الخريطة الانتخابية العراقية خريطة ساكنة وغير مرنة، تعبّر عن عقد الحياة السياسية من ناحية، وجمودها وفراغها من البرامج الانتخابية الجادة من ناحية أخرى!
وعليه فأنا لا نتأمل مفاجأة كبيرة من الانتخابات القادمة، الأحزاب السياسية نفسها من تتنافس على الانتخابات البرلمانية، لكن 23 قائمة من أصل 88 قد تستطيع أن تحصل على مقاعد في البرلمان، عند تجاوزها ما يعرف بالعتبة الانتخابية.
ولكن هناك متغيرات دعائية سوف يشاع استعمالها بدلاً من الصحافة المطبوعة التي لم يعد لها تأثير كبير على الشارع العراقي مقارنة بالفيسبوك وتويتر أو الواتساب أو غيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، فقد سرقت تلك المواقع "الحظوة" من الصحف اليومية، وسحبت البساط من تحت أقدام السلطة الرابعة.
وأرى أن "مفعول" الانتخابات البرلمانية الحالية غير قوي، في ظل وجود 2.3 مليون نازح وغياب البيئة الآمنة في مناطق كثيرة من المحافظات المحررة، وانتشار السلاح السائب في المحافظات المستقرة نسبياً، وعدم اكتمال شراء التقنيات الخاصة بالعد والفرز الإلكتروني، والتلكؤ بإقرار الموازنة، وضعف أدوات مفوضية الانتخابات، وعدم حسم ملف التصويت الخاص بالنسبة لقوات الحشد الشعبي، وملف ترشيح حملة الشهادة الإعدادية..وقصر مدة الترويج الإعلامي، وضعف الرقابة والمحاسبة على المال السياسي القادم من خارج العراق، كلها عوامل قد تذهب بوهج الانتخابات.
وأتوقع أن تقل نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة عن 35%، خصوصاً في ظل تأثير المال الحكومي وعزوف البعض عن التصويت…
إن نصف من قاطعوا الانتخابات الماضية سيصوتون في الانتخابات المقبلة، وبالمقابل نصف من انتخبوا في الانتخابات الماضية لن ينتخبوا.
إن الأسباب التي دفعت لاتخاذ هذا الموقف المتناقض، يتصدرها عدم القناعة في الانتخابات الحالية، يليها عدم وضوح البرامج الانتخابية، إضافة إلى أسباب أخرى كعدم الاهتمام واليأس والكسل.
وأتوقع أن أعلى نسبة مشاركة ستكون في واسط وديالى وبابل، بينما أقل نسبة مشاركة ستتركز في بغداد وكركوك.
وأتوقع أن أصحاب الشهادات الجامعية هم أكثر المقاطعين، بينما سيكون غالب المشاركين من الموظفين الحكوميين وأنصار الأحزاب القديمة والكبيرة بسبب التحريض الديني والإغراء المالي .
ومن ملاحظة سريعة لأسماء المرشحين يتبيّن لنا توجهات الرأي السياسي ونسب القوى السياسية في المجتمع العراقي، ونسجل الملاحظات التالية:استمرار انقسام المجتمع العراقي طائفياً وقومياً بين سنة وشيعة، وعرب وكرد، وأكثرية وأقليات، وديني ولا ديني، وأن محصلة الانقسام بين السنة والشيعة، والعرب والكرد، هي الطاغية تقريباً!
سبق هذه الانتخابات تلاشي التحالف الوطني الشيعي وتحالف القوى السنيّة، وعن انشقاق في التحالف الكردستاني، لكنهم في غالب الظن سوف تجمعهم مصالح ما بعد الانتخابات من تشكيل الحكومة وتقسيم المناصب التنفيذية، ويستنتج من ذلك أن تركيبة البرلمان القادم لا تتيح حرية الحركة لأي حكومة قادمة في أي مجال من المجالات، مما يفيد بأن أي أزمة سياسية أو أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية قد تكرر مشاهد برلمانات 2010-2014، و2014-2018 الأمر الذي يؤكد الاعتقاد بأن العراق سيشهد نشاط الدعوة إلى الأقاليم من جديد واستمرار السلاح السائب وعدم التحسن الاقتصادي والبيروقراطي.
الحالة البرلمانية والحكومية الراهنة، ليست وليدة الصدفة! بل نتاج طبيعي لما يسمّى بـ"حمى الانتخابات"، الحكومات والبرلمانات السابقة لم تكن على أية حال في مأمن منها لثلاث دورات سابقة.
الفوضى السياسية في العراق منذ 2003 وهي تتحرك بانسيابية الأحداث وترابط حلقاتها، وكل التهم التي يتقاذفها الساسة، منتج لتلك الفوضى بشكل مباشر، أو نتيجة لحركة انسيابيتها.
زعامات الكيانات المسيطرة على الحكم والبرلمان في العراق، لديها تصوّر عن محددات السياسة الأميركية والإيرانية القادمة، فما بين نموذج ليبرالي وديني معتدل، وشراكة أميركية عسكرية وخليجية اقتصادية ودبلوماسية مع الآخرين ينشط الجميع من خلالها.
هناك دائماً خارطة طريق قادمة من إيران، تجمع الفرقاء الشيعة بعد كل انهيار، تعود معها الكيانات الشيعية إلى حجمها الطبيعي، وأعتقد أن من مصلحة البيت السياسي الشيعي القبول بهذا السيناريو في الوقت الراهن.
إيران ترى التنافس السياسي بين المالكي والعبادي يجب ألا يتسبب في إخراج رئاسة الوزراء من البيت السياسي الإسلامي الشيعي أو يشتت أصواتهم، وهناك مؤشرات عن احتمالية تحول منصب رئاسة الوزراء إلى شخصية من تحالف الفتح المقرب من إيران.
تحالف "سائرون" ممثلاً في مركزه الصدري-المدني يحاول تقديم النموذج السياسي كإصدار إسلامي مدني متطوّر غير منغلق أو متطرّف في مقابل برامج سياسية للتحالفات والكيانات الأخرى مهما كانت هويتها.
نفس الدور يمارسه كل من تحالف الوطنية وتحالف الحكمة وتشارك فيهما عدة كيانات سياسية وبثقافات وهويات متعدّدة بما فيها الدخول مع كيانات سنية دينية معتدلة لبناء قائمة عراقية تعبر فيها عن هويتها الوطنية.
من يراقب الأحداث مصطحباً الفوضى السياسية والحكومية يقف على تفسير منطقي لسياسات الكيانات الكبيرة في العراق؛ تقاسم السلطات وتعزيز المحاصصة وتقاسم الثروات.
التعقيدات في البصرة مقلقة بالنظر إلى الحوادث الأخيرة وتوسع عصابات الجريمة الاقتصادية، ولا يمكن مواجهة السلاح الثقيل للعشائر بشكل عسكري، الإقدام والمبادرة حتى الآن مفقودان بكل صراحة.
حينما اقترب الدكتور العبادي من البصرة لفرض القانون تدخلت قوى سياسية هامة لسبب واحد فقط يتلخص في خلط الأوراق وإطالة أمد الفساد لمجرد الاستحواذ على ثروات العراق.
كركوك وديالى، محافظتان يراد لهما ما أريد للبصرة من إنهاك واستهداف، القوى السياسية فيهما بغض النظر عن عقيدتها السياسية في مرمى استهداف أقطاب الصراع الإقليمي والقومي والطائفي.
في كل جولة انتخابات برلمانية يثبت الملف العراقي أنه ورقة صراع هامة على أولويات الأحداث الكبيرة في الشرق الأوسط، وبقدر التسويات الإقليمية يزداد الملف العراقي أهمية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.