المحرومون من العيدين

قصة المحروم من العيدين فهي تشير إلى ذلك الذي لا يستثمر ما بيده، بينما تراه من باب التمني معوّلاً على حتمية الوصول إلى ما كان يرنو إليه، ولكنه بعد أن فَقدَ ما كان يمتلك لم يحصل على ما تمنى الوصول إليه، وهكذا حُرم من نعمة الأوّل والآخر، وهذا بالضبط ما حصل لسكان حي الشيخ مقصود في مدينة حلب السورية.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/22 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/22 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش

"رقص على السلم لا الذين في الأعلى.. رأوه ولا الذين في الأسفل شاهدوه" – مثل مصري

من البديهي بالنسبة للمحتكِم إلى ميزان الموضوعية والمتطهِر من مخانق الأدلجة، النظر إلى السياسي الذي يبني جُل مجده التصريحاتي على التوقعات فيما هو عملياً لا يقرأ شيئاً من إحداثيات الأرض وما عليها، بأن حالهُ حال أي منجِّم يُسهم في تشويه وعي الناس من خلال وهم التكهنات، وأن وضعهُ ليس بأفضل من وضع البصّارات البائسات، المتسكعات في كورنيش الروشة ببيروت.

إلاّ أن الفرق المبين بينهم، هو أن تلك البصارة تتخذ من الأرصفة قاعدة دائمة لمشروعها الاعتياشي، بينما السياسي يكون الإعلام منصة دائمة لاِنطلاقاته صوب هواجس الجماهير، والبصارة من كل بُد ضرر تخميناتها يظل سطحياً وشخصياً وفي محيطٍ ضيّق، بينما السياسي فممكن أن تطال أضرار أقواله وتصريحاته ومواقفه قطاعاً واسعاً من الناس، إن لم نقل المجتمع برمته.

أما قصة المحروم من العيدين فهي تشير إلى ذلك الذي لا يستثمر ما بيده، بينما تراه من باب التمني معوّلاً على حتمية الوصول إلى ما كان يرنو إليه، ولكنه بعد أن فَقدَ ما كان يمتلك لم يحصل على ما تمنى الوصول إليه، وهكذا حُرم من نعمة الأوّل والآخر، وهذا بالضبط ما حصل لسكان حي الشيخ مقصود في مدينة حلب السورية.

ذلك الحي الذي كان تحت سيطرة الفصيل العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي؛ إذ بالرغم من عدم براءة الحزب من العلاقة مع النظام على مدى السنوات الماضية، إلا أن سكان ذلك الحي الكبير حُرموا من أية معونات أو مواد إغاثية تأتي من منطقة النظام، وبنفس الوقت لم تكن الفصائل العسكرية للراديكاليين تسمح بدخول المواد الغذائية إلى مواطني ذلك الحي بحجة أن المتحكمين بالحي لهم علاقة بالنظام، وهكذا انحرم الأهالي من خيرات طرفي المعادلة بسبب السياسة غير الموفقة للحزب الذي ادّعى بأنه حيادي، فيما أنه لم يستطِع أن يحيّد نفسه ومواطني الحي معه عن أسباب الخراب كما فعل المسيحيون والأرمن في مدينة حلب والدروز في محافظة السويداء، وذلك باعتبار أن القذائف التي سقطت على حي الشيخ مقصود بحجة التعامل مع النظام كان من الممكن أن يتم تحرير عُشر مناطق بالذخيرة التي أفرغت على بيوت الفقراء في ذلك الحي العشوائي.

وهكذا فلا استطاع الحزب أن يستفيد من علاقاته التكتيكية مع النظام من جهة، ولا مع الكتائب المسلحة من جهة أخرى، بما أن الجيش الحر الذي دخل الحي في تاريخ 28 مارس/آذار 2013 كان شريكاً للحزب في إدارة شؤون الحي من خلال المخفر المشترك بين وحدات الحماية الشعبية ولواء أحرار سوريا من طرف الجيش الحر!

ولكن مع كل تلك العلاقات بقي الحي محروماً من المساعدات الإنسانية من قِبل النظام، وكذلك من قِبل الكتائب المسلحة إلى تاريخ 15 ديسمبر/ كانون الأول 2017، حيث دخلت ولأول مرة المساعدات الإنسانية من منطقة النظام إلى الشيخ مقصود، وطبعاً بعد أن تقهقرت الكتائب المسلحة وانسحب الإسلاميون وما تبقى من الجيش الحر من مدينة حلب كلياً، وذلك بموجب الاتفاق مع النظام وانتقالهم تالياً إلى محافظة إدلب، حيث دخلت قافلة المعونات الأخيرة إلى الحي بعد مفاوضاتٍ بين مسؤولين من النظام ومسؤولين من حزب الاتحاد الديمقراطي PYD عبر سماح الأخير لدخول قافلة المساعدات الإنسانية إلى الحارة.

إذ في الوقت الذي كان يعيش فيه سكان الحي في حالة خناقٍ مطبق من جميع الجهات، ويُحرم ساكنو الحي من أدنى مقومات الحياة بفضل الحصار المزدوج من قِبَل النظام والمعارضة، وحيث كان الصليب الأحمر يقوم بواجبه من ناحية توزيع المساعدات في مناطق النظام، وفي المقابل كانت المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار تتدفق إليها المساعدات الغذائية من عشرات المنظمات الخليجية والتركية، بينما كل سكان ذلك الحي بسبب ذبذبة الحزب وعدم وضوح استراتيجيته ظلوا محرومين من المواد الإغاثية التي كانت تتدفق على طرفي الصراع، أي النظام والمعارضة، علماً أن الحزب كان قد جعل من نفسه وصياً على الحي منذ بدء تسليح الثورة ولم يقبل بشريك له باستثناء مَن كانوا في مقامه من الكتائب المسلحة.

وبما أن الهم العام نحسبه مسؤولية كبيرة جداً؛ لذا فمنذ يفاعتنا كنا مؤمنين بأن مَن يتقدم الناس عليه أن يكون مصدر خيرٍ لهم، وحتى إن لم يكن الفرد مصدر خير للغير فعلى الأقل ألا يكون وبالاً عليهم، وبقيت أرى بأن على المناضل ألا يقبل بأن يكون مجرد قِراد انتهازي جشع يتسلق جذوع العامة؛ ليصل إلى مراده من خلال التغذي على أبدانهم؛ وبناءً عليه نرى أن ما يسري على الأفراد هو لا شك يسري على الجمعيات والمنظمات والأحزاب أياً كانت الأحزاب التي تدّعي أنها تمثل نبض الشارع أو تنطق باسم الجماهير، في حين أن الوقائع تشير إلى أنها لا تحقّق لهم أدنى ما تفعله الطبيعة بالموجودات على أديم المسكونة، وأنها لم توجد لخدمتهم قط بل وكأنها وُجدت لاستغلال الجماهير عبر لعق أجساد الأحياء من خلال التبرعات والضرائب، والأنكى من ذلك هو اللجوء إلى المقامرة بدماء الشهداء.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد