إن سيمفونية السنوات تتوالى مثل العزف على أوتار القيثارة، مثل انتقال الأصابع على البيانو، مثل حركة الريشة بين أوتار العود، كتصفيق الجمهور أيضاً.
فالأنغام لا تبقى مقيدة في آلاتها إنما تتحرر لأذن السامع، ولأن الأعوام تتوالى دون أن تتلاشى فحياة الجميع بازدياد متقدم سواء للأمام أو العكس.
يختلف العزف على آلات قطعتها شظايا الحرب؛ فإن العود بدون أوتار وعازف البيانو بدون أصابع، والسامع قد سلبت منه نعمة السمع، والأنغام بكماء، والمسرح بدون ستار؛ وأما الألحان حتى بيتهوفن لم يعرف أن يصغها فصاغها السوريون بثورتهم… فهل يمكن العزف على تلك الآلات؟ نعم يمكن لأن دوي الآلام أصبح جزءاً من سمعنا وبصرنا.
ها هي سنة 2018 تدخل مع موسيقى تعزف وتتكرر على آلات الحرب الضروس، على المقطوعة التي تسمعونها منذ سبعة أعوام إلى الآن، فهي من تأليف السوريين فكتبت بدمائهم، ولُحنت بأصواتهم، وتُعرض بأرضهم، وتسجل بذاكرتهم.
في هذه السنة ستكبر أعمالنا وتزداد هموماً، سيطول غيابنا وربما تتزايد هجرتنا وتتناقص أفراد عوائلنا أو تزداد، ستأتي 2018 واحدة على الجميع مختلفة على الأفراد فحياة السوريين لا تشبه حياة أحد قط.
فتلك الألحان تتوزع في الشام الجريحة وحمص المنكوبة وحلب المدمرة وحماة المنهكة والرقة المسلوبة وتدمر المحروقة وإدلب المحتلة ودرعا المكلومة والجولان المباعة ودير الزور المدماة ودمشق المغتصبة والغوطة المحاصرة، وما خفي أعظم، وما كتب أرحم.
سبع سنوات ويحاول الجزار كتم حناجرنا بالرصاص والكيماوي بكل شيء يستطيع أن يكم به الأفواه، سبع سنين ولم ينصرنا أحد، سبع سنين ولا غالب إلا الله.
كلنا نتساءل: ألم يحِن وقت سقوطه؟! ذلك الوحش المتوغل الذي ينهش شباب وطني، المجرم الذي استنكر أن القدس عاصمة إسرائيل وهو الذي باع الجولان لإسرائيل، المجرم الذي جعل سوريا عاصمة روسيا العسكرية، باع وطني وشرد أبناءه… لأجل كرسي رديء.
كم ازدادت الوعود في هذه السنوات؛ جنيف وأستانا وسوتشي والرياض! كم تعددت الأسماء والأجزاء، والسوريون ينتظرون ويموتون، وتزداد الأعوام مع ازياد الأسماء والأجزاء!
كم كان عبد الله بن أبيّ ابن سلول له أثر على جل الذين ساهموا بعرقلة الحلول السورية، لو أن فيكم أثر ابن الخطاب لما وصلنا إلى هنا.
كالأنغام يهبط السوريون في المقابر على الثرى، كانقطاع الأوتار تقطع أرواحهم، لم يختلف عليهم شيء سوى تجدد الأرقام.
سنة الثامن عشر بعد الألفين.. ستزيد من عمر الثورة وعمر الشهيد، والمعتقل المفقود، والمشتاق المحروم، والظالم والمظلوم، ستذكر وتزيد، ستكبر ستجدد، ستعطي وتحرم، ستفني وتبني، ستختلف على الجميع.
إن أنغام السنوات الماضية لا تزال تتردد على مسامعنا لتذكرنا بماضينا الذي اعتقدنا أنه قاسٍ أمام واقعنا الحالي، فللموسيقى أنواع عديدة فحتى الآلام تتنوع وتتجدد وتتمدد.
تتراكم الأعوام وأنا بعيد عن بيتي المنهمر المقصوف، منزلي الذي كلما مررت بجانبه أستنشق عبير الذكريات، داري التي استندت أقسامها السليمة على أقسامها المتراكمة، داري التي أقول في كل سنة سأعيد إعمارها بأذن الله، وسأبقى أردد ذلك ما دمت حياً.
ليس فقط أنا إنما الجميع بعيد عن بيته ووطنه وأمه.
يا أيها الأمان يا أيها النصر
لمَ ذهبتما وضللتما الطريق؟!
ألستم من حقنا أنتم
عودا إلى ديارنا
لعلنا نعيش آمنين مطمئنين
سبع سنوات وازدادت سنة ولم ينتهِ العرض الموسيقي بعد؛ لذا بات إصغاء المستمعين ضعيفاً؛ لأنه أصبح أمراً اعتيادياً فهم لا يصغون جيداً إلا حين تتعالى أصوات المجازر وما يعطوننا آذانهم إلا ليتقاعسوا ويديروا وجوههم عنا شهورا أو سنوات.
سبع سنوات عجاف، سبع سنابل يابسات، سبع بقرات نحال، سيتحقق الحلم وتبدو السنون اليافعات وتنبت السنابل الخضراء.. سيطرق الأمل أبوابنا حتى وإن لم نكن أحياء لنفتح الأبواب.. ستجيب جدراننا.
ولأن الشمس تشرق من الشرق منذ أكثر من 2018 سنة، ولا يمكن لأحد تغيير هذه الحقيقة العلمية، فإن شعب الشام هو مؤمن أن سيمفونية الثورة ستنتصر مهما طال عرضها وقلّ مستمعوها، ففي يوم ما سيرفع ستار الحرب، وتشرق شمس الأمان على وجوه أنهكها الانتظار.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.