غورباتشوف العرب

السباق المحموم مع إيران دون خطة أو مشروع لمواجهة المشروع الإيراني والدفع الأميركي باتجاه العداء المباشر مع إيران، الذي لم يكن خافياً سابقاً، لكنه ازداد قوة في الآونة الأخيرة، بسبب دعم الرئيس ترامب لهذا الاتجاه.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/18 الساعة 01:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/18 الساعة 01:54 بتوقيت غرينتش

ليس من باب المقارنة أن أتحدث عن غورباتشوف، آخر زعيم للاتحاد السوفييتي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وإنما من باب التحذير من خطورة الإصلاح المفاجئ والتخبط في السياسات واتخاذ قرارات قد تؤشر إلى مستقبل مجهول للمملكة العربية السعودية.

ميخائيل غورباتشوف آخر زعيم للاتحاد السوفييتي، وفي عهده تبنى سياسة ذات بعدين، هما البروسترويكا والغلاسنوست، أي الإصلاح وإعادة البناء، فالاتحاد السوفييتي الذي نخره الفساد وتضخمت أحلام الشعب فيه بالتحرر والانفتاح، قاده غورباتشوف إلى ذلك بطريقة متهورة، فالخراب الذي كان يعيشه الاتحاد السوفييتي حينها يحتاج إلى خطة أكثر عمقاً ومتدرجة للوصول إلى تغيير تنعكس نتائجه بشكل إيجابي.

ففي مرحلة التراجع والانحدار التي كان يعيشها الاتحاد السوفييتي لم يكن التغيير المفاجئ والحاد الحل الأسلم، بل كان إبرة الموت الرحيم للاتحاد السوفييتي، ولم يجد غورباتشوف بعدها أي إنجازات يتحدث عنها إلا أنه أدخل البيتزا وظهر في الإعلانات، ووقف على منابر يتم التصفيق له على أنه بطل، وأي بطولة عندما تساهم في تدمير بلدك.

في المملكة العربية السعودية لم يعد خافياً على أحد صراع السلطة الكبير داخل العائلة المالكة، وهو ما أدى إلى حملة الاعتقالات الأخيرة؛ لتثبيت ولاية عهد بن سلمان وقرب إعلانه ملكاً خلفاً لوالده، كل هذا في ظل تنافس حاد في الاستقطاب مع إيران وحرب في اليمن لم تحدد بعد معالم نهايتها، وتريد السعودية نهاية مشرفة على أقل تقدير.

إضافة لتراجع عائدات النفط وتخبّط السياسات الاقتصادية، وعدم قدرة المواطن السعودي على تحمل التبعات بشكل مفاجئ من ارتفاع للأسعار والضرائب، وأسعار الخدمات ووضع للعمالة الوافدة في ظروف صعبة اضطرت الكثيرين للعودة إلى بلادهم، وقد لا تستطيع السعودية تعويض هذه العمالة من العمالة السعودية، إضافة إلى عدم القدرة حالياً على التحول مباشرة إلى مرحلة الإنتاج، وعدم الاعتماد بشكل مباشر على عوائد النفط؛ لأن ذلك يتطلب وقتاً طويلاً وتهيئة للمواطن السعودي والموارد البشرية والإرث الذي رسخته الدولة اقتصادياً.

أما الانفتاح المباشر بعد عقود طويلة من الانغلاق قد يسبب مشاكل كبيرة جداً، خاصة أن المجتمع السعودي لم يستعد ذهنياً لتقبّل كل هذا التغيير الحاد، وإذا ما أضفنا إلى ذلك الأزمة القطرية التي لا يوجد أمل قريب في حلها، أضِف لذلك أن سياسات الرياض أصبحت تصدر من أبوظبي، وهو تراجع في مكانة وقيمة المملكة.

السباق المحموم مع إيران دون خطة أو مشروع لمواجهة المشروع الإيراني والدفع الأميركي باتجاه العداء المباشر مع إيران، الذي لم يكن خافياً سابقاً، لكنه ازداد قوة في الآونة الأخيرة، بسبب دعم الرئيس ترامب لهذا الاتجاه.

كل ما تقدم هو محاولة لرفع دولة في حالة احتضار ووضع سلاح بيدها تضرب به من معها ومن ضدها، وهي مخاطرة كبيرة تؤشر إلى ورطة حتمية ستعيشها الرياض، ستعمق من بوادر التراجع، بل الانهيار على كافة الصعد.

ما تحتاجه السعودية خطة مطوّلة لبناء الداخل السعودي والإنسان السعودي؛ ليصبح منتجاً، ولبناء عقلية قادرة على تقبّل الانفتاح الفكري والديني لا الخضوع له، ولا بد من تطوير خطة اقتصادية موازية تعمل على الدخول لكل قطاعات الإنتاج والصناعات بعيداً عن الإبهار والتبهير والمشاريع الوهمية أو الضخمة، بل بالاعتماد على مشاريع واقعية، تتناسب مع طبيعة الموارد البشرية السعودية واحتياجات المجتمع السعودي والمحيط الجغرافي، وبدون التروي والهدوء ورسم السياسات المرنة والجادة سيكون هناك إشارة إلى الانهيار كإشارة جدار برلين، عندما أصبحت الحقيقة الأكبر التي تابعها الملايين عبر العالم؛ لتعلن انهيار الاتحاد السوفييتي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد