كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن خيار عودة الملكية إلى ليبيا كحل ينهي حالة الانقسام التي تعيشها البلاد منذ ثورة فبراير/شباط عام 2011، والتي أطاحت بالعقيد "معمر القذافي"، وتجسّد هذا الحراك في عقد مؤتمرات وتأسيس تيارات تدعو إلى ضرورة تفعيل دستور المملكة السابق وتفويض الأمير محمد الحسن ملكاً للبلاد.
وفي الحقيقة لم أتعجب -كما فعل كثيرون- من مؤتمر برقة الذي عقد تحت قبة برلمان المملكة سابقاً في مدينة البيضاء في الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي طالب فيه الحاضرون بعودة الملكية وتفعيل دستور الاستقلال فوراً.
الحاضرون في المؤتمر الذين كانوا ممثلين عن أغلب القبائل والمكونات الاجتماعية في المنطقة الشرقية أكدوا أن الأمير "محمد الحسن الرضا المهدي السنوسي" هو الوريث الشرعي دستورياً؛ ليكون ملكاً على البلاد، مطالبين بضرورة مباشرة مسؤولياته والاضطلاع بمهامّه طبقاً لنصوص مواد الدستور، على أن تخضع كل المؤسسات المدنية والعسكرية لدستور المملكة، وهي ذات النقاط التي طالب بها المؤتمر الذي عُقد بمدينة غريان -غرب ليبيا- في نهاية أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
بدا الأمر غير مفهوم لدى البعض؛ كون المؤتمر عقد في مدينة البيضاء – شرق ليبيا – وهي إحدى أكبر المدن الداعمة لعملية الكرامة وقائدها "خليفة حفتر" -الذي يطمح مؤيدوه إلى تفويضه لحكم البلاد- لكنني أعتقد أنه تسلسل طبيعي للأحداث الأخيرة التي أوضحت لكل من أراد أن يعقل أن الكرامة تحوّلت – إن لم يكن هو هدفها منذ البداية – إلى مشروع شخصي للوصول إلى السلطة.
كل الحقائق التي ظهرت على السطح الآن وكل هذه الخلافات والانشقاقات وتفكك التحالفات تثبت كل يوم أن الهدف لم يكن يوماً هو محاربة الإرهاب.
زيادة الفرقة والتشتت الاجتماعي في البلاد والدمار العمراني بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي – منذ اندلاع عملية الكرامة – قد تكون وراء إعادة الحسابات التي نشهدها في هذه الفترة بما فيها كل التوجهات لإيجاد حلول للأزمة بعيداً عن وهْم الحسم العسكري الذي سيطر على تفكير وتحركات الكثيرين في الفترة الماضية بالمنطقة الشرقية بالذات.
وبكل تأكيد يضاف إلى كل تلك الأسباب تعقّد الحوار ووصوله إلى طريق شبه مسدود مع الفرقاء السياسيين، والتصرفات غير المسؤولة من البرلمان، وعدم قدرته على عقد الجلسات، وفشل المجلس الرئاسي في تحسين الوضع الإنساني والاقتصادي للمواطن، أثبت أنه لا مجال للشك أن إيجاد حلول للوضع الراهن يجب أن يكون بعيداً عن كل متصدري المشهد الحالي.
حالات الفشل هذه سواء كانت بسذاجة البعض أو بعمالتهم أو حتى عبر المغامرات العسكرية الواهمة غذت وأنعشت فكرة عودة الملكية وتفعيل دستور الاستقلال، حتى تستقر الأوضاع من ثم يتم الاستفتاء على الدستور وشكل نظام الحكم.
وفي الحقيقة فإن العودة إلى خيار الملكية في ليبيا ليست توجهاً جديداً، بل كان ذلك قائماً منذ عام 2011، لكن هذا التوجه اصطدم بحلم تأسيس دولة ديمقراطية حديثة عبر الانتخابات، وهو أمر طيب، ولكن ليس في دولة خرجت من حرب شبه أهلية ودون وجود حتى دستور أو قانون يحكم هذه الانتخابات!
انقلاب القذافي عام 1969 عطّل العمل بالدستور، وبعد زوال السبب المعطِّل من المفترض أن يعود شكل البلاد إلى ما كانت عليه، أو أننا نعترف بأن ما قام به القذافي كان ثورة…. وهو أمر غير صحيح بكل تأكيد.
لمَ لا تكون لدينا تجربة مماثلة لما حدث في إسبانيا عام 1975؟، بعد وفاة الديكتاتور "فرانكو" الذي حكم إسبانيا بالحديد والنار وحوّلها من ملكية إلى جمهورية قرابة 40 سنة، رجعت الملكية إليها بعد وفاة "فرانكو" بيومين فقط لتستعيد إسبانيا مكانتها الدولية العالمية من جديد.
عادت الملكية لإنكلترا بعد تسع سنوات من الحكم الجمهوري (1649 – 1658) لتبقى إلى يومنا هذا فترة الجمهورية في بريطانيا تشعر كل البريطانيين بالخجل.
كل هذه التجارب التاريخية أثبتت نجاحها واستقرت الأوضاع في هذه البلدان بشكل ممتاز، والحالة الليبية لا تختلف عنها كثيراً، لدينا دستور كُتب بشكل مشرف من قِبل الآباء المؤسسين، ويتولى الأمير "محمد الحسن السنوسي" زمام الأمور، ويتم انتخاب مجلس للشعب بشكل ديمقراطي حقيقي، وبعد أن تستقر الأوضاع يمكن القيام باستفتاء شعبي على دستور المملكة، وعلى شكل الحكم، ونكون حينها قد طوينا هذه الصفحة السوداء من تاريخ بلادنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.