً كيف ستقاد إثيوبيا في وقتنا وهي تشهد حالات ما بين الشد والجذب بين قومياتها التي بدأت تتجدد بينها الخلافات وتطور المشهد السياسي في البلاد؟ كيف ستحل إثيوبيا هذه المعضلة في ظل تحديات خارجية متمثلة في الحركات الإرهابية التي تهددها من الشرق عبر مدخل الصومال ودول غير مستقرة إلى جوارها، وملف سد النهضة وتحدياته، وتحديات داخلية في الخلافات الإثنية التي بدأت تظهر للأفق خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة؟
هل ستعود عمليات الاعتقالات في ظل حالة الطوارئ؟
هذه لا بد منها، حسب اعتقادي؛ لأن القانون وضع العديد من النقاط التي تحذر من التجمعات والتظاهرات بدون إذن، وعدم إغلاق الطرق وعرقلة السير في الطرقات العامة والاعتصام وتعطيل الاحتفالات وسير العمل في المؤسسات العام…. إلخ.
وكل هذه النقاط إن لم تحترم أعتقد أن الاعتقالات سوف تتواصل، خاصة أن هنالك حقوقاً منحت لقوات الأمن بأن تقوم باعتقال أي شخص تشتبه فيه بدون إذن من النيابة، وهذا ما بات واضحاً عقب الاعتصامات الأخيرة التي توضح أن طريق المشاركين فيها إلى السجون خلال الأشهر الستة من حالة الطوارئ، والتي قد تمتلئ عن بكرة أبيها، ومرة أخرى إطلاق سراح السجناء، دوامة لا تنتهي.
عقب الإعلان الأخير عن حالة الطوارئ في إثيوبيا، أصدر النائب العام الفيدرالي السيد قيتاجو إمبايي بياناً هذه الأيام حول توجيهات محددة وضعتها قيادة لجنة حالة الطوارئ.
وقال النائب العام قيتاجو إمبايي للصحفيين: إن الإعلان يهدف إلى رفع مستوى وعي الجمهور بهذه التوجيهات وجعلها تعمل من أجل التطبيق العملي للتوجيهات، كما أنها تساعدهم على حماية أنفسهم من التعرض للتضليل من خلال الدعاية للعناصر المناهضة للسلام والانخراط في الممارسات غير المشروعة.
وبناء على ذلك، فإن التوجيهات الصادرة تحظر القيام بأنشطة تنتهك الدستور والنظام الدستوري، وتعطل وحدة وتضامن الإثيوبيين، وتعطل خدمات النقل، وحرية تنقل الناس، من بين أمور أخرى.
وقال النائب العام إنه في محاولة لضمان سيادة القانون ستتخذ إجراءات ضد من ينتهكون هذه التعليمات.
وقال إمبايي: "أصدرت القيادة أن مخالفة المواد 24 سيؤدي إلى التدابير القانونية الواجبة. كما أن تعطيل السلام والهدوء في الأقاليم ومحاولة انتهاك الدستور وحالات مماثلة سيجعل لجنة حالة الطوارئ تتخذ إجراءات تأديبية ضد المخالفين، وسيخضعون للاعتقال دون أمر من المحكمة، كما سيتم احتجازهم بسبب أعمالهم غير القانونية".
وأضاف جيتاشو قائلاً: إن مجتمع الدبلوماسيين معفى من توجيهات حالة الطوارئ". وإن حالة الطوارئ لا تشمل رجال السلك الدبلوماسي وبالتالي فإن مركز القيادة لم يصدر أي توجيه يحظر أو يحد من الأنشطة القانونية لأي موظف دبلوماسي متواجد في البلاد.
فيما يبدو فإن الوضع سيزداد تحسناً يوماً بعد يوم عقب إعلان حالة الطوارئ، وما زالت الحكومة تقوم بعرض وتفصيل المواد يوماً بعد يوم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.