أزمة الكرد السوريين في “أحزابهم”

وأمام هذا المشهد القاتم وكما هو لافت لم يعد مهماً لدى كرد سوريا ما يجري داخل تلك الأحزاب، أو في ما بينها، ولم تعد بذات قيمة انعقاد اجتماع هذا الحزب أو ذاك بسبب انعدام الثقة بين الناس وفقدان المصداقية من داخل قيادات تلك الأحزاب، وما ألحقت من أذى بالقضية الكردية وبمستقبل الكرد ودورهم في الحياة السياسية والنضال الوطني بصورة عامة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/19 الساعة 04:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/19 الساعة 04:25 بتوقيت غرينتش

ما يحصل على الساحة السورية في هذه المرحلة الانتقالية وبعد انقضاء سنوات ست من عمر الثورة السورية، وبعد كل القتل والدمار من جانب نظام الاستبداد، ومن مصادرة لقرار السوريين وحروب مباشرة وبالوكالة حول النفوذ والمصالح الأجنبية، واحتلال عسكري من أربع دول وما يقارب عشر منظمات ميليشياوية طائفية، إلى جانب تراجع الثورة إلى حدود الجمود وتساقط المعارضة التي قادها عملياً وسياسياً، وبشكل عام حركات الإسلام السياسي التي نصبت شخوصاً (قوميين وليبراليين ويساريين)، وأحياناً بالواجهة في سبيل التضليل والاستهلاك، والتي ادعت أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب وثورته، نقول: ما نشهده الآن من ألاعيب روسية وأميركية في وضح النهار وتقلبات تركية أسرع من البرق ومن خطط إيرانية مبيتة على مستوى عموم الوطن نلحظ (شبيهها) وبصورة مصغرة في الساحة الكردية السورية، والفرق أن أبطالها عندنا من الوكلاء "الحزبيين".

أوساط واسعة لا يستهان بها من الوطنيين الكرد السوريين المستقلين ومن نخبهم الثقافية والسياسية وأجيالهم الجديدة، وقد تشكل الرأي الغالب في المجتمع الكردي ومنذ أمد بعيد ليس نظرياً فحسب، بل بحكم المعايشة والوقائع والنكسات الصادمة على أرض الواقع لم تعد تعتبر السيستم الحزبي الراهن محركاً ملائماً لنضال الحركة الوطنية الكردية، أو معبراً صادقاً عن دورها وأهدافها، أو حاملاً لبرنامجها ومشروعها القومي والوطني، فقيادات أحزاب (المجلسين) من المتحكمة بسلطة الأمر الواقع أو الباحثة عن محاصصتها لا تعير أي انتباه إلى مستقبل كرد سوريا بقدر ما تنطلق من العقلية الحزبية المؤدلجة، وتقديم الخدمات لمرجعياتها الخارجية في ظل صمتها المزمن إزاء التطورات السريعة على المستويين الوطني السوري والقومي الكردستاني، وعدم الإفصاح عن مواقفها الراهنة والمستقبلية بعد إخفاقاتها المتكررة حتى في إرساء تفاهمات بين بعضها البعض، أو حماية أنفسها من الانقسامات.

وأمام هذا المشهد القاتم وكما هو لافت لم يعد مهماً لدى كرد سوريا ما يجري داخل تلك الأحزاب، أو في ما بينها، ولم تعد بذات قيمة انعقاد اجتماع هذا الحزب أو ذاك بسبب انعدام الثقة بين الناس وفقدان المصداقية من داخل قيادات تلك الأحزاب، وما ألحقت من أذى بالقضية الكردية وبمستقبل الكرد ودورهم في الحياة السياسية والنضال الوطني بصورة عامة.

أما ما أعلن عن منع سلطة حزب "ب ي د" لانعقاد (المؤتمر الرابع للمجلس الوطني الكردي) بالقامشلي مؤخراً، فبالإضافة إلى أن الخبر لم يحظَ باهتمام القريب والبعيد بقدر ما أثار جملة من التساؤلات المشروعة، ومنها:
على ضوء معرفة المجلس وكل المراقبين أن "ب ي د" وعلى منوال حزبه (الأم ب ك ك) ليست حركة ديمقراطية بل هي تنظيم عسكري شمولي يتداخل عضوياً مع الامتدادات المشابهة من جانب نظام الأسد والميليشيات الإيرانية، ولا يتقبل المخالف لماذا يدعي (المجلس) أنه سيعقد مؤتمره في ظل سلطة يقودها "ب ي د"؟

وهل دخول البعض إلى القاعة باسم عقد المؤتمر مسرحية حبكتها قيادة (المجلس) للتخلص من العبء والإحراج وتهرباً من المحاسبة والمساءلة؟

ثم هل شعر أحد أن قيادة (المجلس) الراهنة هيّأت الوثائق والمشاريع ومقترحات التجديد والإصلاح لعرضها على المؤتمر "غير" المنشود؟ وهل علم أحد عن توافر مواقف مستجدة تحول دون تفاقم الصراعات والعودة إلى الحوار والتفاهم وتجنيب الكرد نكسات أخرى متوقعة؟ وهل يطلعنا أحد على أسباب سماح سلطة "ب ي د" لحضور مسؤولين حزبيين ومجلسيين وإقامتهم بحرية في القامشلي ومنع بعض أقرانهم وبينهم رئيس مجلسهم؟

وأخيراً نتساءل: ماذا عن مشروع "بزاف" المعلن في وسائل الإعلام حول تجديد (المجلس) وإصلاحه وتبديل هيكليته وبرنامجه واسمه وسياساته ومن خلال مؤتمره الرابع وعبر لجنة تحضيرية بغالبية من المستقلين والشباب حتى يصار بشكل ديمقراطي إزاحة التحكم الحزبي الفاسد عن كاهله ومده بالدماء الجديدة وشق طريقه حاملاً المشروع القومي والوطني الكردي السوري، وإعادة الاتحاد والتفاهم إلى صفوف الكرد السوريين، وإعادة بناء التحالفات الوطنية والقومية والخارجية، انطلاقاً من مصالح الشعب الكردي، وصيانة وتعزيز شخصيته المستقلة.

كفاكم يا معشر الأحزاب تضليلاً لشعبنا، فقضيتنا ومصيرنا لم يعد رهناً على تصفيات حساباتكم الحزبية والفئوية والشخصية، وما يتحكم بحاضرنا ومستقبلنا ليس أصحاب المصالح الخاصة، بل هو هاجس مهمة إعادة بناء الحركة الوطنية، هو المشروع القومي والوطني الذي نبحث عنه، ولن نتوقف بعد الآن على أخباركم المملة التي تهد العزائم، ولا تبشّر بالخير، بل سنبقى على أهبّة الاستعداد، وفي معمعة الفعل والتفكير؛ للإجابة على التساؤل التاريخي: ما العمل غداً؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد