كثيراً ما قيل وخطّ في كتب التاريخ حول دور المرأة في المجتمع، ولكن حالة المرأة في المجتمعات البشرية اليوم لا تزال مؤلمة.
وإذا لم يكن لدينا أي شك حول صحة هذه العبارات بأن "المرأة هي نصف المجتمع" أو أن "المرأة هي أيضا بشر"، فإن السؤال هو: "أين حقوق المرأة؟". ولماذا، جنباً إلى جنب التطور الاجتماعي، والتطور البشري لم يتغير الموقف من قضية المرأة بعد؟
وعند دراسة قضية المرأة في فترات مختلفة من التطور الاجتماعي (فترة العبودية والاسترقاق أو الإقطاعية والرأسمالية) وبصرف النظر عن الاختلافات الثقافية الصغيرة، فإننا نجد أنه كان لديهم موقف واحد تجاه المرأة.
في هذه الفترات وحتى في المجتمعات البرجوازية المتقدمة، فقد كان ينظر للمرأة على أنها سلعة، أي أن المرأة هي ملك الرجل ويتصرف بها كما يشاء؛ لذلك تبقى هناك قضية تاريخية لم تحلّ بعد.
لكن تاريخ البشرية يُخفي حقيقة في صدره فبرغم الخدمات القيّمة التي قدمتها النساء ودورها بعض الحالات التي لا مثيل لها في تقدم فترات التطور الاجتماعي، ولكن لم يكن بالإمكان إظهارها بسبب هذه القضية التاريخية.
اكتشاف هذه الحقيقة أن النساء يمتلكن الكفاءة والأهلية أكثر بكثير من الرجال (على الأقل لفترة واحدة) في توجيه وقيادة المجتمع وجلب الوعي الذكوري وسحبه نحو قبول قيادة النساء وسيطرتهن وتمهيد الطريق للرجال والنساء في النهوض بالمجتمع في المدارات الجديدة، هي ظاهرة من الضروري اتباعها أكثر من أي وقت مضى من أجل تحرر المنطقة من حلقات الأزمات المميتة والقاتلة؛ لأن العبور الناجح والآمن من هذه الأزمات يتطلب وجود النساء والرجال معاً حتى يتم التخلّص من القيود والشروط التاريخية المتعلقة بقضية المرأة.
وإذا ألقينا نظرة على ثورات العالم العظيمة أو بحثنا في أكثر الأحزاب السياسية المتقدمة في نقاط مختلفة من العالم، سوف نجد أنه بسبب نفس هذه القضية التاريخية لم تحصل النساء على حقوقهن المتساوية.
تكريماً لليوم العالمي للنساء فمن الضروري أن نلقي نظرة على موضوع النساء من منظور النظام الأصولي الإسلامي الحاكم في إيران من جهة، ومن منظور مقاومة الشعب الإيراني من جهة أخرى.
النساء في إيران تحت حكم الولي الفقيه هن أكثر الأشخاص تعرضاً للتعذيب والاضطهاد، وهن محرومات أيضاً من أبسط حقوقهن. ليس لديهن الحق في اختيار ملابسهن وغطاء رأسهن، وليس لديهن الحق في حرية التعلم واختيار اختصاصهن أو حق الحصول على الطلاق، أو حق الترشح لرئاسة الجمهورية أو حق أن يصبحن قاضيات.
قضية المرأة حساسة للغاية، فعلى سبيل المثال لم يتجرأ رئيس جمهورية الملالي حسن روحاني أن يشرك امرأة واحدة ضمن تشكيلات حكومته، والملالي من أجل فرض الحجاب الإجباري على النساء قاموا بإنشاء ٢٦ وزارة ومؤسسة قمعية خصيصاً لذلك وفي كل يوم يعتقل في إيران أكثر من 2000 امرأة.
في سجون هذا النظام البشعة يتم تطبيق أشد صور التعذيب والقمع ضد النساء وقتل حتى الآن عشرات الآلاف من النساء على يد الأجهزة القمعية الإيرانية.
وقد أعدمت السيدة ريحانة جباري، التي تعدى عليها أحد عملاء وزارة المخابرات التابعة للنظام، فريناز خسروي في حالة مشابهة ألقت نفسها من أعلى الشقة وتوفيت على الفور.
وينتحر عدد كبير من النساء الإيرانيات سنوياً في إيران تحت حكم الملالي ضد هذا الظلم وعدم المساواة؛ لأنهن أمام محاكم هذا النظام خاسرات على أي حال.
ومواضيع (التمييز الجنسي، الفصل بين الجنسين وجميع أنواع القيود الأخرى) تم إضفاء الطابع المؤسساتي عليها في دستور نظام الملالي.
المقاومة الإيرانية وبالاعتماد على هذه الحقيقة كانت قد انتخبت قبل 22 عاماً مضت السيدة مريم رجوي كرئيسة منتخبة.
