ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يريد أن يمنح إسرائيل ما لا يمكن أن يقبله قائد فلسطيني أو عربي، فما يريده قد يشعل انتفاضة جديدة، هكذا وصفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية خطة الأمير محمد بن سلمان، التي طلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس تبنّيها.
وقالت الصحيفة إن عباس ذهب الشهر الماضي إلى العاصمة السعودية، الرياض؛ لإجراء مشاوراتٍ مع ولي العهد الطموح حول خطط الرئيس ترامب للسلام في الشرق الأوسط. لكن ما قيل خلف الأبواب المغلقة، أزعج المنطقة منذ ذلك الحين.
تفاصيل المقترح
ونقل تقرير "نيويورك تايمز" عن المسؤولين الفلسطينيين والعرب والأوروبيين الذين استمعوا إلى رواية عباس، أن خطة ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، التي قدَّمَها تُعد أكثر انحيازاً للإسرائيليين من أي خطةٍ قد تتبناها الحكومة الأميركية، ومن المفترض ألا يقبل بهذه الخطة أي زعيمٍ فلسطيني.
فالفلسطينيون سيحصلون على دولةٍ خاصة بهم، ولكن تلك الدولة ليست سوى أجزاءٍ غير متجاورة من الضفة الغربية، كما ستكون سيادتهم محدودة على أراضيهم. وستظل الغالبية العظمى من المستوطنات الإسرائيلية، التي يعتبرها معظم العالم غير قانونية، في الضفة الغربية كما هي. ولن يُمنَح الفلسطينيون القدس الشرقية عاصمةً لهم، ولن يكون هناك حق عودة للاجئين الفلسطينيين ولا لذريتهم.
ومن جانبه، نفى البيت الأبيض، الأحد 3 ديسمبر/كانون الأول 2017، نسبة هذه الخطة له، قائلاً إنَّ وضع صيغة نهائية لخطة السلام لا يزال يتطلَّب عدة أشهر، فيما نفت الحكومة السعودية تأييدها لهذه المواقف.
هل يتفاوض بالنيابة عن ترامب؟
وقد تساءل الكثيرون في واشنطن والشرق الأوسط عما إذا كان ولي العهد السعودي يقوم بالتفاوض عن ترامب بهدوء، في محاولةٍ لكسب الأميركيين بصفّه، أو أنّه يعمل بشكلٍ حر من أجل الضغط على الفلسطينيين أو تقديم أي عرض سخي في نهاية المطاف مقارنةً بالآخرين. أو ربما كان عباس، الذي أُضعِف سياسياً بوطنه، يرسل إشاراتٍ -لأغراضٍ خاصة به- بأنَّ الرياض تُشكِّل عليه ضغطاً.
وحتى لو ثبت أنَّ ما قيل ليس صحيحاً، فقد اكتسب رواجاً لدى عددٍ كافٍ من الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط، من أجل تنبيه الفلسطينيين بشكلٍ قوي لإثارة الشكوك حول جهود ترامب.
وبالإضافة إلى ذلك، قال المستشارون إنَّ الرئيس الأميركي يعتزم الإدلاء بخطابٍ يوم الأربعاء 6 ديسمبر/كانون الأول 2017؛ ليقرّ فيه بأنَّ القدس عاصمة إسرائيل، رغم أنَّ كل جانبٍ ينسبها عاصمةً له، وهو إعلانٌ يقول مُحلِّلون ومسؤولون إقليميون إنَّ من شأنه أن يُقوِّض دور أميركا كدولةٍ وسيطة محايدة من الناحية النظرية.
وقال المُتحدِّث باسم البيت الأبيض، جوشوا رافيل: "هناك تكهُّناتٌ وتخميناتٌ مستمرة حول ما نعمل عليه، وهذا التقرير ليس إلّا أحد تلك التخمينات".
وأضاف: "لا يعكس التقريرُ الوضعَ الراهن للخطة التي نعمل عليها أو المحادثات التي أجريناها مع الأطراف الإقليمية".
ملتزمون بمبادرة السلام
وقال الأمير خالد بن سلمان، سفير السعودية لدى الولايات المتحدة، في رسالةٍ عبر البريد الإلكتروني، إنَّ "المملكة لا تزال مُلتزمةً بالتوصُّل إلى تسويةٍ تقوم على مبادرة السلام العربية عام 2002، بما فيها القدس الشرقية عاصمةً لدولة فلسطينية على حدود 1967. ومن الخطأ اقتراح خلاف ذلك".
وأوكلَ ترامب جهود الوصول لما يسميه "الصفقة النهائية"، إلى صهره غارويد كوشنر، بمساعدة جيسون غرينبلات كبير مفاوضيه، ومساعديه الآخرين.
وهم يعملون الآن على وضع خطة شاملة بشكلٍ سري، بعد ما يقرب من عامٍ من جولات الاستماع في المنطقة.
وقال كوشنر في ظهورٍ إعلامي نادر له، الأحد 4 ديسمبر/كانون الأول، في مؤتمر سابان، وهو مؤتمر يهتم بشؤون الشرق الأوسط تستضيفه مؤسسة بروكينغز: "نحن نعرف ما تتضمَّنه الخطة". وأضاف: "يعرف الفلسطينيون المناقشات التي أجريناها معهم، كما يعرف الإسرائيليون المناقشات التي أجريناها معهم".
وأُجري لقاء الأمير محمد مع عباس بعد أقل من أسبوعين من زيارة كوشنر للأمير في الرياض؛ لمناقشة خطة السلام.
مهينة
وقد هزَّ الاقتراح منطقة الشرق الأوسط، التي تصارع بالفعل على عدة أصعدة، فيما أدهش المسؤولين العرب والمراقبين الغربيين على حدٍ سواء. وقال مسؤولون فلسطينيون من حركتي فتح، التي يتزعَّمها عباس، ومنافستها حماس، إنهم يرون أنَّ الخطة مُهينة وغير مقبولة.
وقال حسن يوسف، أحد كبار قادة حماس في الضفة الغربية وهو أيضاً عضوٌ بالمجلس التشريعي الفلسطيني: "إذا وافقت القيادة الفلسطينية على أيٍ مما سبق، فلن يسمح الشعب الفلسطيني لهم بالبقاء".
وبالإضافة إلى مسؤول لبناني رفيع المستوى وعددٍ من الأشخاص الآخرين الذين اطلعوا على هذه المسألة، أضاف المسؤولون الفلسطينيون من فتح وحماس أن ما عمَّق من صدمة الفلسطينيين هو زعم أنَّ الأمير محمد بن سلمان قد أخبر عباس بأنه إن لم يقبل فإنه سيُضغَط عليه للاستقالة لإفساح المجال أمام بديلٍ آخر قد يقبل العرض.
رشوة لعباس
وقال عددٌ من المسؤولين إنَّ الأمير قد عرض تحسينات للاتفاق من خلال زيادة الدعم المالي للفلسطينيين؛ بل إنَّه حتى عرض إمكانية دفع مبلغٍ بشكلٍ مباشر إلى عباس، الذي قيل إنه رفض.
وقال السفير السعودي الأمير سعود الفيصل، إنَّ المملكة تؤيد بشدةٍ "القيادة الفلسطينية في ظل الرئيس عباس"، وإنها "لم ولن تتدخل في الشأن الداخلي للفلسطيني".
ونفى نبيل أبو ردينة، المُتحدِّث باسم عباس، روايات اجتماع الرياض والمقترحات السعودية، قائلاً إنها "أخبار مزيفة"، و"لم تحدث"، وأضاف أنَّ الفلسطينيين لا يزالون ينتظرون اقتراحاً رسمياً من الولايات المتحدة.
