تصحيح المؤسسة المسلحة النظامية العراقية يبدأ من إصدار تعليمات لقانون هيئة الحشد الشعبي، ترك قانون الهيئة مجملاً بدون تعليمات تفصيلية، يجعل في عراق ما بعد داعش سلاح ظل، وبمجرد حدوث ضغط عسكري على بعض فصائل الحشد أو حسم سياسي أو ضغط خارجي، سيرى العالم أثره في الداخل العراقي.
القائد العام للقوات المسلحة يمكنه حسم الجدل المحلي والإقليمي والدولي في العراق حول مصير 152 ألف متطوع مسلح، بمجرد عقد تسوية قانونية ملائمة تراعي القانون، هناك العشرات من الأحزاب الجديدة التي تأسست على برك دماء وتضحيات مقاتلي الحشد لكن لا يعنيها سوى بعدها السياسي والاقتصادي، أما المطالبة بحقوق المتطوع وفق آليات القانون فالوضع مختلف.
الربط بين تصنيف بعض فصائل الحشد كفصائل إرهابية وبين تعطيل إصدار تعليمات لقانون الحشد إخلال جسيم بجسم الأمن العراقي ومصالح المتطوعين.
ملف الحشد رغم أهميته عند رئاسة الحكومة العراقية، يأتي في المرتبة الثالثة بعد ملفي الفساد والانتخابات، يكمن الفارق في انعدام إرادة السفارات الكبرى في العراق على مناقشة هذا الملف بجدية ووضع الحلول الحقيقية على الأرض بخلاف الملفات السابقة.
كل مجهود حكومي ودولي يسهم في اجتثاث جذور الفساد، واقتلاع رموزه، يجب دعمه دعماً كاملاً، هناك قيادات سياسية عراقية يحاولون ربط ملف الفساد بملف الحشد الشعبي ويبثون أخباراً مضادة لصالح أطراف من قيادات أحزابهم ضالعة ومتورطة بالفساد.
فالحشد الشعبي يشارك في إدارة الأمن الداخلي لـ10 محافظات، والحكومة الاتحادية لا تستطيع أن تستغني عن تلك المشاركة في مرحلة تمكين الاستقرار، خاصة مع تعدد الخواصر الهشة في أطراف المدن والمحافظات المحررة، العمليات المشتركة العراقية ليس بين يديها إلا القبول، وتعليمات قانون الحشد القادمة لا تزال مجهولة المعالم والمصير، القلق الذي ينتاب دول التحالف الدولي احتمال أن يتحالف الحشد الشعبي سياسياً مع أحزاب غير شيعية، وبالتالي ظهور تغيير بالديموغرافيا السياسيّة، هذا التغيير سوف يسيطر على ما تبقى من المحافظات الشمالية والغربية بمساعدة الفصائل السنية التي حاربت داعش، هذا التحالف ربما يعمل على تحويل العراق إلى دولة المكون السياسي الواحد "التشيع السياسي" وكيلاً لبرامج السياسة الإيرانية.
وكما حدث في مؤتمر يالطا عام 1945، تجد الولايات المتحدة اليوم نفسها في خضم الحرب على الإرهاب؛ حيث يتعين عليها طرح أسئلة صعبة حول كيفية التعامل مع الحلفاء، وسبب خوضها تلك الحرب في العراق، وهوية حلفائها الموثوق بهم، وكيف تتصرف مع هؤلاء الحلفاء بعد هزيمة داعش عسكرياً.
ومع أن تكثيف التواجد في العراق يستحق العناء، إلا أنها مهمة معقدة وتزداد تعقيداً في ضوء الصراع الإيراني الأميركي من جهة والصراع الإيراني السعودي من جهة أخرى هناك.
إن الانقسام والتمايز بين فصائل الحشد الشعبي على أساس المرجعيات الدينية والقومية والسياسية واقعٌ ملحوظ وربما الاقتتال المحدود هو نهاية هذه القصة؛ لذلك يجدر بواشنطن أن تحاور إيران من أجل احتواء الصراع القادم، وعليها تحديد بعناية مواقفها حيال مختلف فصائل الحشد الشعبي، والعمل على إيقاف تمرد البيشمركة الكردية على حكومة بغداد.
وبشكل عام، فإن الولايات المتحدة وفرنسا ودولاً من الاتحاد الأوروبي والخليج العربي تفضل حل الحشد الشعبي ودمجه بالقوات المسلحة العراقية "الجيش والشرطة"، إلا أن حكومة العبادي لا تثق بهذا النوع من الحلول كحل جذري، وتعتقد أن هذه الفصائل كل ما تحتاجه هو بعدها عن مرجعياتها الدينية والسياسية، وضرورة التزامها وقبولها بالقانون، وهي قادرة على المشاركة في المزيد من الاستقرار إذا ما تم إصدار تعليمات خاصة لقانونها.
وحكومة العبادي تعتقد أن انخراط فصائل الحشد الشعبي في القوات المسلحة النظامية على وجه التحديد يشكل خطراً لسببين؛ الأول: هو أن مشاركتها سوف تقوي مشاريع انتخابية لأحزاب لها صبغة طائفية وقومية، والثاني: إذا عملت هذه الفصائل كجسم مميز داخل القوات المسلحة دون رقابة أو انضباط، فسوف تكون المنظومة الأمنية أمام تحدي التجزئة عند وجود هذا الجسم المميز الذي لا يقبل بالاندماج الحقيقي عدا سرايا السلام وفصائل العتبات التابعة لمرجعية النجف.
من هنا، تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الالتزام بشدة في تشجيع القائد العام للقوات المسلحة العراقية لإصدار تعليمات خاصة بقانون هيئة الحشد الشعبي، التي تعالج مشاكل العدد والأسماء والرتب الفخرية ونوع السلاح وجغرافيا الانتشار والمحاصصة الطائفية والقومية والعمر والتحصيل الدراسي والمخازن والمعسكرات والتخابر مع دول الجوار والمساعدات المالية والزي الرسمي والانضباط العسكري، والمحاكمات الخاصة، وعبور الحدود الوطنية، والحقوق المالية والتعاقدية، والضمان الصحي والاجتماعي… إن هذه التعليمات بإمكانها تحويل قوات هيئة الحشد الشعبي في مرحلة ما بعد "داعش" إلى شريك أمني مستقر وساند لمنظومة الدفاع الوطني العراقي، وإهمالها أو التريث بها يشكل أحد أكبر التحديات المقبلة وربما هو صعب جداً بالنسبة لعراق واحد ومستقر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.