هذا الانتخاب الذي أزعج بشدة قادة النظام الأصولي الحاكم في إيران؛ لأن هذا الانتخاب كان نقطة البداية في الطريق الذي يؤدي إلى انهيار أيديولوجية الملالي المعادية للنساء.
والإيرانيون وبخاصة النساء الإيرانيات يشجعون على النضال والوقوف في وجه الأصولية الإسلامية في مختلف المواقف والمشاهد.
بالرغم من أن النساء المناضلات والمجاهدات كنّ في طليعة المواجهة مع الأصولية الإسلامية طوال فترة حكم الملالي، فإن النهوض بالحركة النسائية وتعزيزها كانت وقبل كل شيء نتيجة محاربتهن واستشهادهن.
وهذا شأن جديد في نهوض المقاومة الإيرانية وتعزيزها لم يكن له أثر في داخل إيران فحسب، بل أحدث تغييراً كبيراً في المشهد الدولي أيضاً.
حيث إن الكثير من الناس حول العالم الآن يعتبرون السيدة مريم رجوي رمزاً للمواجهة مع الأصولية الإسلامية ويطالبون بتقديم الدعم لها.
المقاومة الإيرانية تحتفل باليوم العالمي للنساء كل عام، وتتضمن مراسم الحفل الذي يقام سنوياً بهذه المناسبة، وجود الآلاف من الشخصيات البارزة من النساء المناضلات والناشطات في مجال حقوق المرأة في العالم، وتعلن السيدة رجوي عن آخر الإنجازات التي حققتها المقاومة الإيرانية فيما يتعلق بهذه القضية التاريخية.
أعلنت رجوي في حديثها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة: هذا العام يوم المرأة هو يوم الكرامة والشرف، يوم السعادة والإعجاب وذلك لأن النساء الإيرانيات لعبن دوراً رائداً في خطوط المعركة الأمامية مع الأصولية التي هي عدوة لكل نساء العالم.
وفي إشارتها إلى الدور المشرق للنساء في انتفاضة الشعب الإيراني الأخيرة أيضاً قالت: إن النساء الإيرانيات لم يخرجن للشارع يردن شيئاً من النظام، لكنهن خرجن من أجل القضاء على نظام الملالي. النساء الإيرانيات لم ينتفضن من أجل المطالبة بحريتهن فقط بل انتفضن من أجل تحرير كل أنحاء إيران.
وأعلنت مريم رجوي في عام 1995 م عن خطتها فيما يتعلق بحريات المرأة والنساء: نحن نؤمن بالمساواة الكاملة للنساء والرجال في كل من الحقوق السياسية والاجتماعية والمشاركة المتساوية للنساء في القيادة السياسية.
والنساء سيتمتعن بحقوقهن في حرية اختيار اللباس وغطاء الرأس وحق الزواج والطلاق والتحصيل الدراسي والعمل.
وقالت أيضاً في حديثها: سجل 39 عاماً من تاريخ هذا النظام مليء بالتعذيب والقمع للمرأة الإيرانية، والآن تريد المرأة الإيرانية أن تطوي هذه الصفحة المظلمة من تاريخ إيران.
ولهذا السبب فإن الانتفاضة الإيرانية لم تكن فقط من أجل إسقاط نظام سياسي واحد بل كانت انتفاضة ضد الأصولية والرجعية الدينية التي جرّت المنطقة كلها إلى حمام من الدم؛ لأن الرجعية والأصولية التي ولدت في عام 1979 تزامناً مع بدء حكم الاستبداد الديني في إيران توفيت ودفنت مع بدء انتفاضة الشعب الإيراني الأخيرة.
وفي ضوء هذه الخطوة التاريخية الفريدة تألقت المرأة الإيرانية في الانتفاضة الأخيرة للشعب الإيراني وكسرت جدار الخوف والصمت، وقامت بدور لا مثيل له في توسيع واستمرار الانتفاضة.
هن من كنّ ينادين ويصرخن بشعارات "الموت لخامنئي" و"الموت للديكتاتور" و"أيها الإصلاحي وأيها الأصولي لقد انتهى الأمر" في جميع أنحاء إيران، وطوين صفحة ذهبية براقة في نضالهن من أجل إسقاط النظام وهن الآن مصممات -ولا سيما فئة الشباب- على تنفيذ الخطوات التالية للانتفاضة عن طريق تنظيم القوى وتشكيل مراكز الثورة، وعلى تحقيق المطالب المشروعة والشاملة للشعب الإيراني، يعني إسقاط النظام الإسلامي الأصولي، وتفكيك بسطاته والمتاجرة بالدين والأصولية وسفك الدماء التي سحبت إيران وكل المنطقة إلى حافة الموت.
وبفضل هذا الإنجاز أصبح النساء والرجال متحررين من هذه الأيديولوجية المدمرة ومستعدات للتضحية بكل ما يملكن من أجل النهوض والقيام بدورهن التاريخي في هذه المنطقة، ومستعدات لتقديم كل شيء من أجل كل الشعب.
ينبغي أن نؤمن بأن الغد المشرق في انتظار كل العالم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.