غير أن النقاط الأساسية للاقتراح السعودي بصورتها التي قُدِّمت لعباس، يؤكِّدها العديد من الذين اطَّلعوا على النقاش الذي دار بينه وبين ولي العهد السعودي، بمن فيهم حسن يوسف القيادي بـ"حماس"، وأحمد الطيبي عضو الكنيست الفلسطيني، والعديد من المسؤولين الغربيين، وقياديٌ بارزٌ بـ"فتح"، ومسؤولٌ فلسطينيٌ بلبنان، ومسؤولٌ لبنانيٌ بارز، وسياسيٌ لبنانيٌ، وغيرهم كثيرون.
بديل للقدس
وكان مسؤولٌ لبنانيٌ حكوميٌ، قد تلقَّى مكالمةً من عباس، قد فوجئ بما وصفه اقتراحاً سعودياً يمنح الفلسطينيين بلدة أبو ديس الواقعة شرق مدينة القدس ليتَّخذوا منها عاصمةً لهم، حسب "نيويورك تايمز".
ويفصل أبو ديس عن القدس الجدار العازل الذي بُني كجزءٍ من حدود الفصل الإسرائيلي.
وقال المسؤول اللبناني إنَّه لا يوجد عربيٌ واحدٌ يقبل ذلك النوع من الألاعيب، مضيفاً أنَّه لا يمكن أن يقترح أحدٌ ذلك على الفلسطينيين إلا لو كان شخصاً عديم الخبرة يحاول مداهنة عائلة الرئيس الأميركي.
وقال مسؤولٌ لبنانيٌ وسياسيٌ لبنانيٌ، كلاهما قد اطلع على المفاوضات، إنَّ محمود عباس قد أُخبِرَ بأنَّ أمامه شهرين لقبول العرض، أو أنه سيُجبَر على الاستقالة.
سيناء
وقد قال مسؤولٌ فلسطينيٌ في لبنان، إن إحدى الأفكار التي قدَّمها السعوديون لتعويض الفلسطينيين عن خسارة أراضٍ من الضفة الغربية، كانت بأن يُمنَحوا أراضي من شبه جزيرة سيناء المصرية، التي هي صحراء صخريةٌ صارت مؤخراً مرتعاً لهجمات الجهاديين. وقال مسؤولٌ غربيٌ إنَّ مصر كانت قد رفضت تلك الفكرة أساساً.
غير أن الخبر الذي انتشر يوم الجمعة الماضي 1 ديسمبر/كانون الأول 2017 والذي جاء فيه أن ترامب سيعترف بالقدس عاصمةً لدولة إسرائيل، يشير إلى أنَّ الأفكار التي اعتُبِرَت قبلاً غير قابلة للنقاش يمكن بجدية أن تؤخذ الآن بعين الاعتبار.
وسيُعتبر الاعتراف بعاصمةٍ إسرائيليةٍ في القدس -دون حتى إنكار أخرى فلسطينيةٍ صراحةً- انقلاباً على عقودٍ من التوافق بين صانعي السلام الدوليين، والقائل بأن أي تغييرٍ في وضع القدس يجب أن يأتي ضمن اتفاقٍ تفاوضيٍ.
قلق من حلفاء أميركا
حتى إن بعض ما قيل عن الخطة أقلق بعض أقرب حلفاء الولايات المتحدة، الذين باتوا يتوقون إلى سماع توضيحٍ من البيت الأبيض.
وكان مستشارٌ للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، طلب عدم الإفصاح عن هويته، قال إن المسؤولين الفرنسيين قد سمعوا صورةً ما عن بعض الاقتراحات السعودية، والتي بدت مشابهةً لمحاولات الإسرائيليين وغير مقبولة بالنسبة للفلسطينيين.
وقال إنَّ فرنسا نصحت الأميركيين بأن يتابعوا المفاوضات إذا ما أرادوا بدءها، على أن ينتبهوا إلى أن للفرنسيين ولغيرهم مصالح واهتمامات في المنطقة.
وقال المسؤول بحركة فتحٍ إنَّ الرئيس عباس كان مستاءً بشكلٍ واضحٍ من الاقتراح.
وقال يوسف القيادي بـ"حماس"، في لقاءٍ، إنه كانت هناك مخاوف من عدم إعلان محمود عباس ومساعديه موقفهم المستاء من الاقتراحات السعودية بشكلٍ علني.
