لم يكن مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي انعقد في الكويت مؤخراً برعاية البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى العراق والكويت، حدثاً عابراً كما يقول البعض داخل العراق وخارجه، بل كان حدثاً هاماً ومميزاً للعراق والمنطقة.
هناك من يحاول الاصطياد في المياه العكرة للإساءة للعراق، في محاولة مكشوفة للنيل من الحكومة العراقية.
هذه المحالات عكستها التغطية غير الدقيقة التي قدمتها بعض وسائل الإعلام الغربية والمحلية في العديد من عناوينها: "مؤتمر استجداء الأموال" أو "عرض العراق للبيع" و"مؤتمر المانحين"، متناسين أن هذا المؤتمر لم يكن يوماً عن المنح أو القروض بل لتشجيع الاستثمارات الأجنبية والعربية والعراقية لإعادة بناء ما دمره الإرهاب، وأنه للمرة الأولى منذ سنوات، نجحت الحكومة العراقية في حشد مراكز القوى والتأثير العالمية والإقليمية للوقوف مع العراق ليس فقط في مجال إعادة الإعمار بل دبلوماسياً وسياسياً وحتى إعلامياً.
نجحت الحكومة العراقية في الحصول على هذا الدعم الدولي والإقليمي من خلال عمل مبرمج ودؤوب ورؤية واضحة لمستقبل البلاد تجسّدت في الطرح الدقيق للاحتياجات والتحديات التي تواجه العراق في المرحلة القادمة.
رؤية بغداد للمؤتمر الذي شهد مشاركة واسعة من 76 دولة و107 منظمات دولية وإقليمية و51 من الصناديق التنموية والمنظمات غير الحكومية و1850 جهة مختصة من ممثلي القطاع الخاص هي لتعزيز الثقة بين العراق والمجتمع الدولي، ولعكس صورة حقيقية عن الأوضاع الأمنية وإمكانية جذب الاستثمارات في بلد خرج منتصراً من حرب.
وقد ساهمت دول ومنظمات عديدة بمبالغ لإعادة إعمار العراق، سواء على شكل قروض أو مِنَح أو فرص استثمارية، فالولايات المتحدة أعلنت توقيع اتفاقية بين مصرف التجارة الخارجية الأميركي والعراق، لمنح بغداد قروضاً بنحو ثلاثة مليارات دولار.
أما تركيا فأعلنت أنها ستخصص خمسة مليارات دولار للعراق على شكل قروض واستثمارات، بينما أعلنت الكويت أنها ستقدم للعراق مليار دولار على شكل قروض كما ستستثمر مليار دولار آخر للمساهمة في إعادة الإعمار، وأعلنت المملكة العربية السعودية استثمار 1.5 مليار دولار، وأعلنت قطر تخصيص حزمة من القروض والاستثمارات للعراق بقيمة مليار دولار.
وأعلنت بريطانيا تخصيص مليار دولار على شكل ائتمان صادرات على مدى 10 سنوات (إجمالي 10 مليارات دولار)، وتعهدت ألمانيا بمساعدات بقيمة 350 مليون يورو تقدم للعراق في 2018.
وقالت مفوضة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي "فيديريكا موغيريني": إن الاتحاد سيقدم 400 مليون دولار على شكل مساعدات إنسانية للعراق.
العراقيون لم يحرروا بلادهم فقط من الإرهاب بل كانوا خط الدفاع الأول عن المنطقة والعالم، وهذا ما أشاد به الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" الذي حضر المؤتمر وحثّ المجتمع الدولي على تقديم الدعم "بالسياسة والموارد" للعراق، وأضاف مخاطباً العراقيين: "العالم مدين لكم جراء نضالكم"، موضحاً: "حان الوقت لإظهار امتناننا الخالص والتعبير عن تضامننا مع الشعب العراقي".
العراقيون يبنون عراقاً جديداً
العراق المنتصر الذي عانى مالياً في السنوات الماضية من تراجع أسعار النفط، يتطلع إلى طيّ صفحة الحرب والانطلاق نحو إعادة العراق لوضعه القوي في المجتمع الدولي وفي المنطقة، وإطلاق العجلة الاقتصادية، مشرعاً أبوابه أمام الشركات الأجنبية والمستثمرين، استكمالاً لرؤية العراق لعام 2030 وخطة التنمية الوطنية العراقية 2018 – 2022، للمضي قدماً نحو الانتقال من مرحلة عدم الاستقرار إلى مرحلة إعادة الإعمار وتوفير الخدمات.
الحكومة العراقية أكدت التزامها بالاعتماد على الميزانية الاتحادية كمصدر رئيسي لتمويل إعادة الإعمار، على الرغم من حصول العراق على تعهدات من حلفائه، فإنه علينا الإقرار بأن التحديات التي تواجه عملية إعادة إعمار العراق تبقى كثيرة وربما أهمها الفساد ومحاربته.
رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي أكد هذا في كلمته أمام المشاركين في مؤتمر الكويت، وأصر على أن حكومته قادرة على محاربة الفساد التي وصفها بـ"الآفة الخطيرة" التي لا تقل خطورة عن الإرهاب، بل هي أحد الأسباب لنشوء الإرهاب.
بالإضافة إلى التصدي للفساد والفاسدين، فضلاً عن إطلاق الحكومة حزمة إجراءات لتحسين بيئة الاستثمار في العراق، ستظهر آثارها على تبسيط الإجراءات لأعمال المستثمرين.
وتعمل الحكومة العراقية على إزالة العقبات البيروقراطية التي تعرقل الاستثمار في البلاد واعتماد قوانين الاستثمار الدولية التي تقطع الطريق أمام كل محاولات الفساد والابتزاز.
وبالفعل وحسب تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2018 الذي صدر عن البنك الدولي وحمل عنوان "تكافؤ الفرص للجميع"، فإن بدء النشاط التجاري أصبح أكثر سهولة في العراق من خلال الجمع ما بين إجراءات التسجيل المتعددة واختصار الوقت اللازم لتسجيل الشركات، وذلك بسبب زيادة الموارد المتاحة في دوائر التسجيل، وتحسين نظام التسجيل الإلكتروني.
العراقيون قدموا تضحيات أبهرت العالم بتحرير أراضيهم وطرد داعش وجنّبوا المنطقة والعالم الكثير من الويلات والدمار، وها هم اليوم ينطلقون لإعادة بناء ما دمره الإرهاب، معتمدين في ذلك على مواردهم الذاتية، لكنه بالطبع يحتاج إلى دعم الحلفاء لحثّ الشركات الأجنبية على المضيّ قدماً نحو الاستثمارات في العراق مقابل حصول هذه الشركات على أرباح.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.