الجاه المفيد للمال

في مجال السياسة، فإن الاعتماد على هذه النخب الاقتصادية الطفيلية للعب الأدوار التي من المفروض أن يلعبها السياسيون تحت مبررات متعددة قد يشكل تهديداً حقيقياً للدولة، من خلال ضرب مصداقية المؤسسات وتيئيس المواطنين في العملية الديمقراطية برمّتها.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/12 الساعة 03:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/12 الساعة 03:28 بتوقيت غرينتش

بِلُغة بسيطة، وضع عبد الإله بنكيران، أمام الآلاف من أنصار حزب العدالة والتنمية، نهاية الأسبوع الماضي (السبت 3 فبراير/شباط 2018)، الإصبع على واحد من إشكالات الحكم في بلادنا والمرتبطة باستغلال السياسة للاغتناء ومراكمة الثروة وتنميتها.

في الحقيقة، لم يفعل بنكيران أكثر من تلخيص نظرية عبد الرحمن بن خلدون حول خطورة زواج المال والسلطة على استمرار الدولة، بِلُغة بسيطة يفهمها الصغار قبل الكبار.

يقول صاحب المقدمة في الفصل الخامس المعنون بـ"في أن الجاه مفيد للمال": "وذلك أنّا نجد صاحب المال والحظوة في جميع أصناف المعاش أكثر يساراً وثروةً من فاقد الجاه. والسبب في ذلك أن صاحب الجاه مخدوم بالأعمال يتقرب بها إليه في سبيل التزلف والحاجة إلى جاهه.. ولهذا المعنى كانت الإمارة أحد أسباب المعاش كما قدمناه، وفاقد الجاه بالكلية ولو كان صاحب مال فلا يكون يساره إلا بمقدار ماله وعلى نسبة سعيه وهؤلاء هم أكثر التجار".

إن "الجاه المفيد للمال" بلغة ابن خلدون أو "زواج السلطة والمال" بلغتنا المعاصرة يشكل تهديداً مزدوجاً للاقتصاد والسياسة.

فوصول نخب اقتصادية بشكل غير طبيعي إلى مراكز القرار والنفوذ، والإيحاء بقربها من الدوائر العليا يخلق جواً من عدم الثقة في مناخ الاستثمار، لا سيما في بلد مثل المغرب؛ حيث البنى الاقتصادية تقليدية، والإدارة غير فاعلة أو متحكم فيها، وحيث ما زالت منظومة العدالة تعاني من عدة أعطاب.

وبالتالي فبانعدام مناخ اقتصادي سليم يسمح بالتنافس الشريف أمام الجميع ويكافئ مَن يجتهد أكثر، لا يمكن للرأسمال "الجبان" أن ينمو ويتطور.

أما في مجال السياسة، فإن الاعتماد على هذه النخب الاقتصادية الطفيلية للعب الأدوار التي من المفروض أن يلعبها السياسيون تحت مبررات متعددة قد يشكل تهديداً حقيقياً للدولة، من خلال ضرب مصداقية المؤسسات وتيئيس المواطنين في العملية الديمقراطية برمّتها.

لقد جرب المخزن "الدولة العميقة" الرهان على هذه النخب الاقتصادية، كما جرب أيضاً الاعتماد على سياسيين متخرجين من دهاليز وزارة الداخلية، غير أن النتيجة كانت هي "الاختباء خلف القصر الملكي"، في الوقت الذي كانت فيه الظروف تقتضي من هؤلاء النزول إلى الشارع لتأطير الجماهير.

في المقابل، أثبت الواقع بما لا يدع مجالاً للشك أن النخب السياسية المنبثقة عن الإرادة الشعبية هي صمام الأمان في أوقات الشدة، كما أنها قادرة -لما تمتع به من مصداقية- على اتخاذ القرارات الجريئة بعيداً عن "حسابات البقال"، كما كان يقول بنكيران نفسه.

ويكفي هنا للاستدلال على ذلك بإصلاح صندوق المقاصة وأنظمة التقاعد وغيرها خلال الولاية السابقة.

وهي الإصلاحات التي ظلت الحكومات المتعاقبة تخشى الاقتراب منها، مخافة فقدان شعبيتها.

إن المواطن مستعد لأن يكون شريكاً في الإصلاح، وأن يتحمل جزءاً من تكاليفه شريطة احترام اختياراته وعدم التلاعب بأصواته.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد