وراءَ كلِّ عظيم قاتلٌ متسلسل لروحهِ وجسدهِ، بدءاً بقابيل بأسطورةٍ رمزية تبيح سلسلة الجرائم التي سُجلت في تاريخنا الدموي المنير، ومن منظورِ زاويةٍ مجهولة كلُّ عظيمٍ في كلِّ أمةٍ جرت العادة أن يُقتَل تحت قانون الاغتيال السياسي أو الاجتماعي أو الأخلاقي، ثم لا يلبث أن تمضي سنواتٌ قليلة ليُعادَ التمجيدُ بحذائهِ لتُخفى جريمة قتلهِ الكبرى، فلا يحاسب التاريخ القتلة؛ لأن النتيجة الحتمية التي حدثت من تمجيدٍ في نظر التاريخ أقوى، ولا يعلم أحدٌ أن مَنْ طلبَ رأسَ المسيح وغيره، هو نفسهُ مَنْ مجَّدَ حذاءهُ!
لا تقع أصابع الاتهام على أحد، فلا يهم مَنْ شرَّعَ هذه الشريعة، شريعة القتل ثم التمجيد، ما يهمنا كيف تمشي شعوبنا كالخرفان وراء تزييف حقائق القتل والتمجيد؟ وكيف ترضى عقولنا بهذا التشريع والتزييف؟ وليس علينا إلّا أن نسألَ: مَنْ التالي؟
ورفقاً بالشيطان قد خُلق من نارِ السموم، إلا أننا خُلقنا من تراب السموم، آخذين معنا ما أَطفأتُه النار، نارُ الشيطانِ فينا، لنُحلِّقَ في ابتهالاتٍ لا يصلُ صداها للحناجر.
كيف تقاعدَ إبليس عن منصبهِ؟ وأجلسَ آلافَ السياسيين في مناصب تخدمهُ أو قد لا تخدمهُ فعلياً! فهل حقيقةً نحن في خطة الشيطان أم في خطةٍ بشرية متواترة، تأخذُ كلَّ مفكرٍ وعالمٍ إلى قبرهِ دون استثناء؟
غريزة إبليس وغيرته القاتلة على من أحبه وأفنى عمره فيه، ثم شعر بأن أحداً ما أخذ مكانه، جعلته يتحدى كِلا الطرفين بالفشل، لكنه لم يستخدم أدواته؛ لأن أدوات الإنسان واقعية تناسب دنياه أكثر، وإبليس روحانيٌ لا يستطيع تجاوز قدره.
هل هي براءة لإبليس بأنه فشل من قبل أن يبدأ، وأن الإنسان هو المُحاكم الوحيد في قتلِ العظماء؟
نعم، هذا ما يجب أن تزول الغشاوة عنه، فإبليس الصغير القابع فينا، والذي لا يمتلك أي جينة للروحاني إبليس تصله به، هو جينة بشرية من أصل الخلق.
فلا نعزو أي نظرة شاملة لنا إلى أحد، فنحن الخطيئة والغفران في آنٍ واحد، كما القتل والتمجيد في آنٍ واحد.
ماذا ينتظر الجميع؟ تعددت الإجابات، فمنهم المُنظَر ومنهم المُنتظِر ومنهم الناظِر.
حين ننفض الغبار الكوني عنا تظهر حقيقة جميلة؛ أنَّ الإنسان يستطيع أن يبني دنيا معقدة وجميلة جداً تخدم معيشته إن توقف تشريع القتل، فكينونته في الخير قوية إن عرف أنَّ حجم المصيبة ليس كبيراً، وإنما هناك مبادئ لو شرَّعتها الشعوب لتوافقت وازدهرت.
فما حاجتنا إلى سياسيي المرحلة، الذين يعبئون سراويلهم ويورثونها ضعفاً جيلاً بعد جيل؟
نحن نحتاج إلى مفكري الأمم، وأن تُلغى المناصب في تعددياتها، ليكون خوض غمار الواقع المدني للشعوب والبيئات التحتية لها أقوى منها، فمن دون الأنا الذاتية تزدهر الحضارات، ولكن هيهات لهذا الصريخ في ضمائرنا، ولا بدَّ أن نكرِّس الشيطان لكلِّ شيء تُهمةً له، وهو جالسٌ مذعورٌ منا، فنحن نتقن فن اللعبة وتحريك الأحجار والقلوب وتمجيد الأحذية بشتى أنواعها.
فالأرواح لا تبلى وتكاد تتكرر بتجاعيدها نفسها في أحذيةٍ مختلفة، ويختلف الرباط في تصنيعه من دولة المنشأ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.