الوياني مصطلح أُطلق في بداية الستينات في شمال إثيوبيا، والكلمة تعني الرافض أو المتمرد عن النظام، والبعض يصفها بالخارج عن القانون، وكان يطلق على أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير تقراي، التي بدأت النضال في تلك الفترة، وخرج مثقفوها ضد حكم الإمبراطور الإقطاعي هيلي سلاسي، والحكم العسكري للعقيد منقستو هيلي ماريام، ورفض النظام العسكري الديكتاتوري في إثيوبيا، وكان أول التحركات من داخل جامعة أديس أبابا، وفي تلك الفترة كانت تسمى جامعة هيلي سلاسي الأول، وكانت الانطلاقة بسبعة أفراد نالوا التدريب في المناطق الإريترية، ومنها كانت نقطة إعلان النضال المسلّح من أحراش ديدبيت في شمال غرب إثيوبيا بإقليم تقراي، والتي كانت مناطق للشفتة وقطع الطرق.
والشفتة هو مصطلح يطلق في مناطق السودان وإثيوبيا على مَن يقومون بقطع الطريق ونهب كل شيء، ومنطقة ديدبيت هي مناطق غابات كثيفة وجبال عالية، ولا يمكن أن يدخلها أي شخص إلا الهارب من النظام، أو مَن له بعض القضايا، وكانت الأسلحة التي بدأوا بها مراحل النضال الأولية قليلة جداً.
فكلمة (وياني) هي باللغة التقرنجة ودائماً ما تختصر في كلمة (وين)، وهي تعني المتمرد أو المعترض أو الخارج أو المتطوع للتصدي لفكرة، أو على شيء ما أو نظام ما، أو تعني أيضاً الشخص الذي وهب نفسه لقضية ما.
وكانت هنالك حركتان للوياني، هما حركة الوياني الأولى التي تطلق عليها باللغة التقرنجة (قدماي وياني) أو الويانيون الأوائل، ومنها اشتقت الحركة اسماً أو صفة للمناضلين القدامى.
وأطلق المصطلح على الجبهة الشعبية لتحرير تقراي، ومنهم مَن يطلقها بإضافة اسم القومية على الاسم، بالرغم من أنه ليس كل أفراد قومية التقراي أعضاء في حزب جبهة تحرير تقراي، فتجد الكثير يحاول ربط الاسم بالقومية، مثل (وياني تقراي) أي متمردو تقراي أو معارضة تقراي أو مناضلو التقراي.
هؤلاء الأفراد الذين يتهمهم المجتمع الآن بتصرفات أقلية منهم بأنهم يسيطرون على السلطة، وينتفعون من السلطة، وأنهم يعملون من أجل استغلال مناصبهم، قدموا خلال فترة وجيزة العديد من الجهود التي جعلت إثيوبيا تتقدم وتصل لمصاف الدول ذات الدخل المتوسط، وعملوا على تأسيس ائتلاف حاكم في البلاد في عام 1985م في منطقة تقراي، يضم أحزاباً ائتلافية ضمت ائتلافاً من قومية الأورومو وحزبها المتمثل في منظمة الديمقراطية لشعب الأورمو والمعروفة اختصاراً بـ (O.P.D.O) وحركة تحرير شعب الأمهرا المعروفة اختصاراً بـ(A.N.D.M)، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا المعروفة اختصاراً بـ(S.E.P.D.M)، وعدداً من الأحزاب المتضامنة مع الحزب الائتلافي (الحزب الحاكم الآن)، وذلك عقب أن تسنى لجبهة تحرير شعب تقراي أن تسيطر على مناطق كبيرة ومساحات واسعة من البلاد، وتعمل على دحر النظام العسكري الماركسي في إثيوبيا (1974 – 1991)، ولكن كانت الفكرة إنشاء كيان يضم كل الشعوب الإثيوبية.
كانت الحركة في بادئ الأمر تعمل بالتعاون مع جبهة تحرير شعب إريتريا من أجل التعاون على دحر النظام العسكري الإثيوبي، ولكن ما قامت به جبهة تحرير شعب إريتريا في فترة الجفاف من أدوار حاولت من خلالها أن تعرقل حركة سير المواطنين المتضررين من الجفاف، الذي اجتاح إثيوبيا للسودان، والخروج من مأزق الجفاف الذي ضرب شمال البلاد في عام 1984، وذلك خلال محاولة الحركة ترحيل المواطنين للأراضي السودانية عبر الأراضي الإريترية التي تم تحرير جزء منها بالتعاون ما بين الحركتين، إلا أن رفض الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا مرور مواطني شمال إثيوبي عبر أراضيها كان من الخلافات التي أدَّت لظهور انقسامات داخل الحزب، وظهور تيار مناهض للعمل والتعاون مع جبهة تحرير شعب إريتريا، وكانت طائرات النظام الإثيوبي آنذاك (الحكم العسكري) تلاحق المواطنين بقذفهم من أعلى بالطائرات في وقت لا تتوفر فيه المياه والطعام، ومات العديد من المواطنين على مشارف المناطق الشرقية للحدود السودانية، ولم يصل لبر الأمان إلا القليل، الذين تم إيواؤهم في المعسكرات التي تم إعدادها، بالتعاون مع الحكومة السودانية ومنظمة الأمم المتحدة.
قيادات متعددة
كانت للحركة العديد من القيادات التي قدمت جهوداً جبارة في تدعيم نشاط الحركة، وعملوا على تثبيت العمل النضالي في الحركة، وقدموا جهوداً جبارة في استقطاب العديد من الأفراد، ومع مرور الوقت وعقب انطلاق النضال المسلح، منهم مَن استشهد أمثال موسى وقيتاجو سحول وأفراد آخرين تخليداً لهم تسمى المناضلون المتبقون بأسمائهم مثل ملس وآخرين، ومنهم مَن اختلف في المسار مع القيادات، وقرر الخروج من الحركة، أمثال أرقاوي برهي، ومنهم مَن واصل النضال وما زال يعمل، وكان له دور في الحراك السياسي في البلاد مثل: ملس زيناوي وسيوم مسفن وأبا سهاي وسبحات نقا دبرصيون قبر ميكائيل وبرخت سيمون وبرهاني قبر كرستوي وأزيب مسفن وقدسان نقا ورومان قبري سلاسي وفتلي ورق وآباي ولدو وآخرين.
الانفراد بالسلطة
لم تفكر الحركة في تلك الفترة أن تنفرد بالسلطة بالرغم من أنها كانت لها قوات تستطيع بموجبها أن تسيطر على جميع إثيوبيا، وخاصة ما حققته من نصر متواصل على الحكم العسكري في جميع المناطق والولايات الإثيوبية التسع في تلك الفترة، ولكن كان الهدف هو إقامة نظام ائتلافي تشارك فيه كل الشعوب الإثيوبية، والذي جاءت بموجبه فكرة الدستور الحالي الذي وضع في العام 1995 بمشاركة عدد كبير من الخبراء والأحزاب التي قدمت لها الدعوة للمشاركة في تلك الفترة، ما عدا الحكومة العسكرية التي كانت قد انتهت وتفرق أعضاؤها ومنهم مَن أُسر، ومنهم مَن هرب لخارج البلاد.
التحرّر من براثن العبودية
في تلك الفترات التي بدأوا فيها النضال كانت هنالك قبائل أو قوميات إثيوبية لا تجد حقوقها في كل شيء، بل كانت هنالك من القبائل من تستعبد ولا ينظر إليها أو لأفرادها كالبشر، وكانت هنالك درجات ومراتب لكل القوميات، وحتى التعليم كان حكراً على أفراد وأسر معينة، وكانت هنالك العديد من الصفات التي تطلق على البعض بألفاظ وأسماء لا تليق أن تطلق على بشر، ووصل الأمر أن كانت هنالك فترة لا يتحدث فيها الشخص بلغته خوفاً من الأسر، وكان الشخص يخاف أن يتحدث بلغته أو بلغات محددة حتى لا تؤخذ عليه أي عبارة أو يتم تصنيفه من قومية محددة.
قدمت الجبهة العديد من الجهود في العديد من القطاعات التعليمية والصحية والاقتصادية والسياسية حتى وصلنا لوقت أصبح الإثيوبي يخرج للشارع ليطالب بحقوقه في أي وقت، الشيء الذي كان غير متوفر في أقرب الأنظمة التي مضت، فصاحت الشعوب تطالب بالحقوق حتى في أشياء لا أساس لها في الأصل مثل المسميات التي تطلق حتى على كل شيء (الشارع – المدينة – الحي – المنطقة – المدن)، وذلك بمفهوم أن منطقة كذا تقع في إقليم كذا، وهي تخص قومية كذا، ويجب تسميتها حسب مفاهيم القومية المحددة، كل هذه الثقافة التي أصبحت سائدة في وقتنا الحالي داخل المجتمع الإثيوبي هي نتاج للحقوق التي منحها الدستور الإثيوبي، الذي يرفضه البعض بالرغم من أنه نتاج لحراك قوي بين كافة الشعوب الإثيوبية.
شرارة الثورة
انطلقت الثورة الأولى من تقراي حتى تحررت كافة البقاع الإثيوبية في وقت كانت فيه بقية المناطق وشعوبها في سبات عميق كأنهم قد اندمجوا مع واقع النظام الديكتاتوري للعقيد منقستو، وكان يمكن لحركة الوياني أن تفرض سيطرتها لوحدها على كل أرجاء البلاد، وتقدم تجربة تتحمل كافة أعبائها دون أن يكون معها شريك غير واضح المسار والاتجاه، ويعمل بعض منهم على تأجيج الصراع من أجل مكاسب خاصة، ولا يؤمن بفكرة القوميات الإثيوبية ولا الدستور الذي كانت له إسهامات في إخراجه حتى إن فشلت تلك الفكرة كان من الممكن أن تكون تجربة قد تصبح نموذجاً للآخرين، ماذا قدمت تجربة الائتلاف الحاكم لإثيوبيا سوى الاختلاف على نقاط ووجود كوادر لا تؤمن بالقضية والفكرة التي نشأت من أجلها الحركة، فالكثيرون انضموا من أجل المصلحة الشخصية التي أصبحت إحدى المشاكل التي تواجهها البلاد، والتي عملت على دخول العديد من أصحاب المصالح الشخصية الذين لا همّ لهم سوى التربح غير الشرعي من خلف المناصب، الشيء الذي خلق نوعاً من التحديات التي تواجه الحكم في البلادً متمثلاً في سوء الإدارة ومشاكل الحكم الرشيد والفساد التي بدأت تظهر عقب ابتعاد القيادات القوية في الحزب، وحلت محلها قيادات ضعفت في مواجهة القضايا التي تشهدها البلاد.
مساوئ ومحاسن
لكل حركة عندما تبدأ الانطلاق وتحاول السيطرة على الأوضاع السياسية في البلاد أو عندما تواجه العديد من العقبات، فلها محاسن ومساوئ، وكانت للحركة العديد من المحاسن التي تذكر في العديد من الأدبيات السياسية في الثقافة الإثيوبية، وهنالك مساوئ لم تذكَر كثيرة مثل الانقسامات بين أفراد الحركة، والتصفيات التي كانت في أول أيام الحركة، وكانت لجبهة تحرير إريتريا دور فيها ومحاولتها إضعاف الحركة والسيطرة على قياداتها، والعديد من النقاط التي يطول ذكرها، منها إبعاد الكوادر خلال تكوين لوبي داخلي في الحزب، والتنازل عن العديد من المبادئ والنقاط الرئيسية التي قامت الحركة من أجلها في بداية مرحلة النضال، الذي أصبح الآن مرتبطا بالإقليم وقضاياه.
السياسة الخارجية
ظلت السياسة الخارجية للبلاد منذ أن سيطرت الجبهة على الأوضاع تتأرجح ما بين الغرب والأفارقة، ولكن ظلت العلاقة حسب الحراك السياسي للمنطقة تارةً تعادي وتارةً تقف إلى جوار بعض القضايا، ولكن البعض يتهمها بأنها مهددة لأمن المنطقة في ظل العلاقات المتطورة مع الغرب، الشيء الذي يراه العديد من الخبراء والمحللين بأنها التي تحدد علاقتها بدول الجوار وموقف إثيوبيا من القضايا الإقليمية والدولية.
ولكن تظل للحركة علاقة قوية جداً مع السودان، وذلك للدور الذي لعبه السودان في دعم وتمويل الحركة، والحراك الذي كانت تقوم به الحركة من داخل الأراضي السودانية، والمعسكرات التي تضم اللاجئين الإثيوبيين في الأراضي السودانية (تواوا – أم قلجة – سفاو – الشقراب)، والتي كانت تقوم الحركة فيها بتجنيد الإثيوبيين من داخلها ويتم إدخالهم إلى الحدود الإثيوبية، وفيما بعد كانوا دعامة للحركة ضد النظام الأحمر الإثيوبي (مقاتلين أساسيين في صفوفها).
وكان للسودان دور كبير من خلال تمرير المؤن للإقليم الشمالي عبر أراضيه وموانيه (ميناء بورتسودان)، وكانت أغلب الصفقات تتم داخل المناطق الشرقية للسودان، والكثير من المؤن التي كانت لا تستطيع الحركة إيصالها إلى الأراضي الإثيوبي يتم بيعها للتجار السودانيين في مدن شرق السودان، ويتم تغيير العديد منها لسلع أخرى، وهنالك رجال أعمال سودانيون كثر كانت لهم علاقات تجارية مع الجبهة الشعبية لتحرير تقراي.
في آخر أيام النظام العسكري منح العديد منهم فرصاً للاستثمار في إثيوبيا، وكانت لهم أدوار في الحراك الاقتصادي في إثيوبيا في الفترة الأولى لحكم الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية.
هل سيتغير الوضع الآن؟
فيما يبدو فإن الأوضاع الآن في إثيوبيا جديرة بأن تتغير في ظلت التوترات والتدخلات والتحديات التي تواجه الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، وخاصة في ظل ضعف قيادات الحزب الحاكم، الذي يبدو بداخله بوادر الانقسام الداخلي في ظل ضعف الإيمان لدى بعض القيادات بمبادئ وأفكار الحزب والسياسة الاستراتيجية التي تعمل على ضوئها الحكومة، وظهور تكاتف حزبي للمعارضة التي توجد في الخارج، فالوضع يوضح أن جبهة تحرير شعب تقراي تتحمل العبء الأكبر الآن، وكافة الخلافات تقع على عاتقها، فهنا لا بد من بعض النقاط لمواصلة الجبهة لقوتها، وهي إما أن تنفرد بالسلطة خلال المراحل القادمة لوحدها وتقود البلاد، وتعمل على تصحيح الأوضاع ومجابهة التحديات، أو تصفية الائتلاف القديم وتكوين ائتلاف آخر يضم عدداً من الأحزاب الأخرى التي كانت خارج التشكيلة الحكومية السابقة، أو على أن تتحمل بنفسها أوزار الحكم في البلاد وتواصل نضالها بصورة قوية، وهذا قد يخلق تحالفات عديدة ضدها داخلياً وخارجياً.
المرحلة القادمة قد تشهد تغيّرات في الخارطة السياسية الإثيوبية، مما قد يوضح مسار البلاد السياسي خلال المراحل القادمة، وظهور قيادات جديدة تقود البلاد والحركة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.