الرقة ومتطلبات الحياة الجديدة

على مدى سنوات حكم البعث، نالها الظلم وسمّاها البعث بالمدينة النامية، أي تخلفت عن الالتحاق بركب شقيقاتها الأخريات في المجال النهضوي، فلا وزراء من أبناء المدينة ولا مسؤولين عسكريين أو حكوميين، مدينة مهمّشة حتى في نشرة الأحوال الجوية التي كان التلفزيون الحكومي يبثها، لم تجد لها موقعاً على الخارطة الجوية السورية.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/24 الساعة 04:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/24 الساعة 04:48 بتوقيت غرينتش

محاولة للحفاظ على الرقة التي اعتدت عليها

لن أعود إلى الكتب الجغرافية للتعريف بموقع المدينة، لا ولن أستلهم بعض الأفكار من كتب التاريخ حول المدينة وماهيتها الديمغرافية، فالرقة هي خارج الحسابات السياسية والصراعات الداخلية، خارج لعنة الثروات الباطنية، هكذا أفهمها.

أبناء المدينة الذين اجتهدوا، إعلامياً ومن قبل ثورياً وإغاثياً واجتماعياً، وقبل كل ذلك وطنياً سياسياً، يكتبون تفاصيل حياة المدينة ويدوّنون أحداثها الفارقة، وبين الحين والآخر تصدر لهم روايات أو كتب تجسّد مدى حبهم وانتمائهم لهذه البقعة الجغرافية من الكون.

على مدى سنوات حكم البعث، نالها الظلم وسمّاها البعث بالمدينة النامية، أي تخلفت عن الالتحاق بركب شقيقاتها الأخريات في المجال النهضوي، فلا وزراء من أبناء المدينة ولا مسؤولين عسكريين أو حكوميين، مدينة مهمّشة حتى في نشرة الأحوال الجوية التي كان التلفزيون الحكومي يبثها، لم تجد لها موقعاً على الخارطة الجوية السورية.

طيبة أرضها وبساطة أهلها، وسمات ومتفردات أخرى تمتاز بها الرقة، تؤهلها لأن تستعيد عافيتها، وأن تنفض من على بدنها غبار السواد كما وعدت وفعلت بتمزيق رداء الاستبداد الآثم.

منعطف ثالث يعيشه الرقاويون الآن، محطة ثالثة، هي كعادة السابقات ذات ملامح واستراتيجية خاصة، إلا أنني شخصياً أراها أي المحطة الحالية، مختلفة وقابلة للاقتراب مع بعض التعديل من واقع قد يكون منطقياً؛ إذ إن مقولة إن المظلوم يجب ألا يظلم، قد تكون رديفاً للعمل التقاربي.

خلال متابعتي ومن خلال محاولاتي كابن لهذه المدينة، سوف أحاول طرح مجموعة من النقاط التي لربما تساعد في تخفيف الاحتقان الذي يتواجد في مكان ما منها، هذه النقاط ليست جميعها نتاجاً فكرياً للأمانة، وإنما حصيلة نقاشات ومتابعات تكللت بالتواصل الدائم مع الفاعلين في الميدان، وهذه النقاط هي:

1- الدعوة لعقد مؤتمر عام لجميع أبناء المدينة، تكون الدعوة مفتوحة ويكون النقاش والحوار بطريقة عقلانية، استيعابية وغير إقصائية.

2- التخفيف من القيود المفروضة على عمل منظمات المجتمع المدني.

3- على الإدارة الذاتية أن تولي أهمية أكبر لدور ومكانة الشخصيات العشائرية في المدينة وإبراز الاحترام الكافي لهم، باعتبارهم ممثلين واقعيين لشريحة مجتمعية في المدينة.

4- خلال السنوات السبع المنصرمة، برز الكثير من أبناء وبنات الرقة كناشطين وثوريين ووطنين، يضافون إلى سجل الرقة المشرّف من نخب وطنية وسياسية عريقة.

هؤلاء يجب ألا يتم إقصاؤهم، بل يفترض أن تتم محاورتهم واكتسابهم كقيمة وطنية هامة.

5- موضوع المعتقلين، يجب على قوات سوريا الديمقراطية أن تلتزم بالجانب القانوني أكثر، وأن تعمل في إطار قوننة لأعمالها، ولا ننسَ أن الكثير من الأسر تنتظر بفارغ الصبر معرفة مصير أبنائها الذين كانوا معتقلين لدى تنظيم داعش.

6- فيما يخص موضوع التجنيد الإجباري، هذه النقطة توجب إيلاء أهمية خاصة وكبرى، وذلك للحيلولة دون عودة التنظيم أو النظام كي لا يترافق مع عودتهم حالات من الانتقام والتصفية والاغتيالات والاعتقالات، هنا مكمن الخطر، وهنا الواجب على أبناء المدينة حماية مدينتهم عسكرياً، وما يطرح من خلال واجب التجنيد الإجباري من قِبل الإدارة الذاتية، يتوجب إعادة النظر فيه وإعادة صياغته بما يتوافق مع خصوصية المدينة.

7- وجوب أن يكون الباب مفتوحاً للجميع للمشاركة في إعادة إعمار مدينته، والمساهمة في مجمل النشاطات والفعاليات الحالية والمستقبلية في المدينة.

كانت الرقة تمتاز بوحدة النسيج المجتمعي، لدرجة أن جميع الذين احتضنتهم المدينة من أبناء المدن والمحافظات الأخرى كانوا يجيدون التحدث بلهجة المدينة تقريباً، ولا أرى ذلك إلا من باب الود والسعادة في العيش في هذه المدينة.

8- هناك نقد لأحوال اللاجئين في المخيمات، وشكوى من سوء الأحوال والمعاملة.

9- ملف نزع الألغام، ما زال يشكل هاجساً كبيراً، فضلاُ عن حصده للأرواح بشكل يكاد يكون يومياً.

إن الأرواح التي بُذلت لتحرير المدينة، وما يبذل الآن من جهود لإعادة الحياة للمدينة، تعتبر لبنات أساسية واجبة البناء عليها.

نعم أيها البعث، إنها مدينة نامية، ولكن ليس بقدراتها الحضارية، وإنما نامية في خلافات واختلافات أبنائها الأصليين والمكتسبين.

في أحد أيام التاريخ الغابرة، حدثت في صفين معركة الفتنة الكبرى، حدثت على ضفاف الرقة، كلي أمل ألا يفتح المارقون صفحات التاريخ مجدداً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد