تخيَّل معي كيف سيكون حالك لو شخّصوا لك حالتك الطبية، فوجدوك مصاباً بالإيدز أو السرطان.
تخيَّل معي لو كنت فتاة، وركبت الحافلة في السابعة مساء عائداً لمنزلك فوجدت نفسك وسط زحام الحافلة، والكثير من الأيدي في الظلام تتحسّسك من أعلى إلى أسفل.
تخيَّل لو أن مديرك أمرك بالزواج من ابنته من أجل الترقية، وإلا خسرت كل شيء.
تخيَّل معي لو كنت شاباً مجتهداً في دراسته، وحصلت على أعلى النقاط والدرجات، وانتهى بك المطاف عاطلاً عن العمل.
تخيَّل معي لو كنت فتاة، فوجدت أباك أو أخاك أو عمك أو خالك يتسلل إلى فراشك ليلاً، وأمك تدّعي النوم وهي تعلم بما يحدث.
تخيَّل لو كنت شرطياً، فتجد أمامك مديرك يصرخ في وجهك طالباً منك أخذ الرشوة وإلا سترسل إلى أقاصي البلاد في الصحراء القاحلة.
تخيَّل لو وجدت نفسك تحمل طفلك الرضيع بين يديك يبكي ويتوجع من ألم لا تعرف مصدره، فتدخل للمستشفى فلا تجد مَن يهتم لا لك ولا لصراخ ابنك.
تخيَّل لو رفض أبوك زيارتك أو التحدث معك أو حتى أن يرى مولودك الأول.
تخيَّل أنك ولدت وتسكنك هرمونات أنثوية لا قِبَل لك بالسيطرة عليها والتحكم فيها.
تخيَّل لو كنت أباً لخمس بنات فتزوجنّ كلهن وماتت زوجتك فبقيت لوحدك.
تخيَّل لو أن لديك ابناً معاقاً ذهنياً وتلزم بأن ترعاه ما دمتَ حياً.
تخيَّل لو أن التي أحببتها وتزوجت بها أو لم تتزوج لم تعد تثير أي اهتمام لديها.
تخيَّل لو كنت في المعتقل فلم يزُرك أحد يوم العيد أو قبله أو بعده.
تخيَّل لو أنك أُم لأربعة أطفال في زيارة لأحد أفراد عائلتك فاغتصبك وخطفك بعض الكلاب المسعورة، فقالوا لك أنت السبب لماذا خطفوك؟ ولمَ اغتصبوك؟
تخيَّل لو كنت تقود شاحنتك في الصحراء، وتمشي آلاف الكيلومترات ليلاً ونهاراً، فتنام في الخلاء تتقلب برداً ومعاناة وزوجتك المصون تتقلب فوق فراشكما مع أحدهم.
تخيَّل لو عشت في فقر مدقع طيلة العشرين سنة الأولى من حياتك، فلاحت أمامك فرصة للاغتناء من كل ما هو حرام.
تخيَّل لو كنت امرأة عاشت مع زوجها ثلاثين سنة من الكفاح، فما أن تيسر الحال حتى ذكرها بالآية الكريمة التي تقول: "فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ".
تخيَّل لو أنك عامل بسيط في معمل أفنيت عمرك وشبابك فيه، فقالوا لك: أنت لم تعد مناسباً لتحديات العصر.
تخيَّل معي لو كنت فناناً تقف على خشبات المسرح والمهرجانات، وتظهر على أغلفة الصحف والمجلات وأمام الكاميرات والشاشات، فجأة تجد نفسك مريضاً ومتهالكاً وفي منزل آيل للسقوط تترجى وتشكو حالك لأصحاب السمو والمقام العالي.
تخيَّل لو اختاروا لك صوتاً غير صوتك، ولوناً غير لونك، وهوى غير هواك، وأبطالاً من ورق يتحدثون عنك وباسمك.
تخيَّل لو خذلك من أقسمت على ألا تخذله يوماً.
تخيَّل لو نصب عليك إخوتك وأخذوا كل مالك وتركوك مشرداً وحيداً.
تخيَّل لو خطفوا منك ابنك وغيبوه وعذبوه، ولم تجد له أثراً فتدوخ من كثرة الزيارات لمخافر الشرطة والمستشفيات والسجون التي زُرتها، فتجده ذات ليلة فجأة على شاشة التلفاز يصرح بأنه من قتل جون كيندي وأسقط النيزك الأحمر من الفضاء وسرق ملابس الخباز وفجّر الكنيسة والمسجد.
تخيَّل ولا تخَف فهذه كلها مجرد تخيُّلات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.