وحده الهواء الطلق – بنسائمه العليلة العذبة – الذي حصل على تأشيرة الدخول هذا الصباح، دخل دون أن يدفع إتاوة لا قليلة ولا كثيرة، غافل جميع حراس المعبر المتربصين، كما لم ينتبه له أصحاب النفوس الضعيفة من تجار الدماء المتاجرين بأقوات الناس، غافلهم جميعاً وتسلل بسرعة وبراعة لاتوصف.
دخل هذا الصباح متحدياً ومتجاوزاً كل الحواجز البشرية والإسمنتية، ومتخطياً كل العقبات التي تقف سداً منيعاً في وجه كل مَن يحاول التخفيف من معاناة الأهالي المقهورين.
في سوريا، شرقي العاصمة دمشق، في بقعة صغيرة تسمى الغوطة الشرقية، يحاصر نظام الأسد حوالي نصف مليون إنسان، نظامٌ لا يعرف للإنسانية معنى ولا للرحمة عنواناً، فمنذ ما يزيد على الأربع سنوات قام نظام الأسد وداعموه بإطباق الحصار على الغوطة الشرقية ومنع الأهالي من الدخول والخروج، فأغلق كل شرايين الحياة والطرقات الرئيسية والفرعية المؤدية إليها، وأبقى على معبر وحيد ليتحكم بدخول المواد الأساسية ومتطلبات الحياة، ويحارب الناس بلقمة عيشهم، فتارةً يغلق المعبر وتارةً أخرى يسمح بدخول بعض البضائع، ولكن بإتاوة عالية جداً تصل لعشرات أضعاف سعر المادة الأصلي، ممارساً بذلك أشنع السبل اللاأخلاقية للنيل من عزيمة أهالي الغوطة لإخماد ثورتهم وإرغامهم على العودة للعيش تحت وطأة الظلم والطغيان الذي خرجوا من أجل التخلص منها.
سبع سنوات من الثورة السورية لم يترك فيها نظام الأسد سلاحاً إلا وجربه على الشعب الأعزل على أمل أن يُحكم سطوته الأمنية من جديد، فباتت المدارس والمراكز الطبية والمساجد والأسواق الشعبية والتجمعات السكنية أهدافاً لمدافعه وصواريخه وطائراته الحربية بقنابلها الفراغية والارتجاجية، ولم يكتفِ بتلك الأسلحة فحسب، بل استخدم القنابل العنقودية والنابالم الحارق والأسلحة الكيميائية وكلها محرمة دولياً، فيومياً يرتكب المجازر البشعة بحق الأطفال والأبرياء من المدنيين في سعي حثيث من نظام لا يعرف معنى الحياة لقتل كل ما هو جميل فيها.
قتل الأبرياء، جرحى ومعتقلون، تجويع الأطفال والنساء والشيوخ، تهجيرٌ وتشريدٌ للآمنين، دمار هائل للبنية التحية، كل هذا ونرى الدول العربية لا تحرك ساكناً، إلا بالدعاء على المجرم، وإطلاق عبارات الشجب والاستنكار على ما يفعله بشار بالشعب السوري، أما الأمم المتحدة فتكتفي بالقلق، وعندما يؤرق هذا القلق ضميرها ترسل بعض المساعدات الإنسانية! – التي لا تكفي لأيام قليلة – في محاولة لتخدير الشعب المكلوم النازف، متغاضية عن كل أفعال طاغية العصر.
أما الدول "العظمى" فتنظر بصمت كعجوز مُقعدة، وكأنهم لا يعلمون مَن الجاني ومَن الضحية، وعندما تفكر تلك العجوز بالتحرك على كرسيها المتحرك المكسور، نراها تعقد مؤتمرات دولية واجتماعات طارئة لتبحث عن حل للقضية السورية، فيخرجون بتوصيات تنص على ضرورة إبعاد الأسد عن السلطة ووجوب محاسبته على "جرائم الحرب" التي ارتكبها بحق الشعب السوري الأعزل، ولكن كل هذه التوصيات لا تتعدى عتبة قاعة الاجتماعات؛ ليتم تأجيل اتخاذ القرار حتى انعقاد المؤتمر القادم المزمع عقده بعد أشهر.
وكل ذلك على حساب دماء السوريين، ليظهر للشعب السوري أن الدول العربية والمجتمع الدولي متآمرون مع نظام الأسد على قتله وتشريده وسلبه أغلى ما يملك، وهي الحياة الحرة الكريمة، فهم إن لم يدعموه بإجرامه علناً، فهم شركاء بتعاميهم عن جرائمه بحق المدنيين العزل من الأطفال والنساء والشيوخ، فجميعهم يدورون في حلقة مفرغة بحثاً عن الحل المعروف لدى الجميع.. "عندما يوقف القاتل يتوقف القتل".
فإذا لم تتحرك ضمائر العالم النائمة، ولم تتم محاسبة الأسد وداعميه على جرائمهم، فستبقى القضية السورية وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء، وبالأخص دعاة الحضارة والمدافعين عن حقوق الإنسان والداعين إلى السلام.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.