وتابَعَ: "طالما يُؤثِرون الصمت حيال الأمر، فستظل لدينا مخاوفنا من حدوث ذلك"، مضيفاً أنَّه في حال تلقي محمود عباس أي عرضٍ فإنه "من المهم" أن "يُخبِر الشعب الفلسطيني بأننا معروضٌ علينا هذا العرض وذاك، وأننا رفضنا ذلك العرض".
تغيّر سريع
وفيما تبدو الاقتراحات بعيدة الاحتمال، فإنَّها قد نبَّهت الفلسطينيين والمسؤولين العرب بشدةٍ إلى أنَّهم في خضم واقعٍ إقليميٍ سريع التغيُّر.
وتربط وليَّ العهد السعودي، ذا الـ32 عاماً، علاقةٌ وثيقةٌ بكوشنر البالغ من العمر 36 عاماً، فكلاهما لا يملك خبرةً كبيرةً في السياسة الخارجية، ويرى كلٌ منهما نفسه إصلاحياً مُبدِعاً قادراً على كسر نمط التفكير المُتحجِّر القديم.
وقد أوضح الأمير السعودي أن أولويته الأولى ليست القضية الفلسطينية، التي شكَّلت نقطة ارتكازٍ للسياسات العربية لأجيال، وإنما المواجهة مع إيران.
لماذا يفعل ذلك؟ ويقول مسؤولون ومُحلِّلون إقليميون إنهم يعتقدون أنه يحاول فرض استقرارٍ في فلسطين على أمل توطيد تحالفٍ مع إسرائيل ضد إيران.
بينما يرى مسؤولون غربيون وإقليميون أن هدف السعودية الرئيسي هو تطبيع العلاقات مع إسرائيل على ما يبدو، الأمر الذي سيكون صعباً إذا ما استمرت المقاومة الفلسطينية قضيةً قومية. ولا تجمع السعودية بإسرائيل أي علاقاتٍ رسميةٍ اليوم، غير أنه يُشاع أنَّهما لطالما تعاونتا سراً لسنواتٍ في شؤونٍ أمنيةٍ.
لكن الكثير من جهود الأمير محمد في السياسة الخارجية حتى الآن قد باءت بالفشل، الأمر الذي يعكس ما يسميه كثيرٌ من مسؤولي ودبلوماسيي المنطقة قلة فهمٍ لأساسيات الديناميكية الإقليمية، أو تعمداً لتجاهلها.
فحصاره لقطر بدعوى تقرُّبها من إيران، دفعها أكثر من أي شيءٍ آخر لمزيدٍ من التقرُّب تجاه طهران. ومناورته الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2017)، للضغط على رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، لتقديم استقالته -في محاولةٍ لعزل حليف إيران اللبناني حزب الله- قد انقلبت عكسياً، ليخرج منها سعد الحريري مُحتفِظاً بمنصبه، وربما أقوى من ذي قبل.
وقد بدأت صافرات الإنذار بالدوي في المنطقة الشهر الماضي، حين بدأ عباس إجراء مكالماتٍ هاتفيةٍ مع القيادات السياسية بالمنطقة، بعد مغادرته الرياض.
انتفاضة جديدة
كان المسؤولون الفلسطينيون قد أقروا بالفعل أنَّ حركةً كهذه ستُهدِّد أي فرصةٍ لحل الدولتين، وربما حتى تستفز انتفاضةً فلسطينيةً جديدةً.
وفي بيانٍ له أصدره الأحد 3 ديسمبر/كانون الأول، قال المفاوض الفلسطيني صائب عُريقات إنَّ تلك الحركة قد تسبب "حالةً من الفوضى الدولية وعدم احترام المؤسسات والقانون العالميين".
وقال إن الولايات المتحدة سوف تزعزع استقرار المنطقة، وتثبِّط أنصار الحل السلمي، و"تنزع عن نفسها الأهلية للعب أي دورٍ في أي مبادراتٍ ساعيةٍ لتحقيق سلامٍ عادلٍ ودائمٍ".